الرأي

أسباب ترجح احتمال انهيار اتفاق الهدنة في سورية

الخلافات المتفاقمة بين الجانبين الأمريكي والروسي حول نصوص اتفاق الهدنة في سورية، الذي بدأ العمل به مساء الاثنين الماضي، قد تؤدي إلى انهياره وعودة الأمور في جبهات القتال في مختلف أنحاء سورية إلى المربع الأول، وتجدد الصدامات الدموية المسلحة.
هناك حالة من الغموض تتعلق بتفسير هذا الاتفاق وبنوده، انعكست بشكل جلي يوم أمس الجمعة عندما جرى إلغاء اجتماع لمجلس الأمن الدولي، كان من المفترض أن يصدر قرارا باعتماده رسميا، وبطلب من الولايات المتحدة الأمريكية.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين برر هذا الالغاء بأنه عائد إلى رغبة الولايات المتحدة بعدم اطلاع أعضاء مجلس الأمن على بنود الاتفاق، وطالبها بالشفافية، الولايات المتحدة لم تنف هذا “الاتهام”، وقالت إنها لا تريد ذلك حفاظا على سلامة بعض الفصائل التي تدعمها، وحرصا على وصول المساعدات الانسانية إلى السكان المحاصرين.
محاولة البحث عن الحقيقة وسط هذا الكم الهائل من الاتهامات المتبادلة بين الراعين لهذا الاتفاق، أي الولايات المتحدة وروسيا، تبدو صعبة، ولكن ما يمكن قراءته ما بين سطورها، يمكن حصر الاسباب الحقيقية لهذا الخلاف إلى مجموعة من النقاط:
الاول: فشل الولايات المتحدة في الالتزام بتطبيق النقطة الواردة في الاتفاق التي تنص على اجراء فصل واضح بين الفصائل السورية المعتدلة (السلمية)، والاخرى المتشددة (الارهابية)، وفك ارتباط الاولى بالثانية.
الثانية: الخلاف المتفاقم داخل الادارة الأمريكية حول هذا الاتفاق بين وزارة الخارجية التي تفاوضت حوله برئاسة كيري، ووزارة الدفاع (البنتاغون) الذي من المفترض أن يتحمل مسؤولية تطبيقه، ويتردد في اوساط الادارة أن اشتون كارتر، وزير الدفاع، عارض الاتفاق بشدة.
الثالثة: نجاح الاتفاق وصموده يعني بدء القصف الجوي الأمريكي الروسي لتنظيم جبهة “فتح الشام” أو “النصرة” سابقا، وأحرار الشام المتحالفة معها، وكان من المفترض أن يبدأ هذا القصف يوم بعد غد الاثنين، أي بعد أسبوع من تنفيذ الاتفاق، وهذا ما لا تريده أمريكا.
الرابعة: رفض معظم فصائل المعارضة المسلحة للاتفاق، فك الارتباط مع “جبهة النصرة” بتحريض من الدول الداعمة لها في منطقة الخليج، وحدوث شرخ كبير في أوساط المعارضة حول هذه المسألة، وتوجيهها انتقادات كبيرة للولايات المتحدة السعودية وتركيا بالخيانة، والتخلي عن المعارضة، والسقوط في المصيدة الروسية.
الخامسة: فشل الولايات المتحدة تنفيذ تعهدها بفك الارتباط بين الفصائل المسلحة المعتدلة، و”جبهة النصرة”، أو “فتح الشام”، كان وراء تراجعها، واتهام الرئيس الروسي بوتين لها بأن لديها رغبة في الحفاظ على قدرات عسكرية لمحاربة ما وصفه “حكومة الرئيس بشار الأسد الشرعية” التي التزمت بالهدنة وبنودها كاملة.
اتفاق الهدنة يترنح، والاختراقات له تتسع في أكثر من منطقة في سورية، وكيري، وزير الخارجية الأمريكي، في حال “صيام” عن الحديث على عكس نظرائه الروس، والمعارضة السورية، بشقيها المعتدل والمتشدد، تصلي من أجل انهياره لأنها لم ترحب به منذ البداية، وهناك توقعات بانفجار الخلاف الروسي الأمريكي، ولجوء روسيا إلى نشر بنود الاتفاق علنا لإحراج الشريك الأمريكي، وفضح تراجعاته عن التزاماته التي وردت في الاتفاق وبنوده.
انهيار الاتفاق قد يعني التصعيد العسكري على نطاق أوسع، وتورط أكبر من قبل القوتين العظميين اللذين يخوضان حاليا حربا بالنيابة، وسط غابة الأزمة السورية الوعرة، فمن الواضح أن الطرف الروسي، ورئيسه بوتين يشعر بحالة من الغضب وخيبة الأمل معا، لأن الاتفاق حقق كل مطالبه في قصف أمريكي روسي مشترك لجبهة النصرة وحلفائها، جنبا إلى جنب مع قصف “الدولة الاسلامية.”
هل شعر الأمريكيون بالخديعة، والوقوع في المصيدة الروسية في سورية؟ لا نستبعد ذلك، بدليل الرغبة الأمريكية بمراجعة بعض النصوص وتعديلها.. السؤال الآخر، هل يقبل الروس بهذه التعديلات؟ لا نملك الإجابة، ولا نعتقد أن غيرنا يملكها في الوقت الراهن على الأقل.
الاجتماع المقترح يوم الأربعاء المقبل بين لافروف وكيري حول الأزمة السورية، ربما يجيب على هذه الأسئلة أو غيرها، لكن ما يمكن التكهن به هو أن احتمالات استمرار الخلاف، وبالتالي التصعيد العسكري، أكبر من احتمالات الاتفاق، لأن روسيا ستصر على فك الارتباط بين “المعتدلين” و”المتشددين”، ومواصلة قصفها، ومعها قوات وطائرات الحكومة السورية للقضاء على جبهة “فتح الشام”، وكل من يتحالف معها من فصائل، ولعل إقدام هذه الفصائل على تجميع ورص صفوفها، الذي أكده الرئيس بوتين، أحد المؤشرات القوية التي تؤكد هذا الاحتمال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى