شوف تشوف

الرأي

الخوارج الجدد

لا طاقة لي على محاولة تفهم هذا الفصام الذي يغشانا، نحن في مأزق وهذه حقيقة لا يبدو أبدا أنها ستتغير في الأعوام القادمة، نعيش طوفانا جديدا اسمه «التضامن»، خليط من أنتيكا الرفاق الشيوعيين والعفاريت الزرق. ومصطلح التضامن أول مرة عرفناه كان مرتبطا بقضايا ـ يمكن بسهولة أن تجمعها القومية سواء سُيست أو كانت مذهبية ـ الآن غدا هناك «تضامن» دخيل على الحمولة اللغوية وحتى الاصطلاحية للكلمة، تضامن أقرب إلى صرعات الموضة منه لمواقف ثابتة، تنبعث منه علامات استفهام كثيرة ويمتد في كل الاتجاهات كامتداد خرداوات عمي تحت الأرائك وفي المتسع بين الخزانة والحائط وبأعلى «السدة» كخيار أخير لخالتي! وقد خرج قبل أيام نساء ورجال في شوارع مدينة الرباط ومدن أخرى يرفعون أوراقا كتب عليها «ارتداء فستان ليس جريمة»، يصرخون بغضب ويدافعون عن حق المرأة في ارتداء فستان ويبدون جديين في الأمر، وامتلأت صفحات الأنترنت بفساتين وأفخاذ وسيقان مستعدة لارتكاب جريمة لإثبات أن ارتداء فستان ليس جريمة، وترك كل المواطنين الزرق رأيهم في الموضوع وانقسم الرأي العام لفريقين: اليمين الذي يعتبره جريمة ويلعن ويكفر واليسار الراديكالي الذي لا يعتبره كذلك ويتعرى و«يتقزب»، وطبعا لم يخل الأمر من مشادات وسب بين الفريقين!
وهذه كانت فقط صورة عن الزوبعات التي تثيرها موضات «التضامن» الجديدة، فقبلها تضامنوا مع «مراهقي قبلة الفايسبوك» و«حق المثليين في حياة طبيعية!». وقبل أيام فقط خرج متضامنون مع حق عرض الفيلم البورنوغرافي «الزين اللي فيك» واعتبروا أنها مجرد سينما وأن ذلك هو الواقع بالمغرب ومن تم لا ضير في عرضه، واعتبروا من ضد عرضه رجعيين وكومة عقد.. وقبله أيضا تضامنوا مع جريدة وقحة لا تحترم الأديان ولا تخلو أوراقها من كلام ساقط ورفعوا ببطولية «كلنا شارلي» تماما كما رفعوا شعار «كلنا رسول الله» حين عرضت الرسوم الدانماركية المسيئة للرسول عليه الصلاة والسلام في سنوات سابقة!
وفي الختم، إن الحديث صراحة عن القيمة الاعتبارية لهذه الخرجات- بعيدا عن دلالاتها ورمزيتها- يحيلنا لواقع مشبوه لا يبشر بخير ويورطنا في سؤال حتمي: إلى أي حد تبدو مهمة هذه القضايا التي نناضل ونتظاهر ونتعارك من أجلها؟ ولماذا يجب أن نكون دوما في مواجهة عدو؟ وكيف يحدث أن المواضيع التي تشغل جزءا مهما من الرأي العام بها خلل؟ وهل القضية أو التوجه هو ما يحركنا أم هو نفسه الغاز الذي تملأ به العجلات والبالونات ما يملأ جماجمنا؟!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى