الرأي

أكبر قالب في العالم

في الوقت الذي اختار بنكيران أن يخرج أوراق «كلينيكس» ويمسح بها دموعه أمام العمال في فاتح ماي، كان مواطنون مرضى عزل يقفون أمام مركز صحي عمومي بإنزي نواحي تيزنيت، يطلبون حقهم في العلاج أمام طبيب أغلق عليهم الباب وقال لهم: «موت ولا سير طلع للسما». وحين كانت اليد العاملة المغربية تنتظر من رئيس الحكومة أن يزف لها أخبارا سارة عن الزيادة في الأجور وتقليص الفوارق الاجتماعية، كان رئيس الحكومة ينتشي أمام أعدائه، ويقول كما كان يفعل المحجوب بن الصديق، «أنا بعدا عندي اللي كايوقف يسمع ليا تحت الشمس».
فيديو مرضى منطقة إنزي والمرأة الحامل التي تلد في الأرض بمستشفى الحي الحسني بالدار البيضاء، حققا مشاهد قياسية غير مسبوقة بالملايين على مواقع التواصل الاجتماعي، وحين كنا ننتظر من بنكيران أن يقول لنا ماذا قدمه هو وحزبه الحاكم للمغاربة خلال الخمس سنوات الماضية، فضل أن يعيد علينا أسطوانة إلياس العماري واعتلى منصة الخطابة كما فعلها جورج بوش، وقسم المغاربة إلى محور للشر وآخر للخير، وقد كانت دقيقة ونصف مدة فيديو مستوصف إنزي كافية للرد على حصيلة هذه الحكومة على مستوى الخدمات الصحية وحكامة وتدبير المرافق العمومية، وكشفت ما يعيشه المواطن البسيط في قرى المغرب غير النافع، مغرب بعيد عن «الويفي» و«الترامواي» و«الكازينوهات» التي يرتادها ابن البرلماني والقيادي محمد يتيم،.. مغرب إذا طلبت فيه «الدوا الحمر والداجينا»، يطلبون منك أن تطلع للسماء من أجلهما.
فيديو مستوصف إنزي ليس سوى «شانطيو» صغير لما يقع في المستشفيات العمومية على مدار الساعة واليوم، وليس بغريب عن الحزب الحاكم أن نسمع، من خلال فرسانه في «فايسبوك»، أن المرضى البسطاء الذين صوروا بكل عفوية نواحي تيزنيت القاحلة تعجرف وزارة الصحة معهم، ليسوا سوى مشوشين أرسلهم إلياس العماري من الحسيمة لضرب شعبية الحكومة التي صاح رئيسها أكثر من مرة وسط قبة البرلمان، معتبرا الحسين الوردي أحسن وزير صحة في تاريخ المغرب، تماما كما كان يعتبر صلاح الدين مزوار «مافيديهش»، وانتهى أحسن وزير خارجية في حكومته.
الناس لمسوا بأيديهم الفرق بين العدالة والتنمية في نسخته المعارضة، زمن الحصيرة والأبواق والتكبير في التجمعات، والعدالة والتنمية في نسخة السيارات المصفحة والحرس والخدم والجاه والسلطة، وهذا ما جعل العديد من المغاربة يعيدون بث فيديوهات في «فايسبوك» من الزمن المنسي، لما كان بنكيران وصحبه يشحذون مشاعر المواطنين بشعارات إسقاط «موازين» وإلغاء حفل الولاء، وينصبون أنفسهم حماة الدين والعباد.. وبعدما وصلوا إلى السلطة وترأسوا الحكومة ضغطوا على الزر وأطفؤوا بوق الشعارات، ولم يستطيعوا حتى ضمان مكان آمن لولادة الحوامل، ووقف نزيف الظلم والمحسوبية الذي يعاني منه المغاربة في المستشفيات العمومية. ورغم ذلك لا يجدون حرجا في إعطاء الدروس والعبر والوعيد والتهديد في ما يشبه «الفم حراق طراق، واليدين داوهوم السراق».
وعلى مشارف نهاية هذه الحكومة، أبى الموقع الرسمي للحزب الحاكم سوى أن يعطي الانطلاقة لموجة «كابسولات» إشهارية لمنجزات الحكومة، ومن بينها إحداث 42 ألف منصب شغل ما بين 2012 و2105، والحال أن الوزير الصديقي، الذي التزم بتشغيل 4800 من معطلي مدينة آسفي، في مشاريع المحطة الحرارية والميناء الجديد والطريق السيار، بدلهم باليد العاملة الآسيوية الرخيصة من الفليبين، وأكبر خير سيقوم به الوزير أخنوش هو أن يخصص لحزب العدالة والتنمية رواقا في المعرض الدولي للفلاحة، وعوض أن يحتفلوا هذه الأيام بأكبر «براد ديال أتاي» دخل موسوعة «غينيس»، أن يحتفلوا بأكبر «قالب» في العالم من صنع «البيجيدي».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى