شوف تشوف

الرئيسية

آلهة صغيرة

خديجة عماري
نقدس الكثير من الأشياء في حياتنا دون أن يكون للمقدس سبب مقنع، فقط لأن الذين سبقونا فعلوا ما نفعل، قد تغضب الطبيعة ونعتقد بأننا كسرنا كل الحدود واستحققنا العذاب ! فالخوف ينفخ في قيمة الأشياء.
لطالما كان الأدب واحدا من أهم المراجع التي توثق هذه المظاهر الاجتماعية والنفسية، ولا يتوقف دوره عند كونه وثيقة، على حد تساؤل فنسان مونت: «هل لهذا الأدب قيمة سوى أهمية الوثائق؟» (عبد الله العروي- «الإيديولوجية العربية المعاصرة»- ص:207). فقد كان في بدايته أداة للاكتشاف وانتقل إلى حقل التحليل والنقد، «سينتهي عن قريب طور الاكتشاف ليحل محله طور أكثر خطورة طور النقد والتقييم». (عبد الله العروي- «الإيديولوجية العربية المعاصرة»-ص:207). غير أنه تحليل وانتقاد يبقى بعيدا عن الحقل السياسي الذي يجد أن يتحد معه، فالمشترك واحد وهو «المواطنون/المجتمع المعني».
ولكون الأدب ذلك العالم الموازي برؤى الكاتب الخاصة ينقل لنا، آثرت الحديث قليلا عن واحدة من روائع الأدب الافريقي، «اللون الأرجواني» لأليس وولكر، وهي تتحدث على لسان مجموعة من أبرز شخصياتها (جوزيف وسيلي ونيتي). هذا العمل الذي ينقل لنا جزءا يسيرا عن الاضطهاد الذي عانى منه الإفريقي تحت وطأة الجهل والاستعمار، أمام ثقافة غنية وأرض خصبة، ومناجم لاتزال عذراء.. ولعل كتاب «الاستشراق» لإدوار د سعيد، الذي فصل فيه مظاهر علاقة الشرق بالغرب، أو الشمال بالجنوب، ليست علاقة تكاملية كما يجب أن تكون، بل علاقة تراتبية ومصلحة، ففي المخيال الغربي، يعتقد الرجل الأبيض بأنه رسول الله لهذه المناطق التي يمكنه أن ينشر فيها معتقداته عن طريق الحملات التبشيرية، التي تحط الرحال في تلك الأراضي بهدف نشر القيم النبيلة والمحبة والسلام والعلم، لكنها ما تفتأ تغرس جذورها حتى تلحق بها المراكب بحرا للضم الاستعماري، وهو تاريخ حركة الاستشراق المعروف.
يقول إدوارد سعيد حول الاستشراق الذي حدد انطلاقته أواخر القرن 18، «استطعنا أن نناقش ونحلل الاستشراق بصفته المؤسسة الجماعية للتعامل مع الشرق- والتعامل معه معناه التحدث عنه، واعتماد آراء معينة عنه، ووصفه، وتدريسه للطلاب، وتسوية الأوضاع فيه، والسيطرة عليه». «الاستشراق» -ص:46. ولعل التاريخ المعيش دليلنا على ذلك، وفي عودة إلى رواية «اللون الأرجواني»، نجد أليس تسرد واحدة من طرق الهيمنة على لسان شخصياتها، والتي اعتمدها المستعمر من أجل ذلك، وقد ورد ما يعادل هذا الاضطهاد في أعمال كل من شينوا أشيبي وإلين جونسون سيرليف (رئيسة ليبيريا)-مذكراتها «this child will be great»، وغيرهم كثير.
«كان الطريق بالفعل قد حفر في حقل البطاطا الجديد الذي تملكه كاثرين، أَشْهَرَ سكان تولينكا أسلحتهم إلا أن عمال الطريق سبقوهم إلى ذلك، كانت بحوزتهم بنادق يا سيلي، وأوامر بإطلاق النار ! كان الأمر مثيرا للشفقة يا سيلي. شعر الناس بأنهم تعرضوا لخيانة مريرة ! تأهبوا يائسين- هم لا يعرفون بالفعل كيف يقاتلون، ونادرا ما فكروا بالقتال منذ ما مضى من حروب القبائل-إذ دمرت محاصيلهم ومنازلهم». «اللون الأرجواني»- (ص: 182).
هذا المقطع واحد من الشواهد التي تصف فداحة الرأسمالية البشعة التي تعتمد المكر من أجل تحقيق المصالح الشخصية، فالرجل الإنجليزي الأبيض أخبر سكان القرية برغبته في إحداث طريق رئيسية معبدة تسهل مرور الدراجات الهوائية، حتى تسهل الحياة على سكان القرية، لكن ولا واحد من سكان القرية يمتلك سيارة ولا حتى دراجة هوائية.. كان يود أن يحدث تلك الطريق من أجل مصالحه هو حتى يرسي دعائم احتلال القرية برمتها، كذلك فعل المحتل في الأرض الهندية، والفرنسي في الأرض المغاربية.. لقد احتلت أولينكا «المنطقة برمتها بما في ذلك قرية أولينكا، أصبحت الآن ملكا لمصنع مطاط في إنجلترا». «اللون الأرجواني»- (ص:182). طرق الاحتلال اليوم مختلفة عن تلك التي كانت بالأمس، ما يمكن أن يلاحظ هو أن هناك هجمة داخلية على البلدان كالخلية التي تلتهم نفسها وتموت، يتبعها اقتسام الكعكة، تماما كما هو حال سوريا واليمن، وليبيا والسودان والله أعلم أي المناطق ستنضم.
اخترت الاتجاه نحو الأدب لدراسة هذه الأحداث لكون اللغة التي تستخدم في طرح ومعالجة الأحداث والوقائع، كما يقول عنها إدوارد سعيد، «اللغة نظام بالغ التنظيم والتشفير، تستخدم وسائل كثيرة للتعبير والإشارة وتبادل الرسائل والمعلومات، والصور التمثيلية وما إلى ذلك». «الاستشراق»- (ص:71)- لذلك عن طريقها يمكن التدقيق أكثر في ما لم يدرجه المؤرخ الذي يدون ما يمليه عليه البلاط لا الشعوب التي تقاسي مرارة الاضطهاد، وغلبة الآلهة الصغيرة التي يجب تحطيمها، وتحطيم إيديولوجيتها فـــ»نقطة الانطلاق دوما إيديولوجية»، كما يقول جورج لوكاش «تحطيم العقل»-ص: (12).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى