شوف تشوف

الرأي

أسماء مستعارة للتخلص من الماضي

أن يحمل مطرب أو فنان أو حتى كاتب اسماً مستعارا، فالمسألة لا تزيد عن ملاءمة الصوت والصورة. وكان منتجو الأفلام والفنون الاستعراضية يحرصون على استبدال الأسماء الحقيقية للنجوم بأخرى مستعارة لجذب المشاهدين، على إيقاع نبرات الأسماء الفنية البراقة.
في النطق يأتي اسم الراقصة «فيفي عبدو» أخف من أي علامات ثبوت الهوية، وقد حذف الاسم الثلاثي من كنانيش النجوم ليسهل حفظه وترديده. تماما كما ظهرت أسماء مبدعات من قبيل «بنت الجزيرة العربية» أو «رفيقة الطبيعة» أو العالمة المفكرة بنت الشاطئ.
وأن يحمل رؤساء دول ومسؤولون رفيعون ألقابا مستعارة، فالأمر يدعو إلى بعض الاستغراب، إلا أن يكون التشبه بالنجوم قاعدة مشتركة، أو يكون الهدف منه التخلص من الماضي الذي عرفت به تلك الشخصيات، في حال لم يكن مرضيا. مع أن الإنسان يحمل ماضيه ولا يتعب من ثقله، إلا من خلال تجاوز العثرات والتكفير عن الأخطاء لدى الإحساس بوطأتها.
سيكون لدخول نظام الحالة المدنية في منطقة الشمال الإفريقي مفعوله في إطلاق الأسماء والنعوت. وألح ضابط تسجيل فرنسي على شخص قال إن اسمه عبد السلام بن عبد القادر بن محمد، عما كان يلقبه أقرانه في صغره، فرد بأنه كان يحلق رأسه ويدع عرفا، فسجل اسمه هكذا: «عبد السلام بوعرفة». كما انبثقت أسماء من الحرف مثل الصباغ والنجار والحداد والعطار والحجام والسمار، أو البردعي والخراز والدقاق وبوخبزة والسراج، على منوال مهن التجارة والحرف التقليدية.
دون إغفال الأوصاف على تفعيلة بوشارب أو بولحية أو بلوق أو الطويل أو بووشمة أو الضحاك، لابد أن النعوت كانت تقع على أمثالها، أو تختزل في أسماء المدن والقرى والقبائل. ولكل واحد منا نصيبه مما انطبق على حرف الأجداد ومساقط الرأس.
عندما كان عبد القادر بوخروبة يقيم في مدينة وجدة، ويتحرك كواحد من أعضاء جيش التحرير الجزائري، لم يدر في أذهان رفاقه المغاربة أو الجزائريين أنه سيصبح وزير دفاع في بلاده بعد نيل الجزائر استقلالها، وأنه سيقود انقلابا ضد رفيقه أحمد بن بلة ليصبح رئيسا للجمهورية الجزائرية باسم هواري بومدين.
لكنها أقدار ومصائر السياسة في زمن كانت الانقلابات أقرب طريق إلى السلطة. ومن المفارقات أن الجزائر التي ورثت عن بومدين ما شاء الله أن ترث من نكبات وأزمات، هي نفسها التي ستقر في مؤتمر للاتحاد الإفريقي بحظر الاعتراف بأي نظام ينشأ عن اغتصاب السلطة عبر انقلابات عسكرية. ولاشك أن وراء ذلك ما وراءه من رسائل وخلفيات.
يوم تعرض عشرات الآلاف من المغاربة الذين كانوا مقيمين في الجزائر، إلى عمليات ترحيل وطرد تعسفي، لم يراع أبسط شروط اللياقة والأخوة والاعتراف بالجميل، جاء رجل مسن إلى جريدة «العلم» قادما من وجدة، قال إنه يطلب إلى عبد القادر بوخروبة الوفاء بدين ترتب عليه من محطة بنزين في وجدة، وقدم ما يثبت ذلك. لكن كيف له أن يثبت أن بوخروبة هو الرئيس هواري بومدين؟
على عكس هذه الحالة، يظل في الإمكان إثبات أن الرئيس الجزائري الحالي عبد العزيز بوتفليقة، الذي أقام بدوره في وجدة حيزا من حياته، كان يحمل لقبا مستعارا باسم عبد القادر المالي، لأن جواز السفر المغربي الذي كان يتيح له حرية الحركة استخرج من الخارجية المغربية، بطلب من وزارة الشؤون الإفريقية التي كان المحامي الفرنسي ذو الأصول الآسيوية جاك فيرجس يعمل بديوانها. وعاش قصة حب مع المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد انتهت إلى زواج لم يدم طويلا.
وحمل رفاق بوتفليقة، زعماء الثورة الجزائرية، بدورهم جوازات سفر مغربية بأسماء مستعارة، لأنهم كانوا مطلوبين إلى القضاء الاستعماري الفرنسي بتهم التحريض على العنف والإرهاب، كما كانت توصف معظم حركات التحرير العربية والإفريقية. غير أن جزائريا من مواليد فاس، كان يدعى عبد الله خالف، سيصبح اسمه المستعار مبعثا للرعب عند قيادة جهاز الاستخبارات العسكرية الجزائرية تحت القبضة الحديدية للرجل الذي أصبح اسمه قاصدي مرباح، قبل اغتياله في ظروف غامضة عام 1993.
ولئن كان مفهوما أن الرجل الذي تلقى تكوينا في «الكا- جي. بي» في الاتحاد السوفياتي، اضطر إلى استخدام لقب غير حقيقي لدوافع مهنية، فإن قادة جزائريين ممن تزعموا حركة الكفاح ضد الاستعمار، أمثال محمد بوضياف وحسين آيت أحمد، احتفظوا بأسمائهم من دون تغيير، كونها ارتبطت بشهادات الميلاد والنضال. بينما سادت أعراف ذات خلفيات استبدادية قضت بالإطناب في الأوصاف والألقاب. حتى أن العقيد معمر القذافي استغرقته الثقة بأنه أصبح فعلا ملك ملوك إفريقيا، على غرار الإمبراطور كاسا الذي نصب نفسه على إفريقيا الوسطى في حفل باذخ، قبل إطاحة نظامه الخارج عن المألوف، حيث انتهى به المطاف عاملا في مطعم رخيص مثل أي مهاجر غير شرعي.
لو كانت الألقاب تصمد لما غربت الشمس عن إمبراطور الحبشة هيلاسي لاسي ولا عن الإمبراطور شاه إيران الذي أرخ لبداية نهاية حكمه بحفل لم يعرف له التاريخ مثيلا في البذخ والفساد والتشبث بالقشور والأصباغ الزائفة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى