شوف تشوف

الرأي

إلا شعبة الفلسفة بالرباط يا قوم

هل هي صدفة أنه في الأسبوع نفسه الذي أعلن فيه رئيس الحكومة، بكل صفاقة، عدم حاجة المغرب للشعراء والفلاسفة، هو نفسه الأسبوع الذي تفجرت فيه فضيحة بطعم المؤامرة، داخل شعبة الفلسفة بالرباط؟ ألم يسبق لوزير التعليم العالي أن صرح مرارا هو أيضا بنفس الكلام عندما اعتبر خريجي كلية الآداب بـ«الخطيرين على المجتمع»؟ ثم ما الذي يجعل الفلسفة والآداب مكروهين لهذه الدرجة عند حزب يفترض أنه يستند لقاعدة «دعوية وتربوية»؟ هل من الحكمة أن تتم مهاجمة الفكر والآداب والفلسفة من طرف حكومة يفترض أنها تقود مرحلة ما بعد 2011؟ ثم ما الذي سيجعل إداريين ونقابيين في كلية الرباط يفضلون «باحثة في التصوف الطرقي»، على باحث كتب عشرات الدراسات باللغات العربية والألمانية والفرنسية، منشورة في مجلات فلسفية محكمة في العالم العربي وأوروبا، فضلا عن نشره ثلاثة كتب وازنة في المجال؟ هل هناك حضيض أسوأ من هذا الذي نقبع فيه؟
إذن، هذه الشعبة التي أنجبت الأساتذة الأجلاء محمد عزيز الحبابي ومحمد عابد الجابري وسالم يفوت وطه عبد الرحمان وعبد الرزاق الدواي ومحمد سبيلا وعبد السلام بن عبد العالي ونور الدين أفاية وكمال عبد اللطيف ومحمد المصباحي، وغيرهم من أعلام الفكر المغربي المعاصر، وجدت نفسها ضحية مؤامرة حقيقية، أبطالها إداريون ونقابيون، حولوا كلية الآداب إلى مزرعة خاصة، لذلك لم يخجلوا في البدء بتخريب الإرث العظيم لهذه الشعبة عبر الوقوف أمام كل محاولات تجديد دمائها بطاقات شابة تكمل المشوار الذي بدأه هؤلاء الرواد، في مجال الفلسفة والبحث العلمي في قضاياها. الكارثة هنا هي إصرار إدارة الكلية على إدخال ما وقع ضمن «تصور إصلاحي»، لم يقره مجلس الكلية أو مجلس الجامعة.
الوجه الآخر للكارثة، هو أن هذه المؤامرة شارك فيها أستاذان من شعبة الفلسفة، يقدمان بوصفهما متخصصين في تاريخ العلوم، و«الفكر النقدي»، وهنا يتساءل المرء، هل هذا من «العلمي» في شيء، وهل تعطّل «الفكر النقدي» لهذه الدرجة، حتى يتمّ تفضيل مترشحة لها بحث يتيم عن «الطريقة الدرقاوية»، ويقصى صاحب ملف تدور كل مكوناته البحثية والفكرية عن القضايا التي تدرس في شعب الفلسفة؟ كيف يمكن «احترام» قرار هذه اللجنة وأعضاؤها لم «يحترموا» الشروط الدنيا للنزاهة، والكفاءة، والالتزام المهني والأخلاقي؟ وهل «مفهوم الاحترام»، كما يصر عميد الكلية عليه، معناه الإذعان لتدخلات إدارته وإملاءاتها، وتوجيهات جهات نقابية معروفة؟
إن ما جرى يشكل فضيحة مدوية لا تستحق لا شعبة الفلسفة ولا تاريخ كلية الآداب أن تكونا موضوعها، وهي فضيحة لإدارتها، للأساتذة الذين ساهموا، مباشرة أو بدون وعي منهم، في محاولة تمرير «المؤامرة». وللنقابيين الذين انقلبوا على التاريخ النضالي العريق لنقابتهم. ولأن ما حدث، ثبت الآن، أنه ليس معزولا ولا فرديا، بل أضحى مع هذه الحكومة سياسة ممنهجة تروم التضييق على الفكر، ليس بالدين كما جرت العادة، ولكن عبر الفكر التقنوي كما لا يخف وزير القطاع، فإن الصمت على هذا الذي حدث يعد تواطئا مع كل هؤلاء ضد هذه الشعبة. وضد ما تمثله في الفكر المغربي المعاصر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى