شوف تشوف

الرأي

أموات مهددون بالإفراغ

حسن البصري
قال بلاغ صادر عن المجلس الجماعي لمقاطعة سيدي عثمان بالدار البيضاء، إن القبور التي توجد في مقبرة الولي الصالح سيدي عثمان، قرب مسجد باكستان، انتهت صلاحيتها، ودعا سكان المنطقة إلى نقل ما تبقى من رفات أهاليهم إلى مقبرة أخرى، بعدما اندثرت معالم المقبرة التي يزيد عمرها عن ستين سنة. «من يملك الوثائق اللازمة التي تؤكد دفن قريب له من الأصول أو الفروع ومكان الدفن، ويرغب في نقل رفاته على نفقته الخاصة يتقدم بطلب في الموضوع». نعم لنقل ما تبقى من عظام على نفقة أسرة الفقيد، لأن إكرام الميت ليس فقط دفنه بل إعادة دفنه أيضا.
إغلاق المقبرة جاء بناء على توصية من المجلس العلمي الأعلى في يونيو الماضي، قيل، والعهدة على البلاغ، إن مكان المقبرة سيتحول إلى ساحة ملحقة بمسجد باكستان.
في مقبرة سيدي عثمان توجد قبور أسماء سكب عنها مداد غزير، قبر شيخ العرب المغربي أحمد أكوزيل الذي قتله أوفقير فانتهى بهما المطاف في مقابر مهجورة، الأول في سيدي عثمان والثاني في بودنيب. في هذه المقبرة المهددة بالإفراغ جثامين مقاومين قدموا أرواحهم فداء للوطن دون أن ينالوا حظهم من الكرامة وهم أموات، قدرهم أنهم ماتوا بسطاء ولم تكن لهم قبور «في أي بي» في مدافن خمس نجوم.
صحيح أنه ليس هناك موتى غير أولئك الذين نواريهم في مقبرة الذاكرة، إلا أن كرامة الميت من مسؤولية القائمين على الشأن الجماعي، رغم سكوت الميثاق الجماعي عن الموتى والاعتراف بالأحياء فقط.
حسب كتاب «عبير الزهور»، فإن الولي الصالح سيدي عثمان كان دفين المدينة القديمة غير بعيد عن سيدي بليوط، إلا أن أشغال تغيير مسار السكة الحديدية، حتمت على الفرنسيين ترحيل قبور مقبرة مسعود الرويضي إلى مقابر أخرى، لذا نقل ضريح سيدي عثمان إلى مكانه الحالي على سبيل الإعارة، بعد معركة ذهب ضحيتها مغاربة وأجانب بسبب انتهاك حرمة مقبرة.
لا تسع مقبرة سيدي عثمان إلا لحوالي خمسمائة قبر، يتحلقون حول الولي الصالح الذي قاطعته النساء بعد أن استنفد رصيد البركة، واحتل جنباته السكارى والمتسكعون، لذا وزع موتى الحي بين مقبرة سباتة ومقبرة الغفران، وما زال الأحياء يخشون الموت في عز أزمة المقابر التي تضرب الدار البيضاء وتهدد موتاها وأحياءها بالترحيل خارج المدينة.
بالأمس كانت مقاربة القرب حاضرة في تدبير شأن الأموات، حيث كانت مدينة الدار البيضاء تتوفر على عدد كبير من فضاءات الدفن الموزعة على أحياء العاصمة الاقتصادية، فاق عددها عشرة مدافن أغلبها أغلق أبوابه بعدما فاق الطاقة الاستيعابية للدفن وضاقت المساحات بالأموات، من بينها مقبرة أهل فاس غير بعيد عن لهجاجمة بحي بوركون، ومقبرة أولاد زيان المجاورة لمقبرة اليهود والمسيحيين، في ما يشبه «حي المقابر»، ومقبرة مسعود الرويضي وكانت توجد على مقربة من ملعب فيليب قبل أن تموت بدورها بالتقادم، ومقبرة سيدي مومن القريبة من كريان الرحامنة، ومقبرة القاعدة العسكرية بشارع عمر بن الخطاب، ومقبرة الشهداء بشارع الحزام الكبير، ومقبرة سيدي عثمان قرب ضريح هذا الولي، ومقبرة حي سباتة بشارع الجولان، ومقبرة عين حرودة ومقبرة سيدي أحمد بلحسن بمديونة، وكل هذه المرافق أغلقت بالتقادم أو التجاهل، بينما ظلت مقبرتا الرحمة والغفران أشبه بباحة استراحة للأموات قبل لقاء ربهم.
بعض رؤساء الجماعات يشرفون هذه الأيام على عمليات حفر «قبور نموذجية»، كما فعل عبد الله بوانو في مقبرة سيدي بوزكري بمكناس، وبعض الفرق بضواحي العاصمة تتنقل إلى الملاعب المجاورة في سيارة جماعية كتب عليها «كل نفس ذائقة الموت»، ومسؤولون آخرون ينطبق عليهم القول الكريم «ألهاكم التكاثر».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى