الرأي

«الديربي» في عكاشة.. حديث ذو سجون

انتبهت إدارة سجن عكاشة إلى أهمية مباراة «الديربي» البيضاوي بين الوداد والرجاء، وقررت اتخاذ تدابير استثنائية لمواجهة حدث استثنائي، فعجل حراس العنابر بعملية النداء التي تتم من خلالها إعادة إحصاء المعتقلين وإغلاق زنازينهم بإحكام، وأنهوا إجراءات الإحصاء اليومي للنزلاء، أو ما يعرف في أدب السجون بـ«لابيل» على غير العادة مبكرا، والتحق كل بزنزانته وهو يتوعد رفاقه بانتصار يخفف المصاب.
كانت إدارة المؤسسة السجنية تعلم علم اليقين أن أغلب المعتقلين مدانون بتهمة العشق الأحمر أو الأخضر مع سبق الإصرار والترصد، ومنهم متهمون بالضرب والجرح وإحداث عاهات مستديمة في طبول مخصصة للتشجيع، ورغم ذلك وافقت على منح المعتقلين فرصة متابعة مباراة «ديربي»، ووضعت حراس المعتقل في حالة تأهب قصوى لمباراة مفخخة لا يؤتمن شرها حتى ولو كانت خلف أسوار السجن.
يقول سكان عكاشة الأولون إن متابعة مباراة «الديربي» في السجن أشبه بـ«سكانير» يكشف عن وجود حب راقد خلف القضبان، مئات المعتقلين يحجزون في قلوبهم الفظة، مساحة لعشق الوداد أو الرجاء، ويؤكد العارفون أن متابعة مباراة «ديربي» تجعل المرء يتعرف على مشجعين يتخلصون من تهمهم لمدة تسعين دقيقة يمثلون فيها دور المناصرين الأحرار، قبل أن يعودوا إلى عنابرهم سالمين.
يصر مناصرو الوداد والرجاء المعتمدون في عكاشة، على أن وجودهم في مؤسسة عقابية، مجرد خطأ مطبعي، فيطعنون في تهمة الاعتداء على ممتلكات الدولة، ويكنون عداء لقانون الشغب الذي ولد وفي وجهه كدمات، لكن حين يتذكرون أن السجن لـ«الجدعان»، يتنفسون «النزلاء» ويكشفون للمقربين منهم عن ضلوعهم في غارات سجلت ضد «مهبول».
بالأمس كانت إدارة السجن تضرب ألف حساب للشيوعيين والماركسيين والقاعديين والطليعيين والانقلابيين والإخوان المسلمين، لكن مع هيمنة الكرة على البلاد والعباد، أصبح لفصائل «الإلتراس» حضور وازن في الأقبية، فشكلوا فصائل متشبعة بفكر استئصالي آخر، تقرأ ما علق في ذهنها من أهازيج الملاعب بخشوع تارة وبعنف تارة أخرى.
حين انتهى «الديربي» بلا غالب ولا مغلوب، انطلق الشوط الإضافي للمباراة الكلامية بين عشاق الفريقين، فقد قال الرجاويون إن حارسهم لم يشعر بأي تهديد على امتداد ساعة كاملة، وقيل إنه فتح حسابه على «الفايسبوك» وهو واقف في مرماه، وكتب تغريدة يقول فيها «أشعر بالوحدة». وقال الوداديون إن شركة الطرامواي تتفاوض مع الوداد لإطلاق اسم حداد على الخط الجديد، وحين ارتفعت نبرة السجال اقترح مناضل حقوقي معتقل إضافة مادة في الدستور المغربي تنص على إجراء «ديربيات» المملكة بدون جمهور. وندد أديب مدان بتهمة كتابة أبيات على الحيطان بدل دواوين الشعر، بشغب «الديربي» وقال إن هجرة شعراء النقائض نحو المدرجات سر البلاء، وكشف عن وجود فطاحلة الأدب وفحول قلة الأدب.
لم ينته الجدل الصاخب بنهاية المباراة، فقد كان السجناء يعلمون علم اليقين أن عكاشة ستتشرف في اليوم الموالي باستقبال صناع معركة المدرجات، وسيروون للسجناء، في فسحة المعتقل، حكاية غزوة السطوح، ويكشفون تفاصيل حصرية عن «ديربي» بدايته تصفيق ونهايته «تصرفيق».
في سجن عكاشة عشرات اللاعبين والحكام والمسيرين والمدربين والمشجعين والصحافيين الذين رمت بهم الأقدار خلف القضبان، يجمعهم حديث الكرة كلما اقترب موعد «الديربي»، فيبحثون بين أغراضهم عن مستندات ووثائق تثبت انتماءهم إلى عشيرة الكرة بالصور تارة وبالنسب تارة أخرى، دون أن يجدوا إحراجا في الكشف عن سر النزول الاضطراري في المعتقل، لطالما أصبحت السجون تعج بكبار مسؤولي إمبراطورية «الفيفا» وتتهيأ لاستقبال زعيم عصابة المفسدين بلاتر ورفيق دربه بلاتيني، في انتظار رؤوس أخرى أينعت وحان قطافها.
حين يدخل «الديربي» سجن عين السبع، تتغير طبائع المعتقلين فتتأجل كل أماني الحرية وتسيطر على الرؤوس الحليقة أمنية الفوز، لكن يبدو أن الأعمال ليست بالنيات في المعتقل وليس لكل سجين ما نوى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى