الرئيسيةبانوراما

القصة الحقيقية لأبي بكر البغدادي

حقق حلم ابن لادن بإنشاء إمارة إسلامية في قلب بلاد ما بين النهرين

إعداد: سهيلة التاور

البغدادي أمير الدولة الإسلامية، الرجل الذي زعزع العالم بتنظيمه المحكم والدقيق، وذلك بفضل تمتعه بكفاءات دينية، إتقانه لعشر قراءات للقرآن الكريم، ومؤهلاته العسكرية جعلت منه قائدا لا منافس له.

من هو أبو بكر البغدادي؟

يعتبر عبدالله إبراهيم الملقب بأبي بكر البغدادي «الجهادي» الأول في العالم بعد إعلانه عن تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) في 29 يونيو لسنة 2014 التي تمخضت عن تنظيم القاعدة بزعامة أسامة بلادن، مما نتج عن ذلك قيام «دولة الخلافة الإسلامية» في مناطق من سوريا والعراق وتنصيبه «خليفة» للمسلمين.
تألق البغدادي وبدا بارزا في البداية بعد قيام تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق» سنة 2006 إثر انشقاقه عن «القاعدة» التي تزعمها أيمن الظواهري، ثم لم يلبث أن طغى ظله على هذا الأخير، بعد نجاحه في احتلال أجزاء واسعة من العراق وسوريا وربطها ببعضها.
ولد سنة 1971 وهو ذو أصول من منطقة ديالى شرق العراق، وتابع تحصيله العلمي في «الجامعة الإسلامية» في العاصمة العراقية تخصص دراسات قرآنية بعد عدم قبوله في شعبتي القانون واللغات وعلم التربية. ثم حصل البغدادي عام 1999 على الماجستير في تخصصه، وتمحورت أطروحته حول موضوع تلاوات القرآن الكريم، وبعد ذلك حصل على شهادة الدكتوراه.
لا تتوفر معلومات كثيرة عن أبي بكر، حيث نلاحظ وجود صورتين فقط أخذتا عندما تم إلقاء القبض عليه، قبل أشهر قليلة، من طرف القوات الأمريكية سنة 2014، من خلالهما يظهر الجهادي مسالما ولا علاقة له بالإرهاب. وكذا شريط الفيديو الذي صور في يونيو 2014 في المسجد الكبير للموصل، خلال خطبة ظهر فيها البغدادي وهو يحتفل بانتصاره على الجيش العراقي، يشجع قواته، ويعلن تأسيس الخلافة. فكانت الوثيقة التي جالت العالم كله وشوهدت من طرف الجميع والتي ظهر فيها وهو يرتدي ساعة باهظة من نوع رولكس العالمية.

460x287xMontre-Abou-Bakral-Baghdadi.jpg.pagespeed.ic.dYs7XIxgMi

images

محاولة اغتيال

البغدادي لم يسلم من محاولات الاغتيال خاصة بعد أن أعلنت الخارجية الأمريكية في 4 أكتوبر 2011 أنه يعتبر إرهابيا عالميا وخصصت مكافأة قدرها 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى القبض عليه أو وفاته.

في 26 أكتوبر 2006، عزم رئيس مجموعة الصقور، وحدة صغيرة للنخبة في المخابرات العراقية، أن يشن غارة جوية بعد أن علم بفضل واحدة من المؤشرات المحلية التابعة لها مباشرة على معلومات تؤكد اختباء أبو بكر البغدادي في مدرسة ثانوية بالقيم، بلدة كبيرة على الحدود السورية. في ذلك الوقت كان يعرف بأنه شخص بارز في تنظيم القاعدة في العراق وكان طرفا في شبكة القاعدة في بلدة صغيرة بالقرب من الحدود السورية. كانت مهمة البغدادي الأساسية في ذلك الوقت تقتصر على تسهيل وترتيب قدوم النشطاء والراغبين في الانضمام إلى صفوف القاعدة من سوريا والسعودية.فعندما أخبر الجنرال بأنه يطلب من القوات المسلحة الجوية بشن الهجوم فورا، امتنع هذا الأخير وطالب بتفاصيل أدق، ومعرفته الشخص الهدف بالضبط وأن يقرر بنفسه تنفيذ العملية. فتعالت الأصوات مما استلزم تدخل الوزير الأول العراقي شخصيا لإصلاح الخلاف بين الضابطين، بالإضافة إلى ساعة على الأقل لإقلاع الطائرات مما حال دون العثور على جثته بين الذين لقوا حتفهم الدليل على أنه لم يقتل في ذلك الهجوم وأصبح زعيم تنظيم القاعدة في العراق عام 2010، نظرا للتأخر الكبير في التدخل. فالعملية تمت فعلا، غير أن البنايات المستهدفة كانت فارغة. وفي العام نفسه، نظم 60 تفجيرا في يوم واحد في بغداد، ذهب ضحيتها 110 أشخاص وتسبب في فرار الجنرالات العراقيين بواسطة المروحيات عند أول قصف وتركوا وراءهم فرقهم العسكرية ليدبروا أمورهم لوحدهم.

غنائم حرب

هذه العملية الجريئة سمحت له خلال ساعات قليلة أن يسطو على أضخم غنيمة تمثلت في 400 مليون دولار كانت في خزائن بنك في مدينة الموصل و80 مواطنا تركيا الذين استعملوهم في ما بعد كرهائن مقابل مبالغ مالية مهمة بعد مناقشة مع أنقرة. علاوة على هذا، وبدعم من جيشه الذي يضم عددا من الجهاديين الآتين من العالم بأسره، استطاع أن يمتلك بعض المروحيات، مئات الشاحنات، وعربات مدرعة. كما استطاع كذلك أن يضع يده على أسلحة حديثة للغاية منحت مؤخرا من طرف الأمريكيين للقوات العراقية كصواريخ مضادة للدبابات، والآلاف من البنادق، ومعدات للرؤية الليلية والمتفجرات…
يتميز البغدادي بالكتمان. لا يحب أن يتظاهر بمنجزاته، بل العمليات التي يقوم بها هي التي تتحدث عنه، وتوثق تاريخه. فبعد الرقة، عاصمة مقاطعة في سوريا التي يستولي عليها هو ورجاله منذ ربيع 2013، والفلوجة، شرق العراق، التي غزيت في ربيع 2014، فهم يتحكمون من الآن فصاعدا في كل الشمال الشرقي لسوريا وأكثر من ثلث العراق. لقد قام بطرد المسيحيين من أراضيهم في شمال العراق. ويهدد حاليا بغداد ودمشق، حيث رجاله يقتربون من الفوز بهما أسبوعا بعد أسبوع.
لم يبق له الكثير لتحقيق هدفه المتمثل في إلغاء الحدود بين العراق وسوريا، تأسيس جهادستان، التي لم يتمكن أبدا بن لادن من أن يؤسسها في أفغانستان، وإنشاء إمارة إسلامية في قلب بلاد ما بين النهرين. فالجهاديون من العالم بأكمله، من إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، من ليبيا، من تونس، أو مصر، بدؤوا في مبايعة الخليفة ويدعون إلى الانتماء إلى «داعش»، حتى في قطاع غزة، دخل رجاله في التنافس مع حماس.
ففي أقل من عامين، استطاعت المنظمة أن تلعب دور العاشق للمجموعات الجهادية الآتية من مصر، من تونس، وكذا من القوقاز وأسيا الوسطى. كما عدد كبير من الرؤساء العسكريين لـ «داعش» يتمتعون بماض حافل من الصراع مع القوات الروسية والشيشان. وليس هذا فقط، فالمخابرات السرية الغربية تشك في رجوع الشباب الأوربيين الذين ذهبوا للجهاد داخل «داعش»
من جهتها أعلنت الـ « FBI» عن مكافأة قدرها 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى القبض عليه أو وفاته. كما خصصت أقمار اصطناعية مراقبة 24 ساعة على 24 لاعتراض الاتصالات التي يقوم بها موظفوها. كما أن الخدمات البريطانية قامت باسترجاع الأستاذ السابق لواحد من ملازمي البغدادي، تركي البينالي، الذي سجن في واحد من السجون الأردنية، والذي كان ولمدة طويلة عمودا من أعمدة القاعدة في المنطقة، فخصصوا له هاتفا ليظل على اتصال بتلميذه ويطلب العفو عن الرهائن البريطانيين، لكن بدون جدوى.
إلا أن البغدادي لطالما كان حذرا جدا، حيث أنه لا يتنقل كثيرا، ولا يستعمل وسائل التكنولوجيا الحديثة ولا يركب إلا السيارات التي لا تحمل علامات تميزها لإحباط الهجمات التي تشنها الطائرات بدون طيار. وعند تنقله داخل إمبراطورتيه الصغيرة يلبس قناعا لا يسمح بظهور إلا عينيه، مثل الأغلبية من حراسه الشخصيين، يخشى من الخيانة من قبل واحد من عشيرته.

مقارنة بين أمراء الحروب

كل شيء بدأ قبل تقريبا 10 سنوات. في سنة 2004، كان البغدادي أميرا على خلية جهادية صغيرة ذات رصيد ضعيف من العمليات ورئيس الجهاد ضد الأمريكيين الذين غزوا العراق قبل عام كان هو أبو مصعب الزرقاوي الذي لا أحد كان يجرؤ على منافسته على قيادة القاعدة في بلاد ما بين النهرين وكان يضاعف العمليات الجريئة والكمائن ضد القوات الأمريكية. بينما القائد المستقبلي لـ «داعش» كان في السجن بعد أن قبض عليه في عملية أمريكية ضد الإرهاب، حيث ضبط لا يتوفر على أسلحة داخل منزل لشخص كان مستهدفا. القوات المختصة لم تكن لديها أي معلومات عليه ولم يسمعوا به قط، فاضطروا إلى تحويله إلى معسكر بوكا، جنوب العراق، سجن كبير فتح في أعقاب الغزو عام 2003، وهو المكان الذي ترسل إليه الولايات المتحدة الأغلبية من أولئك الذين يريدون أن يجعلوهم تحت جميع أنواع القهرة والتعذيب الممكن، كالجهاديين والمسؤولين القدامى في نظام صدام حسين. فهو شكل مماثل لغوانتانامو في الصحراء التي تأوي الآلاف من المعتقلين. وأصبح شيئا فشيئا عشا للقياد الحاليين لـ «داعش» حيث تمكن البغدادي من نسج شبكة من العلاقات.

إبطال مفعول القاعدة

عند إطلاق سراحه بعد بضعة أشهر من اعتقاله. التحق البغدادي بحركة جهادية منسقة بشكل دقيق، لكنها ضعيفة في الميدان. و3 سنوات بعد غزو العراق، القوات الأمريكية فهمت أن سياستها لإقصاء النخبة السنية ستبوء بالفشل. فقررت إعادة بعض الصلاحيات لرؤساء العشائر السنية المهمشة حتى الآن والتي كانت في كثير من الأحيان تدعم تنظيم القاعدة سرا. هؤلاء القياد السنيين أولا يريدون أن ينعموا بالسلام في المناطق الخاضعة لهم، في الشمال الشرقي للبلاد. وكثيرون كذلك أدركوا أن لديهم مصلحة مادية واضحة للعمل مع الولايات المتحدة، والتي لا تبخل عليهم بكل الوسائل لإغوائهم. كما أن هؤلاء الأخيرين مستعدون تماما وعن طريق القيام بعدة تنازلات لتوقيف النزيف الدموي في البلاد بما فيها التحالفات مع النخبة السنية من أجل تنفيذ العمليات ضد الإرهاب. مما ساهم في التقليل من الأطر المهمة في القاعدة والعمليات التفجيرية كذلك. ففي سنة 2006، الزرقاوي بدوره تم إطلاق النار عليه عن طريق غارة جوية في منطقة ديالى، مسقط رأس البغدادي. وبالتالي باتت القاعدة في حالة مستعصية شيئا فشيئا في بلاد ما بين النهرين، إلى درجة أن بن لادن وذراعه اليمين، أيمن الظواهري، أرسلوا تعزيزات ووسائل مساعدة لاستعادة السيطرة على المنطقة من جديد. أربع سنوات بعد ذلك، التنظيم الجهادي أنشأ دولة إسلامية بالعراق لكن تم تفكيكها وإضمارها مباشرة. وفي سنة 2010، أوقفت القوات العراقية إطارا مهما للتنظيم الجهادي في بغداد، مونف عبد الرحيم الراوي، حيث أن تصريحاته سمحت لأمريكا وللمخابرات العراقية أن تحدد الرسالة التي ترسل في بعض الأحيان إلى منزل يتمركز قرب تكريت، حيث يتردد أتباع الزرقاوي بشكل مستمر، أبو عمر ومساعده وأبو أيوب المصري. وبالتالي استطاعوا تحديد المكان الذي كان عبارة عن منزل متواضع جدا عن طريق جهاز تعقب GPS. لكن، عندما أطلقت القوات الأمريكية هجومها، قام الرجلان بتفجير أحزمة ناسفة. مما خول للبغدادي، في سن الأربعين، أن يكون على رأس التنظيم الجهادي.

معركة الولاء والمنافسة على الزعامة

في سنة 2010، وللحصول على القيادة، قام البغدادي بإظهار كل ما يمتلكه من مهارات وقدرات. نظم 60 محاولة اغتيال وهجوم بشكل موازي وفي نفس اليوم، مما أدى إلى سقوط 100 قتيل. وبفضل هذه الهجمات المفاجئة والمنسقة، بين الأمير الجديد أنه يتوفر على عدد كبير من الأتباع في شمال البلاد وفي العاصمة. وبعد ذلك، في خريف 2010، أمر بالهجوم على كاتدرائية بغداد مما خلف 50 قتيلا. بهذا أبان البغدادي أنه ليس فقط قائدا حربيا، بل مشروعا سياسيا بامتياز. وتمتعه بكفاءات دينية، إتقانه لعشر قراءات للقرآن الكريم، ومؤهلاته العسكرية جعلت منه قائدا لا منافس له.
وفي خريف 2013، بينما «داعش» كانت ماتزال واحدة من بين العديد من المنظمات الجهادية الموجودة على التراب السوري، الظواهري طلب من البغدادي أن يقوم بالولاء لجبهة النصرة التابعة رسميا لتنظيم القاعدة ظانا أن البغدادي سيقتصر على بغداد فقط التي ستكون تحت سيطرته، أما في سوريا فالجهاديين سيكونون تحت إمرة أبو محمد الجولاني، المسؤول المحلي للقاعدة ولجبهة النصرة، إلا أن البغدادي قضى على خلاف ذلك، حيث أن النصرة هي التي يجب أن تخضع لإمرة الدولة الإسلامية. المنافسات بين الجهاديين في الميدان ليست بالغريبة. ولكن عندما كان بن لادن على قيد الحياة لا أحد كان يجرؤ أن يناقشه في مسألة القيادة. ولكن منذ رحيل منظم تفجيرات 11 شتنبر، الصراعات ظهرت من جديد، حيث في العراق وسوريا باتت حامية بشكل أكبر. فالبغدادي يعتبر الوريث الشرعي لأبي مصعب الزرقاوي، رئيس القاعدة في العراق. أعلن أمير على الدولة الإسلامية في العراق مباشرة بعد تدخل أمريكا سنة 2003، الأردني، الذي حارب في أفغانستان، قاد كذلك مجموعته بدون تنسيق مع بن لادن وبدون اتباع تعليماته. قاد كذلك هجوما ضد الشيعيين العراقيين بهدف زعزعة الأمن الداخلي للبلاد. فكانت محاولة جريئة من طرفه واتبع استراتيجية خطيرة جدا. فوفق قادة القاعدة، الجهود يجب أن تتركز ضد الغربيين ويجب تفادي أي صراع أخوي(بين المسلمين).
فبعد بضعة أسابيع عن وفاة بن لادن، أبو بكر البغدادي لم يعط البيعة للظواهري. مما أدى إلى اشتداد الصراع بين القياد الجهاديين للنصرة وللدولة الإسلامية حول من سيقود المدن السورية. ولتحديد الأراضي التابعة لهم، «داعش» تثبت علما أسود مكتوب عليه آية قرآنية، الشيء الذي لم تفعله المجموعات الجهادية الأخرى. مما أظهر الانشقاق الكبير بين الجهتين. في 2014، لإضفاء الطابع الرسمي على هذا الانشقاق، أعلن ناطق رسمي للقاعدة أنهم لا علاقة لهم بالدولة الإسلامية.
في العراق كما في سوريا، بادر البغدادي في تحقيق الانتصارات ضد القيادة القديمة للقاعدة ويوثقها بتولي القيادة عن طريق جيل يتقدم كل الجهاديين والذي أخذ طابعا جهادي عالمي. أما الظواهري أصبح مهمشا ومعزولا تماما ومختبئا في جبال أفغانستان للهروب من الأمريكيين… هذه المنافسة بين «داعش» والقاعدة لا تفسر فقط بالأنا الأعلى أو مسألة الأجيال، بل بالاستراتيجيات غير الراجحة التي تقوم على الصراع بين السنيين والشيعيين، والتي يراها الظواهري كشكل من أشكال الصراع الغير منتج. فهذه الحرب بين الجهتين تعتبر هي مفتاح الخلاف. وسمح للبغدادي من الاستفادة من دعم القبائل الرئيسية السنية. ونفس الشيء بالنسبة لهؤلاء السنيين، فبفضل الدعم الذي يتلقوه من قبل شيعة إيران وقبائلها النخبوية ما يزال بشار الأسد يحكم جزءا من الأراضي السورية وحماية بغداد ما زالت مضمونة. وهذه الحرب سني\شعي المدانة من طرف القاعدة سمحت للبغدادي بتفكيك تنظيم الحكومات السورية والعراقية وتبرير إنشاء خلافته. ومنذ ربيع 2014، الشيخ أبو محمد العدناني، وزير الاتصال للدولة الإسلامية، صرح في تسجيل صوتي بأن الانفصال مع القاعدة شيئ لا مفر منه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى