الرأي

التأسيس العقلاني للتدين

علينا أن نقارن بين مفهوم المعجزة التقليدي والمفهوم العلمي التجريبي. في هذا الصدد يذكر كلود برناد ذلك في كتابه (الطب التجريبي) ص 84:
«فإذا برهنا في الفسيولوجيا أن أكسيد الكربون مثلا يسبب الموت لأنه أشد قابلية من الأكسجين للامتزاج بمادة كريات الدم، فقد عرفنا كل ما تمكن معرفته عن علة الموت. وعرفنا من التجربة أن شرطا من شروط الحياة قد نقص أو غاب. ويعجز الأكسجين عن الدخول في الكائن الحي لأنه يعجز عن إزاحة أكسيد الكربون ومنعه من الاتحاد مع الكريات، ولكن ما السبب في أن أكسيد الكربون أكثر من الأكسجين قابلية للامتزاج بكريات الدم؟ وما السبب في أن دخول الأكسجين في الكائن ضروري لازم للحياة؟ نصل بهذا السؤال إلى حدود معرفتنا الراهنة. وإذا افترضنا أننا نستطيع السير بالتحليل التجريبي إلى أبعد من ذلك وصلنا إلى علة غامضة نضطر إلى الوقوف عندها بدون أن نهتدي إلى العلة الأولى للأشياء».
المعجزة محدودة الزمان، محدودة المكان، محدودة الرؤية، من أشخاص بعينهم. لجيل محدد لا يمكن تكرارها، فلا يمكن يومياً شق البحار وقلع الصخور، واستخراج الجمال من الأرض.
ولكن القانون المتعانق مع العلم وجدلية العقل يسخر الكون كله يومياً في كل وقت من خلال الإمساك بمفاتيح سننه. فتطير الطائرات فوق الغمام ويتخاطب الناس بالصوت والصورة أفضل من جن نبي سليمان، وتتفجر الذرة بما لا يحلم به زيوس رب الآلهة في الأولمب من امتلاك القوة.
القانون يمنحنا السيطرة على الكون، والدجالون كلهم تجرى على أيديهم معجزات، ولكنهم لم يكسبوا الأتباع، ولم يتركوا لأنفسهم تاريخاً سوى الهزء والسخرية والتندر وسوء الاسم، كما في قرآن مسيلمة الكذاب، بسبب بسيط أنهم اعتمدوا الخارق والأسطوري والخلاب، يحلمون مثل اجتماع حفنة من الرجال العاطلين على مضغ القات وسف الكوكايين واستنشاق الهيروين وهم يدردشون!!
ترك التاريخ لنا بعض (سور) مسيلمة من قرآنه المزعوم فإذا كان محمد (ص) نزلت عليه سورة (البقرة) فقد نزلت عليه سورة (الفيل) أي ما هو أضخم من البقرة «الفيل؟ وما أدراك ما الفيل؟ له خرطوم طويل. وذيل وثيل»؟ بفارق أن سورة البقرة اختصرها من 286 آية إلى أربع آيات!
وإذا كان محمدا (ص) تحدث عن البعوض والهدهد والنمل والنحل فقد نسي أن يتحدث عن الضفدع وهو من أجمل الفقريات، لذا كان قرآن مسيلمة أحفل بالنكتة.
(يا ضفدع بنت ضفدعين. نقي ما تنقين. لا الشارب تمنعين ولا الماء تكدرين. نصفك في الماء ونصفك في الطين) ؟!!
إذا كنا سنعرف الله ونؤمن به، من خلال الخلاب والأسطوري وخرق القانون وإدخال الاضطراب إلى نظام الطبيعة؛ فهذا منهج أقرب إلى الإلحاد منه إلى الإيمان. فهل بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون؟
ومن الغريب حقا أنه مع كل إلحاح القرآن وطبيعة الانتصارات التي حققها نبي الاسلام باعتماد القانون والمنهجية والعقلانية وافتتاح عصر جديد، بقدر ما كبت ثقافتنا على وجهها باتجاه السحري والأسطوري والخلاب، فكتب معظم تراثنا بهذا الضوء، وسطرت السيرة بكرونولوجيا غزوات وخوارق، في نكسة عقلية غير مفسرة وغير مفهومة، قادت الفكر الإسلامي إلى وضع الكارثة التي نعيشها في الوقت الراهن.
عند هذه النقطة بالذات رسخ الفيلسوف (إقبال) مفهوم ختم النبوة على نحو رائع. إنها فكرة عملاقة تعني نهاية مرحلة توجيه الإنسان ليقوم بنفسه، فالنبوة تحولت هكذا من نموذج قديم إلى نموذج لا ينقطع مطلقاً، من نوع جديد يعتمد زخم العقل والعلم، وآيات الله في الآفاق والأنفس، والكشف عن مصادر الطبيعة والتاريخ.
مع هذه الفكرة ينتهي عصر (الخوارق والتفوق والامتيازات) فلا نبي بعد، ولا خوارق تدشن، وليس هناك من كاهن يعتمد، أو عراف يصدق، ووقت السحر ولى، ولا مكان لوراثة الملك والجملوكيات، والعلم هو الذي سيحتل الساحة من خلال الكشف عن القانون وتسخيره في كل مستوى.
جاء في كتاب (تجديد التفكير الديني) لمحمد إقبال ص 144 ما يلي:
«إن النبوة في الإسلام لتبلغ كمالها الأخير في إدراك الحاجة إلى إلغاء النبوة نفسها. وهو أمر ينطوي على إدراكها العميق لاستحالة بقاء الوجود معتمدا إلى الأبد على مقود يقاد منه، وأن الإنسان، لكي يحصل كمال معرفته لنفسه ينبغي أن يترك ليعتمد في النهاية على وسائله هو.
إن إبطال الإسلام للرهبنة ووراثة الملك، ومناشدة القرآن للعقل وللتجربة على الدوام، وإصراره على أن النظر في الكون والوقوف على أخبار الأولين من مصادر المعرفة الإنسانية، كل ذلك صور مختلفة لفكرة انتهاء النبوة».
هذا ما قاله إقبال أما نحن فما زلنا نتناقش في مناطق من العالم العربي، حول هدم الكعبة لمنع الاختلاط، وجواز إرضاع المراهق، وهل يسمح للمرأة بقيادة السيارة؟ والتصفيق والزعيق والبعيق للقائد الديكتاتور أن يطيل عمره في مناسبة وغير مناسبة راكبا على ظهور العباد إلى يوم الدين.. اللهم آمين أمين؟؟
سئل أردني لماذا أنت مكشر؟ فأجاب: قهوتنا مرة، وطبختنا مقلوبة، وبحرنا ميت، وخليجنا عقبة، ومغنينا مهاوش، وأغنيتنا يا ويلك ياللي عادينا يا ويلك ويل؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى