شوف تشوف

الرأي

العلونة السياسية

مصطلح العلونة السياسية أطلقه المفكر السوري (صادق جلال العظم) على النظام الطائفي في سوريا، وهو مصطلح يجب شرحه خاصة للمغاربة؛ فكلمة العلوي في المغرب تختلف تماما عنها في سوريا، كما هو الحال في كلمة العافية؛ فهي عند المغاربة تعني النار وهي عند السوريين تمام الصحة وكمال الزينة.
العلويون في سوريا لو أردنا القيام بتشريح لهم هم طائفة تنقسم إلى أربعة أقسام: الاسماعليون وهم أقرب للثورة السورية، والمرشديون وهم بين بين (ينسب لشيخهم أيام الفرنسيين ادعاءه الألوهية؟ كما ترشح أخبار غير يقينية عن اعتقاد العلويين أن عليا رضي الله عنه هو الله تنزل فيه، بعد أن ضل طريقه إلى محمد صلى الله عليه وسلم، ولذا يكررون كلمة تاه الأمين، تاه الأمين عن جبريل حين ضيع طريقه للوحي فكان الأصل لعلي فضاع وأتى بالوحي لرسول الرحمة (ص)، وهي أخبار يروجها طبعا خصومهم وتتطلب تحقيقا علميا. وتبقى فرقة الكلازية والحيدرية وهما في صلب النظام بسيف السلطان يضربون ومن مائدة الشبيحة يأكلون، خاصة الكلازية الساحلية؛ فمعظم مفاتيح القوة السياسية هي في أيديهم، وحين سطا المسخوط (حافظ الأسد) بانقلاب في الظلام على الحياة السياسية في سوريا، دخلت سوريا تلك العتمة الباهرة بتعبير الأديب المغربي بن جلون. دخلت سوريا عالم الظلام الدامس؛ فلم يعد يرى الإنسان أخاه إلا همسا، في وجود تنين أمني بخمسة عشر رأسا، وسبعة أذناب، من مخابرات جوية وثانية عسكرية وثالثة لأمن الدولة ورابعة للأمن السياسي وآخر من شكله أزواج لا مرحبا بهم إنهم صالو النار.
ومع المسخوط الأب حافظ الأسد نشأت هذه الفروع الأمنية الرهيبة في شبكتها العصبية هي للعلويين، الذين يسميهم السوريون أيضا النصيريين، نسبة لرجل غامض في التاريخ جاء ربما من مصر فنشر في جبالهم مذهبه المنسوب له نصير.
ويجب الانتباه أيضا إلى أن ليس كل العلويين مع نظام بشار البراميلي ولكن حشودا كبيرة قاتلت وتقاتل في صفوفه حتى النهاية، حتى الرجل الأخير والمرأة الأخيرة، فقد تسلحت النسوة أيضا بعصي وخناجر و(تبوريدة) كما يقول المغاربة، وهي ستعني بكلمة مختصرة فناءهم أو انحصارهم في دولة خرافية.
وأمام هذا التطور المرعب في (الحل الصفري) أي على المراهنة العلوية السياسية دخلت الطائفة في جحر جرذ حقيقي، وحسبما ينقل من جو المعارك في سوريا فقد ذهب إلى المقابر من شبابهم آلاف لا يحصيها كتاب ويضمها إمام مبين (يقال ربما بلغ عدد قتلاهم مائة ألف أو يزيدون وهو فناء نصف شبابهم في هذه الحماقة التاريخية التي حشرهم فيها المسخوط البراميلي) وهي حسرة فعلية على كل الأطراف المتنازعة التي ستدرك في النهاية أن هناك متسعا للجميع.
كنت في مدينة سلا بتاريخ 20 فبراير مدعوا لإلقاء محاضرة عن مقاربة اللاعنف في التجربة المغربية، وكانت أول جملة استفتحت بها محاضرتي، سؤال عميق عن معنى قتل الإنسان لأخيه الإنسان لخلاف في الرأي والمصلحة، وهي المشكلة التي تعرض لها القرآن في أول صراع بين ولدي آدم إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر، قال لأقتلنك. فهنا انشق الطريق لفريقين، من يؤمن بالقتل وسيلة لحل المشاكل والثاني الذي تبرأ من هذا الأسلوب وأنه مستعد لتحمل الموت على أن يحمل السلاح والحجر والبارود والسوخوي والصاروخ فيقتل.
الكارثة الطائفية درس لكل من يرقب الأحداث بأن القتل لا يأتي إلا بالقتل والدم إلا بالدم والحقد إلا بالضغينة وسوء المآل.
مصطلح العلونة السياسية اضطر المفكر اليساري جلال العظم لاستخدامه كما أستخدمه أنا هنا في هذه المقالة لتقرير هذه الحقيقة، كما هي في معالجات الوسواس القهري والعقد النفسية التي لا تفك ولا يعالج صاحبها إلا بإخراجها إلى الهواء النقي من مستودعات الذاكرة الخبيثة.
وأنا شخصيا استفدت من الرجل مرتين؛ الأولى في كتابه (في النقد الذاتي) للحركة اليسارية، مما حرض عندي كتابة كتابي في النقد الذاتي وضرورتها للحركات الإسلامية؛ فحورب الكتاب ومنع لفترة بين أتباع الاتجاه الإسلامي في الشرق الأوسط، واستفاد منه المغاربة فنجوا من المذبحة الشامية.
كما استفدت منه في فكرته حول من يحكم أمريكا أنهم (الواسب WASP) أي البروتستانت البيض، وليس اليهود كما يخيل للبعض.
حاليا يوصف ويشرح العظم هذه الفكرة على النحو التالي؛ أننا لو تصورنا مصر أو تركيا وقد أمسك بكل مفاصلها ووظائفها الهامة، ومفاتيح التحكم، والاستخبارات، والجيش ودوائر النفوس والتجنيد، ودوائر إصدار جوازات السفر وتأشيرات الخروج، ومدراء المطارات، والمتحكمين الفعليين بالمشافي والقطع العسكرية والبنوك والصحة والتعليم.. يقول لنتصور في تركيا أن كل هؤلاء أكراد متفاهمون بين بعضهم البعض، في ما يشبه الدولة داخل الدولة، أو الأقباط في مصر حيث يلتهمون الدولة ويتفاهمون مع الكرادلة والقساوسة والشيوخ من الأقباط سرا وعلنا.
يقول هذا ما حصل لسوريا مع العلويين الذين التهموا الدولة بأشد من موزة في حلق قرد (هم يستخدمون جدا مصطلح القرد؟ قرد ولووو).
أذكر محاضرة (رياض الترك) حين جاء إلى كندا؛ فتكلم في مونتريال عن نظام الحكم الذي بناه حافظ الأسد أنه يتصف بثلاث:
ـ نظام صنع للبقاء وليس للتغيير أو الإصلاح فهو نظام غير قابل للإصلاح، أثبتت ذلك الأحداث التي رأيناها في اتباع نفس المنهج بين والد وما ولد.
ـ الثاني أنه يحارب إسرائيل علنا ويتعاون معها سرا. وشهدت لهذا تصريحات المخلوف وخالف حين قال أن أمن إسرائيل من أمن سوريا، وكذلك أمن الجبهة في الجولات أربعين عاما مذكرا بصمت المقابر.
ـ أما الأمر الثالث فقال إنه مع كل هذه المواصفات الإجرامية فهو نظام ضعيف، ولكن المعارضة أضعف، ولذا فما يحكم علاقة الحكم والمعارضة هي معادلة توازن الضعف. شهد لهذا أيضا تفتت المعارضة وتفككها، بسبب بسيط هو تصحر الفضاء السياسي في سوريا، فالأب وما ولد وضعوا البلد في ثلاجة من العمل السياسي، ونسفوا الدستور عمليا وقرؤوه كتابيا، فحكم البلد بنظام المخابرات والخنجر والرشوة.
أذكر في تلك المحاضرة حين طلب من الحضور التعليق فتكلمت ابنتي عفراء وداعية السلام جودت سعيد، وهممت أن أتحدث في هذا الموضوع ولكن أدركت أن إطلاق مثل هذه المصطلحات تعني الخيانة العظمى، لذا وجب على رياض الترك يومها أن يقول والنظام رابعا يحارب الطائفية علنا وهو يبنيها سرا في عزة وشقاق.
في إذاعة مونتريال سألوني تحديدا عن هذه النقطة، قلت إن الطائفية تعني بكلمة واحدة أن الإنسان تحول إلى بهيمة، وما يضمه مع أفراد القطيع ليس العقلانية والفكر بل الانتماء بلون الجلد مثل السناجب والفئران والجرذان والحمير.
مع هذا أذكر من كتاب غوستاف لوبون عن سيكولوجية الجماهير أنها عمياء صماء بكماء، بل وينقل عن نابليون أنه قال لو أنه حكم اليهود لبنى السدرين وأقام هيكل سليمان، وحين دخل مصر زعم أنه اعتنق الإسلام، وحين تحركت قوى في غرب فرنسا ضده أظهر الورع والتقوى وأنه كاثوليكي ورع، ويقول إنه لو حكم روما للبس مسوح الكهان وأخذ بيده مسبحة الكرادلة.
معنى هذا الكلام أن النظام الشمولي الذي أقامه الأسد ببناء غابة قاتلة تسرح فيها الضوراي بدون أسلاك شائكة، كما حدث مع فيلم (جوارسيك بارك) حين انطلقت الأوابد من معاقلها تأكل الناس.
نظام الأسد هو في طريقه حاليا للتفكك، وتدخل الروس مؤشر سلبي على صحة هذا النظام العتي على التغيير والإصلاح، فهو بداية النهاية لنظام كمال باربك الأفغاني في سوريا، ولسوف تتحول سوريا إلى أفغانستان جديدة وينتهي القيصر بوتين كما انتهى قبله برجينيف ومعه الاتحاد السوفيتي. يصف توينبي هذه الظاهرة بكلمة الحمق.
ما يجري الآن في الشرق الأوسط يذكر بالأوبئة حين تنتشر وتحتاج إلى لقاحات سريعة ولكن أين المصحات وأين الأطباء؟ نظام الأسد الآخذ في التفكك الآن كان عنده الاستعداد ومن بعده من نظامه الجهنمي أن يلبسوا أي لبوس، وحين شعروا أن المغفلين من العلويين يمكن دفعهم في هذه المحرقة فلم لا، والمغفلون من كل أمة ونحلة أكثر من دبابير الغابة والنمل الأبيض والأحمر.
وإذا كان الفقهاء والزعماء في غيهم يسبحون فما بال الغوغاء والرعاع. جاء في الإنجيل مثلان الأول: أعمى يقود أعمى فالاثنان يقعان في الحفرة. وفي مثل ثان إذا كان النور الذي فيك ظلاما فكم يكون الظلام؟؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى