الرأي

أجيال مختومة بالشمع الأحمر

لا يمكن للصحافة الغربية أن تهمل حادث مقتل طالب جامعي باسم صراع الفصائل الطلابية. وبما أن الصمت الرسمي لوزير التعليم العالي كان هو سيد الموقف، فإنه من العادي أن يفتح باب التأويلات للمنابر المعادية لوحدة المغرب الترابية، لكي تدلي بدلوها في الموضوع.
ما وقع، أن بعض المواقع الأجنبية الناطقة باللغة الإنجليزية والتي تهتم بالشأن الإفريقي عموما، تداولت الخبر من منظور آخر، ولم تكن في حاجة إلى أخذ الموقف الرسمي المغربي، لأنها حتى لو بحثت عنه فلن تجده. وهكذا تحدثت عن مصرع الطالب الأمازيغي، والصراع الطلابي بين الأمازيغي والصحراوي في الترويج لأطروحة الانفصال، وكأن هذا الصراع قائم على أرض الواقع. والحال أن مثل هذه الصراعات لا تكون إلا في عالم الجامعات، حيث يعتقد الطلبة المساكين أنهم سيغيرون العالم من مقصف الجامعة، حيث ثمن القهوة لا يتجاوز درهمين.
لسنا بطبيعة الحال ضد النضال الطلابي، فهو أمر مطلوب، لكن المشكل أن الطلبة الذين يكونون متحمسين للدفاع عن آرائهم، أو تبني آراء الفصيل الطلابي الذي ينتمون إليه، غالبا ما يعيشون في عالم لا يوجد إلا في الكتابات وينتهي فور مغادرة الحياة الجامعية.
لا يمكن مثلا أن تقنع مواطنا يتحدر من سوس، ويقيم في مدينة الداخلة بالصحراء منذ الثمانينات أو السبعينات أن هناك صراعا بين الصحراويين والأمازيغ، لأن انتشار المغاربة من الشمال إلى الجنوب يعكس تنوعا كبيرا في الاختلاط بين الانتماءات والأصول القبلية، التي أصبحت متجاوزة على عكس السابق. وهكذا تبدو أطروحة الانفصال مدعاة للضحك.
صمتُ لحسن الداودي، وزير التعليم العالي، الذي بكى بحرقة عندما أدى العنف الجامعي إلى وفاة الطالب، الحسناوي، المحسوب على التيار المتعاطف مع حزب الداودي، لا يمكن إلا أن يعتبر وصمة عار كبيرة تسجل على هذا الوزير، الذي أصبح يكيل بمكيالين. إذ الواضح الآن أن الدموع التي ذرفها لم تكن من أجل أبناء المغاربة، الذين يتكالب عليهم الفقر والهشاشة الاجتماعية ورداءة الخدمات الجامعية، بالإضافة إلى العنف الجامعي، بل كانت دموعا عنصرية من الوزير، لأن الإنسان داخله لا يتحرك إلا إذا كان المتضرر من أبناء حزبه. والحال أنه وزير في حكومة للمغاربة أجمعين، الذين صوتوا منهم والذين لم يصوتوا أيضا، لأن الأجرة الوزارية التي يتقاضاها لا تُصرف له من صندوق تبرعات للتوحيد والإصلاح، وإنما من ميزانية يدفع المغاربة أموالها من جيوبهم المثقوبة بكل روح رياضية. وفي الأخير يأتي الوزير ليبكي بحرقة على وفاة طالب جامعي، كان موته فاجعة حقيقية تأسف لها الجميع، ويصمت بعد ذلك بعد وفاة طالب جامعي آخر، لا يختلف عن الحسناوي أو غيره في شيء. هذا الصمت الرسمي للمسؤولين عن الجامعات، جعل المواقع الأجنبية المعروفة بخطها التحريري المعادي لوحدة المغرب، تنسج خيوطا لتحليلات متضاربة عن نضال الصحراويين للاستقلال عن المغرب، وعن استحالة التعايش بين الأمازيغ والصحراويين.
لا يمكن لمغربي عاش مرحلة التعليم الجامعي إلا أن يتأسف على استمرار مسلسل العنف الجامعي. فظاعات كثيرة ترتكب في الحرم الجامعي وفي محيطه باسم الفكر، أو الانتماء. مرّت على الجامعة المغربية سنوات عجاف لم تضع فيها الحرب أوزارها حتى في الامتحانات، وهكذا كان الطلبة القاعديون يتجولون بحذر بين الأزقة والطرقات المؤدية إلى الحي الجامعي، أو إلى الغرف الصغيرة التي يكتريها الطلبة، خوفا من غدر فصيل آخر، يتربص أبناؤه بالآخرين في محاولات حذرة لفك ثأر قديم بين الفصائل. تتوقف الدراسة ويتشرد المحايدون بين المدرّجات، تاركين المجال للأمازيغ والصحراويين والثوريين والقاعديين والعدليين، لكي يتصارعوا بينهم ويصارعوا الإدارة من أجل تسريع صرف المنح، أو تأجيل الامتحانات. وفي الأخير تتفرغ الفصائل لبعضها للتدرب على الحروب الصغيرة، والنتيجة أن أرواحا تهرق، وتعود في صناديق مختومة لتلقي عليها العائلات الوداع الأخير. وهكذا، بالإضافة إلى كل الويلات، تنضاف كارثة أخرى تحول مشروع منقذ العائلة إلى رقم في صندوق مختوم بالشمع الأحمر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى