الرأي

اسألوا البحر

لم يسألوا البحر عن رأيه في ما يخص اللباس الذي ترتديه النساء على شاطئه. تولوا أموره من فوق أراضيهم، وأصدروا القرارات والأحكام والفتاوى. وفي الأخير، بقي الحال على حاله، والبحر ما زال في مكانه..
ربما لا يأبه الإنسان لسلطة الطبيعة؛ فحين يفكر في قانون ليمنع المرأة من لباس معين لتنزل إلى البحر، لا ينتبه إلى كون البحر، وفي ثوان، قادرا على إخراج الجميع دون إصدار قرار تجمع عليه حيتانه الكبيرة.. يكفي أن يرفع موجته قليلا ويضرب بها تلك المخلوقات الآدمية التي تغلي أمامه؛ بل لا داعي لأن يستخدم هذه القوة حتى، فللبحر قوى ناعمة.. ومن حين إلى آخر، ينشر جيوشا من قناديله اللاسعة، وساعتها يحرم العوم على النساء والرجال والأطفال..
ربما لو كانت لنا القدرة كبشر على تحويل هدير البحر إلى كلام مفهوم، لسمعناه يقول لهؤلاء الذين يحاولون منع بعض النساء من العوم بسبب نوع لباسهن: ما الفرق بين اللباس على البحر واللباس على البر؟ فالمرأة التي تتعرى على البحر هي نفسها التي تتعرى على البر، والحال نفسه بالنسبة إلى المرأة التي تلبس الحجاب..
سنسمعه يضحك، ويقول لنا: ما أحمقكم يا أهل الأرض.. أنتم من نوع واحد وتعيشون في صراع مع بعضكم، تقتلون بعضكم، وتحرمون الرزق على بعضكم، وتحاولون التحكم في مصير من يشارككم المصير نفسه، تتدخلون حتى في كيفية استحمامه على البحر، تشغلون أنفسكم بالتفاهات، وترون الأمور من سطوحها..
تعالوا ألقوا نظرة على أعماقي، وانظروا ببصيرتكم وبأبصاركم إلى ملايين أنواع المخلوقات التي تعيش بداخلي، أرأيتم كيف تعيش في ود ووئام، فرادى ومجموعات؟ هل تعيش في الفوضى التي تعيشون فيها أنتم؟ هل يقسمون البحر إلى دول وتحالفات؟ هل يعيثون فيه الفساد؟ هل تشمئز السمكة من الرخوية؟ هل تضحك القواقع على الحيتان؟ هل اقتلعوا طحالبهم كما فعلتم بأشجاركم؟ هل تنعمون بنفس نقاء محيطهم؟ هل اتفقوا مع بعضهم للقضاء على بيئتهم أو نوع من أنواعهم؟
لن يطرح البحر، في الغالب، كل هذه الأسئلة؛ لأنه لا يخاطب الميئوس من أمورهم.
يعرف أنه الشاهد الدائم على ما يفعلونه، البحر أكبر من أن ينزل بمستواه إلى عقولهم الصغيرة التي تعجز عن طرح سؤال بسيط على صاحب الأمر.. فمن فيهم لديه القدرة على أن يسأل البحر؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى