الرأي

التعرية الصحفية والتهاون الفني

كثيرون هم الإعلاميون والفنانون الأجانب الذين اعتادوا على اعتبار المغرب «حديقة خلفية» يهرعون إليها لقطف ثمارها كلما احتاج أحدهم إلى تسمين حسابه البنكي أو تذوق نعمة الرفاهية في الفنادق الفخمة أو المنتجعات الراقية. وفي باريس بالذات، كان بعض الإعلاميين يتندرون بسلوك بعض زملائهم الذين اشتهروا باسم «صحافيي المامونية» كناية عن بحثهم الدؤوب عن توفير فرصة للإقامة في الفندق المراكشي الفخم دون أن يخسروا سنتيما واحدا مقابل ما يتمتعون به من نعم رفقة أفراد عائلاتهم أو صديقاتهم. ومن بين صحافيي المامونية «إريك لوران» الذي تورط في قضية ابتزاز المغرب رفقة الصحافية «كاترين غراسيي» التي نسيت أنها تعلمت «المهنة» في مكاتب إحدى المجلات المغربية التي توقفت حاليا عن الصدور، واستلهمت مسارها في الابتزاز مع تونس، ثم تفتحت شهيتها أكثر لتحاول ابتزاز المغرب لتضمن لها تقاعدا مريحا، ولو قبل الأوان، مادامت أنها تؤكد كل مرة أنها تنوي التخلي عن مهنة الصحافة لتتفرغ لتربية الخيول، لكنها لم تستفق من أحلامها الوردية إلا وهي في مركز شرطة باريسي تابع لقسم محاربة الانحراف والجريمة، فتحولت تغطيتها الصحفية إلى تعرية ودرس كشف «عورتها» أمام العالم.
وبعيدا عن باريس، تهافت فنانون شرقيون من أجل الاستفادة من موضة مغربية مبتدعة أسست لها مهرجانات تتسابق على دعوة نجوم السينما المصرية بوجه خاص من أجل تأثيث المكان ولفت الانتباه إلى مهرجانات تريد أن تخفي أكثر مما تظهر، وكادت المهرجانات المغربية أن تستنفد الفنانين المصريين المرشحين للتكريم والاستضافة، إلى درجة أن بعضهم تم تكريمه لأكثر من مرة. ويبقى السؤال: هل ساهمت هذه التكريمات في تحقيق قفزة نوعية في التعاون الفني، أو بالأحرى التهاون الفني بين المغرب ومصر، وهل تم تنزيل مبدأ التعامل بالمثل عبر تكريم مهرجانات مصرية لمبدعين مغاربة؟ لا شيء تحقق من ذلك بل صدم المغاربة وهم يتابعون تصريحات الفنانين المصريين الذين تم تكريمهم بعد أن أطلقوا العنان لخيالهم المريض ولسانهم السليط من أجل النيل من سمعة المغرب، سمعنا بعضهم يقول إن المغاربة هم يهود يتمسحون بالإسلام من أجل إخفاء ديانتهم الحقيقية، وسمعنا بعضهم يصف المغرب بأنه مطعم جنسي مفتوح لكل من يريد تفريغ مكبوتاته، وسمعنا إعلامية مصرية تقول إن اقتصاد المغرب كله يقوم على الدعارة، وأن وباء السيدا مستفحل بين سكانه. وشهدنا كيف أن الصحافيين المصريين الذين لم يهتموا أبدا بملف الصحراء المغربية، يتسابقون من أجل تناول الموضوع والكتابة حوله من محبرة واحدة، بعد أن استسلموا لرنين البترودولار الجزائري، بعد أن كان صحافيو مصر منذ السبعينات صامدين في وجه الاغراءات الجزائرية أو على الأقل ملتزمين بالحياد. وبعضهم اليوم يقف في الصف منتظرا دوره في السفر إلى تندوف لكي تملي عليه المخابرات العسكرية الجزائرية ما ينبغي إيصاله للرأي العام المصري من أكاذيب مدفوعة الثمن مسبقا.
لقد فهم إيريك لوران وكاترين غراسيي ومن خلالهما فرنسا أن المغرب ليس حديقة خلفية لأحد، وأن الضيافة المغربية نابعة من تراث حضاري وليس من مركب نقص، في انتظار أن يتخلى منظمو المهرجانات الفنية المغربية عن المازوشية التي تطبع سلوكهم وانبطاحهم أمام بعض فناني الشرق، الذين يردون كرم الضيافة بالشتائم والأحكام الجاهزة الناجمة عن جهل كبير بالتاريخ، وأمية مستفحلة لا يقدر ماكياج الممثلات الساقطات أن تخفيها عن الأنظار والألباب. فمتى نتخلى عن مسلسل التلذذ بتعذيب الذات وإخفاء رؤوسنا في الرمال حاملين شعار «شوف وسكت»؟.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى