شوف تشوف

اتق الله يا بن كيران

سيدي رئيس الحكومة، اسمحوا لي أن أراسلكم على رؤوس الأشهاد عبر هذا العمود الذي يزعج راحتكم ويقض مضجعكم، والذي أخرجكم من طوعكم، إلى درجة أنه دفعكم إلى اتهامنا ببيع الطرح، والادعاء بأن الناس «عاقو بنا»، أي بلغة السياسة والسياسيين فأنتم تتهمونني بالخيانة، واسمحوا لي أن أتساءل معكم عن مكمن خيانتي، ومن هي الجهة التي بعتها ذمتي، وسخرت قلمي لخدمتها.
وبالأمس القريب، عندما كنت أدافع عن حزبكم المضطهد، قارنني أحد أشباه المثقفين بالدكتور «فاوستوس» الذي باع روحه للشيطان، واليوم تنعتونني بدوركم ببيع الطرح، وأريد منكم جوابا واضحا بهذا الخصوص، فأنا لا أحب كلام السياسيين مثلكم، المغلف بألف غلاف وغلاف، وقد تعودت دائما، احتراما للقارئ، أنني إذا تحدثت عن التماسيح عرفت بهم بأسمائهم وصفاتهم وأرقام سجلاتهم التجارية وارتباطاتهم الداخلية والخارجية.
أما إذا تحدثت عن العفاريت فإنني أنشر عقود شراء عقاراتهم وفواتير حلوياتهم، وصور بطونهم المنتفخة من كثرة الولائم الانتخابية والزرود السياسية.
المشكلة فيكم أنتم سيدي رئيس الحكومة، فأنتم من لا يستطيع أن يكلم الناس إلا رمزا ولمزا، ولا يقدر على تحريك «البيدق» في حق من فضحنا فسادهم عبر جريدتنا، خوفا على صورتكم الشخصية عندهم، وحفاظا على تحالفاتكم الهشة معهم، ولكم سيدي رئيس الحكومة بدل التنابز بالألقاب، أن تطلبوا سجلي من وزيركم في العدل، وهو محام كنت زبونا عند مكتبه وتطوع للدفاع في ملفي الذي لا يزال معروضا على محكمة النقض، وسيزودكم بجرد حسابي مفصل حول مجموع مبالغ الأحكام التي تنتظرني والغرامات التي تتعقبني والتي فاقت المليار، والحجوزات التحفظية على أرصدتي البنكية المهجورة، إضافة إلى الاعتداءات التي تعرضت لها وتعرض لها المقربون مني، والتي قيدت ضد مجهول، والتهديد بتقديم الشكايات ضدي بمناسبة كل عدد من أعداد جريدة «الأخبار».
وعندما ستطلعون على سجلي الحافل بالأحكام والغرامات التي لا راد لها، ستعرفون من منا قدم التضحيات لهذا الشعب أكثر، ومن منا باع الطرح و»قلب الكبوط» على الآخر، وربما ستعرفون ثمن اتهام الناس بدون دليل.
سيدي رئيس الحكومة، لست في حاجة إلى تذكيركم بالحكم الذي قضيت من أجله سنة من عمري وراء القضبان، وهي السنة التي قضيت منها أربعة أشهر في ظل حكومتكم الموقرة، لم تستطيعوا خلالها أن تنقذوني حتى من الناموس الذي كان يمتص دمي طوال الليل، لم تستطيعوا حتى السماح لي بورقة وقلم داخل زنزانتي الانفرادية، لم تستطيعوا حتى تمكيني من وسادة أضع عليها رأسي، وكل ما قدرتم عليه هو أن تدعوا الله بأن يفرج كربي ويفك أسري، كما لو أنني كنت معتقلا في دولة أخرى غير الدولة التي تسيرون حكومتها.
سيدي رئيس الحكومة، أنا لا أشكك في ذمتكم كما فعلتم معي، ولكني أشكك في قدرتكم على قيادة وطن، وعلى التحلي بصفات رجل دولة متزن، وأؤكد وأنا أتحمل كامل المسؤولية في ما أقول، بأنكم عجزتم عن اتخاذ المواقف المناسبة التي وعدتم بها الناخبين الذين صوتوا لفائدة وصول حزبكم إلى سدة الحكم، وأخشى أن يقال عنكم في نهاية ولايتكم بأنكم جئتم من أجل بيع الطرح، مثلما تتهمون بذلك الناس جزافا.
سيدي رئيس الحكومة، أتفهم هجومكم على غريمكم شباط، وإن كنت لا أتفهم تصالحكم مع غريمكم مزوار، وأخشى إن أنا ساندتكم في حربكم الضروس ضده، أن تتصالحوا يوما معه وتعودوا سمنا على عسل كما كنتم، وتعودوا إلى العناق الحار وتبادل القبل بينكم، وأبقى أنا وحدي «جابد العيب مع عباد الله».
وحسب معرفتي العميقة بشباط فهو لن يقنع ضدي بالمطالبة بدرهم رمزي، وحسب معرفتي العميقة بكم، فإنكم لن تستطيعوا لي نفعا ولا ضرا، لذلك أقول لكم بأن تبحثوا عمن يخوض معارككم بالوكالة بعيدا عني، أما أنا فصحافي مستقل يقود مقاولة إعلامية حرة غير رسمية ولا عمومية، لا تهمني معادلاتكم ولا تستهويني حساباتكم، وكل ما يهمني هو أن أقدم عملا صحفيا يليق بجمهور القراء، الذين يملكون حدسا صائبا وفراسة لا تخطئ.
وعندما سيكون بين يدي ملف يستحق النشر عن شباط أو غير شباط فسأنشره كما فعلت دائما، ولن أنتظر منكم إشارة ولا استشارة، فالقراء وحدهم من يستطيع أن يحاسبنا، ولن ينتظروا اتهاماتكم أو اتهامات غيركم من أجل الحكم على جريدتنا، التي اكتسبت مصداقيتها من استقلاليتها عنكم وعن غيركم، وأصبحت تحتل الرتب الأولى في المبيعات في ظرف وجيز.
في الماضي قال «طوماس جيفرسون»، وأظنكم تعرفونه جيدا «من لا يخاف من الحقيقة لن يخيفه الكذب». وقبله قال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لرجل قال له اتق الله يا عمر: «لا خير فيكم إن لم تقولوها ولا خير فينا إن لم نسمعها منكم»، فلكم سيدي رئيس الحكومة أن تتأملوا في حكمة سيدنا عمر، وهو الذي دخل عليه حذيفة فرآه مهموما حزينا. فقال له:
«ما يهمك يا أمير المؤمنين»؟
فقال:
«إني أخاف أن أقع في منكر فلا ينهاني أحد منكم تعظيما لي».
فقال حذيفة:
«والله لو رأيناك خرجت عن الحق لنهيناك».
ففرح عمر وقال:
«الحمد لله الذي جعل لي أصحابا يقوموني إذا اعوججت».
فاتق الله يا بنكيران، فقد اعوججت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى