الرئيسية

إيران والمغرب.. معنى عدم التدخل في الشؤون الداخلية

كي لا يبقى كلام المتحدثة باسم الخارجية الإيرانية السيدة مرضية أفخم، حول التزام بلادها بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للمغرب مجرد تصريح لاحتواء الأزمة الناشئة، سيكون على إيران أن تقرن الأقوال بالأفعال. وأقربها الابتعاد عما يسيء لعلاقات البلدين التي كانت خطت قدما، من خلال معاودة تطبيع العلاقات الدبلوماسية.
نسجل بداية أن صدور تصريح من الخارجية الإيرانية، يعني أن طهران أدركت فداحة ما أقدمت عليه وكالة أنباء «فارس» في حق المغرب، من تسويق الباطل والبهتان. ما يلزم نفس المصدر بإصدار توضيحات مقنعة والاعتذار إزاء ذلك، فهذه أولى متطلبات التعبير عن حسن النية. ولئن كان من الصعب متابعة كل ما يصدر في وسائل الإعلام بهذا الصدد، فالمعروف أن الأمر يتعلق في الحالة الإيرانية بإعلام موجه من طرف الدولة، أو الأجنحة السياسية والعسكرية التي تدور في فلكها، مع فرضية عدم إلغاء وجود أصوات متحررة يعبر عنها الاتجاه الإصلاحي الذي فرض أجندته داخل إيران وعبر سياستها الخارجية التي بدأت تعرف تحولا بارزا.
الاتفاق مبدئيا وعمليا على فتح صفحة جديدة في العلاقة بين الرباط وطهران، يحتم في المقام الأول وضع الخلافات السابقة في الخلف، وأقله الالتزام بعدم تكرارها، سواء على مستوى المحور الثنائي الصرف، أو في نطاق ارتباطات البلدين مع جوارهما الإقليمي. وإذا كانت المتحدثة باسم الخارجية الإيرانية عبرت عن رغبة بلادها في انسحاب منطق عدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير على العلاقة مع بلدان الشمال الإفريقي، فبالأحرى أن ينسحب الموقف كذلك على دول التجمع الخليجي. خصوصا وأن المغرب يرتبط بشراكة استراتيجية مع هذه المنظومة، تعززت في غضون الدعوة لانضمام المغرب إلى التجمع الخليجي. فما ينسحب على الفضاء المغاربي من العسير فصله عن باقي التكتلات، وفي مقدمتها الخليج العربي، في ضوء الانتماء المشترك.
في بديهيات المبدأ أنه غير قابل للتجزئة، وتدرك إيران أن المغرب عضو في تحالف الحزم والأمل الذي يراهن على تكريس الشرعية في اليمن، كما أنه يدعم تيار الاعتدال العربي ويرجح خيار الحوار والحلول السلمية لاحتواء الأزمات الإقليمية التي أهدرت قدرات بلدان عربية عديدة. بل إنه في تاريخه الحديث كان من السباقين إلى بلورة تكتل الدول الإسلامية في منظمة المؤتمر الإسلامي، كونها أتاحت لدول إسلامية مثل إيران وتركيا وماليزيا وباكستان والسينغال وغيرها في إفريقيا وآسيا أن تشارك حلفاءها العرب في أكبر تجمع عالمي يضاهي حركة عدم الانحياز إبان انبثاقها.
التذكير بهذه المواقف يعزز إجراءات بناء الثقة، إذ تستند إلى مبادئ واضحة وأسس ثابتة. والأهم في العلاقات المغربية – الإيرانية ألا يكون مداها مقتصرا على البعد الثنائي، بل يروم دعم الحوار متعدد الأطراف، داخل منظومة العالم الإسلامي بأسرها. وما أحوج لأن تُبنى هذه العلاقات على احترام مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير، علما بأنه لم يعد ممكنا التفريق بين ما هو داخلي وما هو خارجي في التزامات الدول مع نفسها ومع بعضها، فهذا التداخل يلغي فكرة المكيالين والموقفين.
تسعى إيران لأن تجد لنفسها موقعا في المجتمع الدولي، ولهذه الغاية وضعت خلافاتها السابقة مع الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية جانبا. وانخرطت في مفاوضات الاندماج التي تحمل عنوان الملف النووي الإيراني. وإذا كان مفهوما أن ثقل العقوبات الاقتصادية وتأثير العزلة الإقليمية والدولية، تسببا لها في أزمات اقتصادية داخلية، فلا أقل من أن يتوازى هذا الانفتاح الاضطراري مع حدوث مراجعات جذرية للسياسات التي قادت إيران إلى المأزق. ويأتي ترسيم العلاقات مع الدول العربية ضمن أسبقيات هذا التوجه، في حال كانت النوايا الإيرانية سليمة، أما إذا كانت أشبه بانكفاء، فلن تحصد من وراء ذلك غير المزيد من الأزمات وانعدام الثقة.
في سنوات خلت دعا المغرب من موقعه الفاعل في الساحة الإسلامية إلى قيام حوار حضاري بين المذاهب الإسلامية، في نطاق ما عرف بجامعة «الصحوة الإسلامية». وكان يعول في ذلك على تخليص المجتمعات الإسلامية من مخلفات الحروب الدينية والمذهبية، وتكمن أهمية تلك المبادرات أنها سبقت فترة الاحتقان السائد، بعد أن اعتلت النزاعات المذهبية والعرقية واجهة الأوضاع في أكثر من رقعة عربية وإسلامية. ما يحتم ضمنيا إيلاء عناية أكبر لهذا المشروع القديم – الجديد.
إذا كانت دول الجوار الإيراني عربيا لا تطمح في تغيير الانتماء المذهبي لإيران نتيجة تاريخها وتظافر مكونات هويتها، فبالأحرى أن تفكر إيران بذات المنطق، أي التعايش مع جيرانها العرب، من دون خلفيات مذهبية أو توسعية أو أطماع في الهيمنة. فقد جلبت عليها هذه السياسة انحسارا كبيرا ما كانت في حاجة إليه. تماما كما أن سياستها إزاء الغرب قادتها إلى مواجهات غير متكافئة، قبل أن تذعن إلى خيار المفاوضات، من أجل الاندماج في السياسة الدولية.
الأزمة الإيرانية – المغربية على رغم محدوديتها فتحت العيون على ثغرات تعتري التوجهات الإيرانية، وسيكون أجدى الانطلاق من ترجمة مبدأ عدم التدخل في شؤون الغير إلى أفعال ملموسة، ذلك أن ما حققته إيران في العراق ومراكز نفوذها المذهبي في العالم العربي أثار المزيد من الحذر وانعدام الثقة، وإذا كانت مقتنعة فعلا بهذا المبدأ فما عليها إلا أن تجعل جوارها الإقليمي يقتنع به، وليس هناك غير طريق واحد اسمه تغيير السياسات الراهنة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى