خاص

الأخبار تكشف معاناة مواطنين يهدد حياتهم انزلاق التربة بشفشاون

شفشاون: حسن الخضراوي

وأنت تتجول داخل حي حوزي، تصدمك شقوق كبيرة على الأرض، وقد وضعت فوقها مصالح الجماعة أكواما من الطين لإخفائها في ظروف غامضة، كما تستقبلك منازل مائلة بعدما تزحزحت عن مكانها لمسافة لا تخطئها العين، فضلا عن مساكن تم استكمال هدمها بعد سقوط أجزاء كبيرة منها.
جميع من التقتهم «الأخبار» من سكان الحي يؤكدون أنهم يعيشون حالة رعب حقيقية بعد حادث انزلاق التربة الخطير الذي شهده الحي، وقد أضحوا يضعون أيديهم على قلوبهم لمجرد نزول قطرات قليلة من المطر خوفا من استمرار الانزلاقات وتضرر المزيد من المنازل بشكل يهدد حياتهم وحياة أطفالهم.
ويتساءل السكان عن غياب دور مجلس بلدية شفشاون في التخفيف من الكارثة غير المسبوقة التي شهدها الحي، وضرورة وقوفه إلى جانب السكان كما وعدهم خلال الانتخابات. كما يطالبون بفتح تحقيق في الترخيص للبناء فوق مساحة أرضية مهددة بانزلاق التربة دون اعتبار لحياة المواطنين ومعايير الحفاظ على سلامتهم الضرورية.
في مشهد صادم لم يحرك ساكنا لدى المسؤولين، عثرت الجريدة على أسرة فقيرة تتكون من سبعة أفراد مازالت تعيش داخل منزل شقوق جدرانه كبيرة، وقد تزحزح عن مكانه لمسافة واضحة، ما يهدد حياة قاطنيه في أي لحظة.
حياة مهددة
زارت «الأخبار» منزل سيدة تعيش رفقة ستة من أطفالها بحي حوزي بشفشاون وسط ظروف قاسية ومؤلمة. وعاينت الجريدة شقوقا كبيرة داخل الغرف وعلى الجدران تنذر بسقوط المنزل في أي لحظة وهلاك جميع من فيه.
تقول إيمان إن زوجها يعاني مرضا نفسيا ولها ستة أبناء صغار تعيلهم بمبلغ شهري تحصله من عملها لا يتعدى 700 درهم، لذلك لا يمكنها كراء منزل أو غرفة تنقل إليها أطفالها، وهي تنتظر المجهول في غياب أي جهة مسؤولة يمكنها مساعدتها وإنقاذها من الجحيم الذي تعيشه.
وأضافت المتحدثة نفسها، مغالبة دموعها أن جدران المنزل تتحرك باستمرار وهي تسمع صوتها وطقطقتها أثناء هدوء الليل، لكن ما باليد حيلة، لأن الحلول التي اقترحها المجلس غير واقعية ويستحيل قبولها بسبب الفقر المدقع الذي تعيشه الأسرة.
وكشفت إيمان أن مستشارا بالمجلس طلب منها مغادرة المنزل والبلدية ستتكلف لها بكراء شقة بمبلغ 1400 درهم شهريا لمدة ثلاثة أشهر لتقطن فيها، لكنها تفكر في ما بعد الثلاثة أشهر، وهي التي تحصل من عملها على 700 درهم فقط توزعها على المصاريف الضرورية ودواء أطفالها.
وطالبت إيمان المسؤولين بضرورة إيجاد حل واقعي سريع لها وأطفالها وإنقاذهم من الموت الذي يحيط بهم من كل مكان، مشددة على أنها تختار المغامرة بحياتها وحياة أطفالها داخل المنزل على أن تقبل بحلول يمكن أن تورطها أكثر وتزيد من معاناتها مع الفقر والحاجة.
وقال مصدر مطلع، إن صمت المسؤولين من جماعة وسلطات محلية على حياة سبعة أفراد مهددين بالموت في أي لحظة هو كارثة بكل المقاييس واستهتار بأرواح المواطنين، لأن الطبيعي هو أن يتم التنسيق بين جميع المؤسسات لوضع حلول مستعجلة لكل الأسر المتضررة، وليس الفشل في إقناع وإيجاد حل لأسرة واحدة تعاني الفقر والحاجة وغياب المعيل.
ذعر وخوف
ما زال الذعر والخوف يسيطران على نفسية العديد من سكان حي حوزي المتضررين من حادث انزلاق التربة، وقد كشف البعض أنهم لا ينامون الليل لهول ما شاهدوه من تحرك للبنايات من مكانها وظهور شقوق كبيرة على الأرض تشبه أثر الزلازل القوية التي تضرب بعض المناطق من العالم.
وكشف مرافق الجريدة أن أغلبية سكان الحي كانوا متخوفين من البناء بالمكان بعد أخبار تحدثت سابقا عن خطورة التربة المهددة بالانزلاق بفعل مياه جوفية، لكن عندما وضعوا طلبات رسمية للحصول على رخص البناء التي تسلمها الجماعة وتم قبول طلباتهم، اطمأنوا إلى أن البقع صالحة للبناء وأن الدراسات التي تقام بشكل قبلي تستوفي جميع الشروط قبل أن تفاجئهم هذه الكارثة التي خلقت معاناة لا يمكن حصرها.
وأضاف المتحدث نفسه، أن هناك من المتضررين من اشترى شقة بالقروض، وهناك من ضاع حلمه في امتلاك سكن عمل من أجله سنين، لذلك ستستمر المعاناة وتتعقد أكثر في حال عدم تدخل المؤسسات للمساعدة وتقديم كافة أشكال الدعم للعائلات المحتاجة والفقيرة.
وانتقلت بعض العائلات المتضررة للسكن داخل غرف ضيقة جدا في أوضاع مأساوية، كما عمل سكان الحي على تقديم المساعدة لبعضهم والتضامن من أجل تجاوز هذه المحنة.
ويتخوف السكان من عودة شبح انزلاق التربة واستمرار هذا المشكل الذي ينذر بتشريد آلاف المواطنين وتهديد حياتهم، خاصة عند التساقطات المطرية التي تساهم في تفاقم المشكل وعودة الخطر بشكل كبير.
مجالس فاشلة
كشفت مصادر «الأخبار» أن المجلس الذي تحمل مسؤولية قيادته حزب الاستقلال سابقا فشل في تدبير مدينة شفشاون وأدخلها في فوضى عارمة وانتشار البناء العشوائي والأحياء غير المهيكلة التي تعاني من هشاشة البنية التحتية وضعف التجهيز.
وأضافت المصادر نفسها، أن المجالس المتعاقبة على شفشاون من حزب الاستقلال إلى العدالة والتنمية كان همها جمع الأصوات وكسب تعاطف المواطنين دون استراتيجية واضحة لمعالجة الإكراهات والمشاكل التي تتخبط فيها المدينة الزرقاء.
وقال مصدر من السكان، إن هوية شفشاون السياحية والمؤهلات الطبيعية والتاريخية التي تمتاز بها، لا تعيرها المجالس المتعاقبة أي اهتمام وتستغرق في التدبير الروتيني اليومي دون إبداع في تنويع مصادر التمويل لخلق مشاريع التنمية وتحريك عجلة الاقتصاد المحلي الذي يعاني من الجمود التام.
واستغرب مجموعة من سكان حي حوزي المتضررين عدم زيارتهم من طرف رئيس المجلس البلدي وتقديم يد المساعدة والمواساة لهم، خاصة في ظل الظروف القاسية التي يعيشونها من خوف وترقب في غياب المعلومة الرسمية وتناسل الإشاعات.
وقال أحد السكان إن على مصالح الجماعة أن تتحمل مسؤوليتها، لأنها هي من منحت التراخيص للسكان من أجل البناء، والتحقيق يجب أن يشمل جميع المؤسسات والمسؤولين بدون استثناء.
واستغرب المتحدث نفسه، وضع مصالح الجماعة للطين فوق الشقوق التي ظهرت على الأرض داخل الحي، متسائلا إن كان هذا هو إصلاح البنية التحتية التي قال السياسيون خلال الانتخابات إنهم سيضعونها من الأولويات.
من جانبه، صرح نائب رئيس جماعة شفشاون أن حي حوزي منطقة مهيكلة ومسموح فيها البناء، وقد زارت لجنة إقليمية الحي لدراسة الحالات المتضررة في انتظار اتخاذ الإجراءات القانونية.
وأضاف المتحدث نفسه، أن رخص البناء التي منحت بالحي تمت بتنسيق مع الوكالة الحضرية حسب تصاميم التهيئة ووفق الدراسات الميدانية الضرورية.
تضامن السكان
رغم تأكيد نائب رئيس الجماعة على زيارته الحي وسؤاله عن المتضررين إلا أن جميع من التقتهم «الأخبار» خلال جولتها يقولون العكس، ويشددون على أن المساعدات الوحيدة التي تلقوها هي تضامن الجيران في ما بينهم ومساعدة بعضهم بعضا لتجاوز المحنة، خاصة وأن بعض العائلات كانت تقضي ليلها في العراء تحت المطر لولا مساعدة الجيران وتطوعهم.
وقال أحد السكان المتضررين إن رئيس الجماعة وعوض الاجتماع معهم بشكل مستعجل بالميدان لدراسة المشاكل ومحاولة التخفيف من المعاناة، اختار مراسلة بعضهم بشكل رسمي (تتوفر الأخبار على نسخة منها) من أجل تنفيذ عملية إخلاء سكان يكترون المنازل أو تحميل المسؤولية المدنية والجنائية للمالك في حال لا قدر الله حدثت هناك كارثة.
وأضاف المتحدث نفسه، أن ما وقع بالحي هو كارثة بكل المقاييس لذلك كان على الجماعة أن تنسق مع المؤسسات لتشكيل خلية أزمة تضع حلولا مستعجلة للعائلات الأكثر تضررا خاصة تلك التي ما زال الموت يتهددها داخل منزلها في كل لحظة إذا عرفت المنطقة تساقطات مطرية ولو ضعيفة.
وبادر السكان إلى جمع مبالغ مالية لمساعدة العائلات المشردة على الكراء من جديد، كما بادر البعض إلى توفير محلات وغرف أرضية ليستفيد منها بعض المتضررين بشكل مؤقت في انتظار حلول في المستقبل.
إلى ذلك، كشفت مصادر الجريدة أن المتضررين وبعد أسبوع من المعاناة لم تصلهم أي إعانات أو مساعدة تذكر سواء من الجماعة أو السلطات المحلية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى