الرئيسيةبانوراماخاص

الانتخابات التشريعية تعيد رسم الخريطة السياسة بإسبانيا وتنهي عهد الثنائية الحزبية

النعمان اليعلاوي

مقالات ذات صلة

كرست نتائج الانتخابات التشريعية التي عاشتها إسبانيا أول أمس (الأحد) هيمنة المحافظين بحصولهم على 26,8 في المائة من الأصوات، بحسب استطلاعات رأى أجراها التلفزيون العام لدى الخروج من مكاتب الاقتراع، في الوقت الذي خلق حزب بوديوموس اليساري المتطرف والذي تأسس بداية العام الماضي، المفاجأة  بحصوله على الرتبة الثالثة ب21,7 في المائة بحسب هذه الاستطلاعات التى شملت نحو 177 ألف شخص في مختلف مناطق البلاد.
ورغم كون حزب الشعب الإسباني المحافظ الحاكم، بزعامة رئيس الحكومة ماريانو راخوي حل بالمركز الأول في هذه الانتخابات، لكنه أخفق بالفوز بأغلبية مطلقة في البرلمان الجديد، مما يعني أنه سيضطر للتحالف مع حزب آخر إذا كان له أن يحكم البلاد لسنوات أربع أخرى، خصوصا أن الحزب اليساري المتطرف بوديموس الذي حل بالمركز الثاني لا يتقاطع معه اديولوجيا مما سيضطره إلى البحث عن التحالف مع حزب المواطنون الليبرالي الذي حل رابعا، لمواجهة تحالف اليسار المرجح أن يتشكل من الحزب اليساري المتطرف (بوديموس) الثالث، والحزب الاشتراكي العمالي الذي حل ثانيا.

انتهاء الثنائية الحزبية
لعل الجديد الذي حملته الانتخابات التشريعية الاسبانية للساحة السياسية في شبه الجزيرة الايبيرية، والتي من الضروري أن يكون لها أيضا تأثير على المحيط الاقليمي لإسبانيا، خصوصا في العلاقة مع باقي دول الاتحاد الأوربي على اعتبار أن الحزب اليميني الحاكم كان يتبنى مقررات اقتصادية تنحو نحو التقشف وهو ما عارضته من أجله أحزاب اليسار التي بوأتها هذه الانتخابات مكانة مؤثرة في القرار، فالنتائج المعلن عنها تشير إلى انهيار الوضع السياسي السابق المتسم بالثنائية الحزبية، حيث أنه من شأن دخول الحزبين الجديدين إلى المنافسة (بيديموس والمواطنون)، أن يضع حد للثنائية الحزبية المعهودة منذ «التحوّل الديموقراطي» في نهاية السبعينيات، عقب وفاة «الزعيم فرانكو».
وحسب مراقبين فإن إعادة فرز الخريطة السياسية لم تكن مفاجئة الانتخابات التشريعية الاسبانية الوحيدة، فعودة التيار اليساري المتطرف إلى المشهد السياسي بقوة عبر حزب بوديموس، والذي تأسس بداية عام 2014، وما حصل عليه هذا الحزب، خلال أول انتخابات يشارك فيها، من أصوات الناخبين الإسبان، بوأته المركز الثاني.. كل ذلك يعطي حسب المراقبين مؤشرات عن تنامي عدم رضى الاسبان عن القرارات التقشفية الأخيرة التي اتخذتها حكومة ماريانو راخوي، وهي القرارات التي بنى الحزب اليساري حملته الانتخابية على مهاجمتها وإعلان في حال نيله ثقة الناخبين التراجع عنها لصالح قرارات اجتماعية بديلة ترتكز على الرفع من معدل التشغيل وتحسين الأوضاع الاجتماعية للفئات الهشة.

أيام صعبة تنتظر الإسبان
أولى الخطوات بعد الانتخابات (التاريخية) التي شهدتها إسبانيا، باشرها ماريانو راخوي القائم بأعمال رئيس الوزراء في إسبانيا، بخطاب أمام أنصاره عقب الإعلان عن النتائج الأولية، قائلا إنه سيحاول تشكيل حكومة، مضيفا «إن البلاد بحاجة إلى حكومة مستقرة تبني على العمل الذي نفذه الحزب الشعبي الحاكم خلال السنوات الأربعة الماضية»، وأضاف راخوي في كلمة بمقر حزبه بوسط العاصمة مدريد إن «الأيام التي ستلي الانتخابات والتي لم يحصل فيها أي حزب على أغلبية مطلقة لن تكون سهلة».
من جانبه قال زعيم حزب الحزب اليساري المتطرف «بوديموس»، بابلو إيغليسياس، لدى إدلائه بصوته في حي دي فاليكاس الشعبي بضاحية مدريد إن «الأمر مؤكد، هذا المساء سيتغير تاريخ بلدنا»، فيما اعتبر زعيم حزب المواطنون وهو الأقرب إلى التحالف مع الحزب الشعبي لتشكيل الحكومة الجديدة، ألبرت ريفييرا، لدى إدلائه بصوته في لوسبيتاليت دي ليوبريغات «نحن على عتبة انتقال ديموقراطي جديد، على عتبة عهد جديد».

تأثيرات خارجية
بقدر ما أجمع القادة السياسيون الإسبان على كون مرحلة ما بعد الانتخابات التشريعية، حاسمة على الصعيد الوطني الاسباني، بقدر ما يرى مراقبون أن هذه النتائج سيكون لها تأثير على المحيط الاقليمي للجارة الشمالية، فالفوز المحتشم للحزب الشعبي الاسباني مقابل التوسع المضطرد لحزب بوديموس المشكل حديثا، سيكون له لا محالة حسب المراقبين تأثير على العلاقات الخارجية الاسبانية مع دول الاتحاد الأوربي، من خلال ضغط المعارضة التي في الغالب ستتشكل من اليسار على الحكومة بزعامة راخوي من أجل التراجع عن الإجراءات التقشفية التي تبنتها الحكومة السابقة بإيعاز من الجانب الأوربي.
كما من شأن تنامي موقع حزب بوديموس اليساري والمعروف بمواقفه المعادية لقضية الوحدة الترابية للمغرب، الضغط بقوة على الحكومة الجديدة لتخفيف تعاونها الاقتصادي والأمني مع المغرب، خصوصا أن أحزاب اليسار الاسبانية معروفة منذ عهد فرانكو والحكومات الثلاث المتعاقبة بعده بدعمها للأطروحة الانفصالية ودفاعها بشراسة عن «البوليساريو»، قبل أن تلين من مواقفها هذه في خضم تنامي التعاون الاقتصادي والأمني بين المغرب وإسبانيا، وهو ما برز في التحول الجذري في موقف الحزب الاشتراكي الاسباني الذي بدأ يبدي حيادا في الموضوع.

بوديمس ودعم «البوليساريو»
الحياد الذي تبناه الحزب الاشتراكي الاسباني في قضية الوحدة الترابية للمغرب، والأقرب إلى دعم الخيار المغربي مقابل أطروحة الانفصال، انقلب عليه حزب «بوديموس» اليساري المتطرف، والذي أعلن منذ تأسيسه دعم أطروحة الانفصال منطلقا من مدخل منح الحكم الذاتي لمنطقة كاتلونيا الاسبانية واعتبار الملف سيان في موضوع الصحراء المغربية، وهو ما أعطى حسب متتبعين الحزب زخما في برشلونة والمدن المجاورة لها.
الموقف المتشدد للحزب الثاني في الانتخابات الاسبانية من المتوقع أن يتأثر بدخوله المعترك السياسي، ومواجهة أحزاب تتبنى «البراغماتية السياسية» في التعاطي مع العلاقات الدولية، كون المغرب الزبون الأول لإسبانيا في إفريقيا وفي العالم العربي جعله يصبح معادلة مهمة في إسبانيا وشريكا إستراتيجيا لا محيد عنه في السياسة الأمنية للحكومة الإسبانية، بل إن هناك إجماعا لدى المراقبين على أن المغرب أصبح لبنة أساسية في السياسة الإسبانية لمكافحة الهجرة غير الشرعية القادمة من إفريقيا جنوب الصحراء.

الانتخابات الإسبانية في أرقام
625 لائحة تنافست على مقاعد مجلس النواب في 52 دائرة، بينما شارك في هذه الانتخابات 673 مرشحا بغية الحصول على مقعد داخل قبة مجلس الشيوخ المنتهية ولايته، في 59 دائرة انتخابية، فيما يصبح الحزب المتصدر للنتائج، أهلا لتشكيل الحكومة الجديدة، ولو لم يحصل على الأغلبية البسيطة، لكنه مجبر، بمقتضى العرف الديمقراطي المتبع، على البحث عن تكملة للأغلبية لدى الأحزاب الإقليمية، خاصة في إقليمي كاتالونيا والباسك، كما جرب ذلك في الماضي الحزبان الكبيران المحافظ والاشتراكي.
وبخصوص المرشح لرئاسة الحكومة، فراخوي، رئيس الحكومة المنتهية ولايته، والذي حصل حزبه (حزب الشعب اليمين الوسط) الذي يتزعمه، على الرتبة الاولى في هذه الانتخابات، ملزم بتشكيل الحكومة، بعد أن نافسه على كرسي الرئاسة، بيدرو سانتشيث، زعيم حزب الاشتراكيين وآلبير ريبيرا عن حزب ثيودادانوس، وبابلو أغليسياس عن حزب بوديموس.
ويشار إلى أن هذه الانتخابات دعي لها نحو 36 مليون ناخب إسباني من أجل  التصويت في الجولة الوحيدة والحاسمة التي شهدت منافسة تعتبر الأكثر احتداماً في تاريخ البلاد المعاصر، وحاول خلالها حزبا «سيودادانوس» و»بوديموس» الجديدان إنهاء هيمنة الحزبين الرئيسيين، الاشتراكي والمحافظ، على الحياة السياسية، وهو ما كان بعد أن احتل بوديموس الرتبة الثانية وحزب المواطنون الرتبة الرابعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى