شوف تشوف

الرئيسية

أزواج يختارون أسلوب الاستقلالية الذاتية من داخل قفص الزوجية

مونية الدلحي
عادة ما يطبع العلاقة الزوجية تلاحم بين الزوجين وانصهار أحدهما في الآخر، حتى تصير حياتهما حياة واحدة كل شيء فيها مشترك. لكن هذا الوضع ربما صار من الماضي، على الأقل لدى بعض الأزواج حديثي العهد بالزواج.
هناك علاقات زواج بنيت على الحب والتفاهم، لكن كل واحد من الزوجين اختار أن يضع حدا فاصلا بين حياته العاطفية وحياته الشخصية، وأن يظل شخصا مستقلا عن الآخر، حتى وإن كان هذا الآخر هو شريك الحياة نفسه.
بعض شباب هذا الجيل اختار عيش الحياة الزوجية بطريقة مغايرة عن تلك التي عاشها آباؤهم، بحيث فضلوا أن تكون حياهم مميزة بعض الشيء، وأن لا يسمحوا للزواج بأن يحد من حريتهم ويحشرهم داخل قفص لا يغادرونه، حتى وإن كان ذهبيا. لقد قرروا أن ينعموا بأمرين معا، عائلة وزوجة وأولاد من جهة وأيضا حياة مستقلة كتلك التي يملكها شباب وشابات لم يتزوجوا بعد من جهة أخرى.
لكن في بعض الحالات، الاستقلالية الفردية عن شريك الحياة قد تكون فكرة لا يقبل بها كلا الطرفين، وقد تكون الزوجة مثلا رافضة لهذا النوع من العلاقة مع شريك حياتها، وفي حالات أخرى قد توصل رغبة الزوج أو الزوجة في الاستقلالية، أحد الطرفين إلى اتخاذ قرار الانفصال، والبحث عن شخص يريد أن يدخل شريك حياته في كل أموره الشخصية.

التحرر قبل الزواج وبعده
التقت «الأخبار» ندى ويونس وهما مثال حي لزوجين اختارا لحياتهما الزوجية أن تكون مغايرة تماما عن باقي الأزواج. ندى ابنة الرباط التي تشتغل كإطار بإحدى الشركات، أحبت في أيام دراستها شابا كان زميلا لها، ثم نشأت بين هذين الشابين علاقة حب وانسجام كبيرة. كان يونس وندى يخرجان للسهر معا، يدخنان ويشربان معا، يسافران معا، ويعيشان حياتهما كما لو كانا زوجين. بعد التخرج، اشتغل يونس في إحدى الشركات، بينما ندى اشتغلت في شركة أخرى، وكللا هذه العلاقة بالزواج.
لكن بعد الزواج، لم تتغير الحياة ولم تتغير العلاقة كما يحصل في الكثير من الحالات. اختارت ندى أن تستمر في حياتها كما السابق ولم تترك الزواج يغير حياتها، وهي طريقة التفكير نفسها التي تبناها يونس. عاشا معا تحت سقف واحد لكن كل واحد منهما يعيش حياته بطريقته.
تقول ندى: «يونس عندما اختار الزواج بي، كان يعرف كل شيء عني، ويعرف جيدا طريقة تفكيري وطريقة عيشي، وهذا ما جعلنا اليوم متفاهمين جدا ولا يتدخل أحدنا في أمور الآخر».
غياب يونس عن المنزل لفترات طويلة بسبب عمله، لا يحد من حرية ندى في شيء، فهي لا زالت إلى اليوم تخرج للسهر رفقة صديقاتها وأصدقائها، تفعل كل ما يحلو لها دون أن تفكر في أن ما تفعله قد يؤثر على علاقتها بزوجها. ليس هذا فحسب بل حتى بعد الانجاب لم تتغير ندى وظلت تلك المرأة المحبة للحياة والمحبة لعيشها بكل تفاصيلها. «أحب أن أظل تلك الفتاة التي كنت عليها قبل الزواج، ولو شككت ولو للحظة أنه قد يحد الزواج من حريتي لما تزوجت» تقول ندى.
تترك ندى طفلتها مع والدتها طوال اليوم، بينما تخرج هي رفقة صديقاتها، وأصدقائها للسهر وقد يرافقها في بعض الحالات زوجها.
تقول ندى: «يونس كذلك يعيش حياته بالطول والعرض، ولم ولن أكون يوما عائقا أمامه في فعل ما يريده، لأننا منذ يوم قررنا الزواج تكلمنا في الموضوع كثيرا واتفقنا أن لا يتدخل أحد في حياة الآخر».
هذا الكلام يؤكده يونس كذلك قائلا « قبل الزواج كنت أعلم أن ندى تدخن وتحتسي الخمر، وكنا نفعل ذلك سويا، وأنا أحببتها لصدق مشاعرها ولطيبتها، وبالنسبة لي الأمور الأخرى أصبحت من الماضي ولا يمكن اليوم أن يفرض شخص كيفما كان سيطرته على الآخر حتى ولو كان الزوج، لهذا فأنا وندى نعيش حياتنا ببساطة دون تعقيدات ونتمتع بكل لحظاتنا رفقة ابنتنا، وندى أيضا لها الحق في أن تستمتع بشبابها، ولن أكون أبدا ذلك العائق في حياتها».
هنا تتدخل ندى لتضيف أن السر وراء نجاح علاقتهما هو وجود الثقة، فلو انعدمت الثقة بينهما لما استمر هذا الزواج إلى اليوم.
ربما استطاع الثنائي ندى ويونس الاستمرار في العلاقة الزوجية بالرغم من الحياة الاستثنائية التي يعيشانها لسبب واحد وهما أنهما مقتنعان بما يفعله كل واحد منهما، لكن هذه العلاقة وهذا التفاهم في الآراء قد لا ينجح الكثير من الأزواج في تحقيقه.

الرغبة في الاستقلال.. مشاكل بالجملة
سارة واحدة من النساء اللواتي يعانين الأمرين مع زوج قرر أن تكون حياته الزوجية مغايرة تماما لما يعيشه باقي الأزواج. مهدي اختار أن تظل علاقاته بأصدقائه وصديقاته قائمة، وأراد أن يخرج ليسهر مع معارفه، دون أن تبدي سارة أي تدمر، لكن للأسف لا تأتي دائما الرياح بما تشتهي السفن. مهدي الآن يعيش حياة زوجية جد صعبة، بسبب أفكاره التي لا تتماشى أبدا مع أفكار زوجته سارة، فهو يريد لحياته أن تظل كما كانت قبل الزواج، أن يظل شخصا مستقلا بذاته وأن لا يسمح للزواج بأن يقيد حريته، بينما سارة الغيورة تشك في كل ما يحيط بزوجها، وتريده أن يظل أمامها في أوقات فراغه وأن لا يرى أشخاصا آخرين أو يخرج مع أصدقائه إلا برفقتها.
يقول مهدي بنبرة غاضبة: «عندما اخترت سارة كزوجة، اخترتها لأنها كانت فتاة متفتحة، كنا نخرج معا ونسافر معا، وكانت لا تمانع في لقاءاتي مع أصدقائي ومعارفي، وهي تعرف أن طبيعة عملي كمصور احترافي تلزمني بإنشاء علاقات كثيرة، لكن بعد الزواج انقلبت من الفتاة الوديعة المتفهمة إلى زوجة متسلطة تحشر أنفها في كل أموري، ولا يمر يوم إلا ونتشاجر بسبب مكالمة من صديقة أو سهرة مع الأصدقاء».
مشكلة سارة أنها زوجة غيورة جدا إلى أبعد الحدود، ومهدي عكسها تماما، رجل متفتح، ويهوى التعارف على أناس جدد، سارة تحب تفتيش كل ما يخص زوجها، جواله، رسائله، حسابه على الفايسبوك، بينما مهدي يعتبر كل هذه الأمور أشياء خاصة بزوجته ولا يملك الحق في الاقتراب منها. لازال زواجهما مستمرا إلى الآن لأن مهدي يحب زوجته كما يقول، ويحاول جاهدا إرضائها والتغاضي عن كل ما تسببه له من مشاكل لأنه لا يريد أن يخسرها، حسب قوله.

الطلاق هو الحل
ما زال مهدي متشبثا بزواجه، بالرغم من رفض زوجته لنمط العيش الذي يفرضه على علاقتهما، وقد يكون سبب تشبثه بزوجته هو أنه يشعر بأنه يتحمل مسؤولية كبيرة في الخلافات الواقعة. لكن حنان لم تتحمل الوضع كثيرا واختارت إنهاء زواجها وتربية ابنتها بعيدا عن زوج لا يقدر الحياة الزوجية ولا يعيرها أي اهتمام، بحسب رأيها.
تزوجت حنان من زوجها عن حب، لكن بعد الزواج لاحظت أن زوجها لم يتغير، وظل ذلك الشخص المستهتر الذي يعيش حياة مستقرة، ولم يستوعب بعد أنه أصبح زوجا وأبا مسؤولا.
تقول حنان: « بعد الزواج لاحظت أنه ظل ذلك الشخص الذي عرفته قبل الزواج، بينما أنا كنت أنتظر منه أن يتحول إلى شخص مسؤول لزوج حقيقي يهتم بأمور منزله، لكن هذا لم يحصل، ظل نفس الشخص الذي يحب السهر، ويعيش حياة مستقلة عني، بالرغم من أننا نتشارك نفس السقف ونفس السرير، إلا أنه كما لو كان شخصا يعيش بمفرده يفعل ما يحلو له». فكرت حنان في أن الانجاب قد يدفع زوجها لتحمل المسؤولية لكن الأمر ظل على ما هو عليه، وتضيف حنان «قدرت أنه بعد أن أنجب ويحمل ابنه بين ذراعيه سيعرف معنى المسؤولية، ولكن بعد إنجابي لابنتي لم يحصل أي تغيير، بل على العكس زادت همومي أكثر، لأنني أصبحت أقوم بدور الأب والأم معا، وأتحمل كل ما يخص ابنتي، بينما هو استمر في حياة اللهو وعدم المبالاة، ما دفعني أخيرا لطلب الطلاق، وتركه يعيش الحياة التي أرادها، لكن بعيدا عني».
تعيش حنان الآن وسط عائلتها رفقة ابنتها، تركت والد ابنتها يعيش الحياة التي يريدها، لكن هذه المرة بعيدا عنها.

دراسة.. الاستقلالية الفردية تقوي العلاقة وتؤجج مشاعر الحب بين الشريكين

بالرغم من الجدل الحاصل، والمشاكل التي تخلقها الرغبة في الاستقلالية، بحيث نجد طرفا يرغب بالاستقلالية بينما الطرف الآخر يرغب في جعل علاقته بشريك الحياة منصهرة، فقد أكدت دراسة لمختصين في الإرشاد الأسري، أن الاستقلالية بين الزوجين أمر مهم لكسر الروتين في العلاقة الزوجية، ولمنحها روحا متجددة، باعتبار أن علاقة الزواج علاقة طويلة المدى، ولهذا فإن كل العلاقات الطويلة الأمد يتسلل لها الملل ليقتلها.
ويؤكد المختصون أنه لا بد للزوجين من أن يستقلا عن بعضهما البعض، وأن يحتفظ كل واحد منهما بحياته الخاصة لنفسه، لكي يخلق لدى الآخر الرغبة في اكتشاف شريك حياته، وخلق علاقة متجددة ونشيطة.
ويشرح الباحثون ذلك بالقول إنه عندما تكون لكل طرف حياة خاصة في ما يخص العمل والأصدقاء والهوايات، فإن الزوجين بهذا يمنحان علاقتهما نفسا جديدة ليستطيع كل منهما جذب الآخر إليه والمساهمة في تطوير العلاقة بينهما، لكون كل علاقة في حاجة ماسة إلى التطوير والنمو لتصبح أقوى في مواجهة مشاكل الحياة، باعتبار أن الحياة الزوجية مليئة بالمطبات التي تواجه الزوجين معا، وكل علاقة هشة ستنهار بسرعة أمام هذه المشاكل بينما العلاقة المبنية على أسس واضحة ومضبوطة فستصمد بالتأكيد، وهذه القوة والصمود لن تأتي إلا من شيء واحد، وهو احترام كل طرف للآخر واحترام استقلاليته والابتعاد عن الغيرة القاتلة والشك والتبعية العمياء.
ويعتبر علماء النفس أن الاستقلالية بين الطرفين ظاهرة صحية، ما دامت لا تكتسي طابع تجاهل الآخر، وإذا كان الشخص يقوم بكل واجباته المنوطة له تجاه الشريك، بل على العكس يرون أن الاستقلالية تساهم بتجديد مشاعر الحب بين الطرفين، فهم يعتبرون أنه كلما كانت للفرد الحرية في التصرف في أموره الخاصة واتخاذ قرارته الشخصية، كلما شعرا بالاشتياق إلى بعضهما البعض و كلما تقوت العلاقة بينهما تأججت مشاعر الحب بين الطرفين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى