الرأي

الكذب.. واجب وطني

ننطلق على جناح السلامة. اربط حزام السلامة وقل يا ربي السلامة.. فأنا مسافر زاده الخيال هروبا من الواقع.. ولأنني لم أقشّر شيئا من هذا الواقع الذي لا يرتفع عن سطح البحر، فقد أعطيتك حماري لتحمل عليه همومك رأسا إلى ديوان المظالم، وإذا لم تجد من يستمع إليك فاعلم أنه أذان المغرب. دعنا نتوقف في هذه المحطة للصلاة، وبعد ذلك يمكننا تشكيل لجنة «تُقصّي» الحقائق.. فقد مللنا من أكل النقانق المحشوة بكفتة الحمير. أعضاء اللجنة أنا وأنت والحمار وحمودة الذي أصيب أخيرا بجلطة نفسية حادة.. ومع ذلك يصر على أن يرشّح نفسه الأمارة بكل أنواع السوء كي يصبح رئيسنا المنتخب. لذلك وفّرَ لنا شقة مفروشة على شط بحر الهوى رست مراكبنا. في الشقة نعتكف لـتأليف الأكاذيب ووضع خطط استراتيجية لترويجها وتسويقها في السوق المحلية، حيث سينطلق رسميا موسم الكذب وما يعرفه من رواج وازدهار.. فما عليكم أعزائي أكلة الأمخاخ إلا طبخ أكاذيبكم وتبريدها وتلفيفها في أوراق السلوفان كي تُسيل لُعاب الناخبين.. اكذبوا اكذبوا اكذبوا، وضعوا أحذيتكم أمامكم فستجدوننا إن شاء الله لكم من المصدّقين.
لننطلق بأقصى سرعة حتى لا يفوتنا حمار الديمقراطية. ليس علينا إلا ملء الحقائب بكميات كبيرة من الأكاذيب المكتوب عليها عبارة «صنع في أجمل بلد».. هذه بضاعتنا رُدّت إلينا.. نستهلكها في إطار تشجيعنا للصناعة المحلية.. ومن لم يكذب ويكذب ويكذب فليس منا.. هذا هو القانون.. فتعال نعزف عليه تقاسيم وطن أكلوه كما أكلوا مخي.. وأنا أقصد هنا السّاسة من كهنة الأحزاب الفرحين بما لديهم من أمخاخ في ثلاجاتهم الحزبية الصدئة.. يشحذون أنيابهم لالتهامها.. وهم ساستُنا الذين رفعوا رؤوسنا عاليا أمام الأمم المتقدمة والأمم المتخففة من أثقال التقدم.. وقد حمّروا وجوهنا لأنهم يثبتون لنا في كل عرس انتخابي أنهم ما زالوا محتفظين ببكاراتهم الطبيعية.
نتوقف في هذه المحطة لنأكل طبق المخ.. ونتمرن على كيفية إطلاق «السلوكية» لتنهش أحلام الناخبين.. فأي ناخب يمر أمامنا معرض بقوة القانون إلى العضّ.. وفي أحسن الأحوال نستأصل مخه ونُطعمه لرئيسنا الذي سننتخبه، لأنه سياسي مجتهد.. ملتزم بأداء واجباته السياسية على أحسن ما يُراد.. لا يطرح كثيرَ أسئلة على أساتذته.. والسؤال الوحيد الذي يطرحه بلهفة هو: «متى يفتحون المطعم المدرسي لنأكل البيض والمخ وكفتة الحمير؟».
أحرقنا المراحل.. هل تشم رائحة ما.. هل هي رائحة الشياط المنبعثة من المحرك بسبب السرعة المفرطة، أم رائحة الرؤوس التي يتم «تشويطها» استعدادا لالتهام الأمخاخ خلال موسم الكذب القادم على جناح السلامة والعدالة والتنمية والحمامة والأصالة.. ومع ذلك أخلفنا موعدنا -كما العادة- مع الحمار.. حمار الديمقراطية. وللحمار هذا قصة تستحق أن تُروى. هو حمار قصير جدا لذلك يمتطيه الصغار كلما حل موسم ضرب الرش على الساسة أكلة الأمخاخ.. الساسة الذين يرصّعون خطبهم الرنانة بحرف السين لذلك يقولون دائما سَــ… وسَـــ وسَـ….وستملأ أنت الفراغ بما تراه مناسبا من أكاذيب تدور حول التشغيل والتعليم والتأمين والتقنين.. أما فكرة مقالي فتدور حول نفسها، وحول الشمس الساطعة التي لا يمكن أن تحجبها غيوم الأكاذيب.. أما بقية قصة حمارنا الذي ينهق ولا يركل فسأحكيها لك عندما تفيق من غيبوبتك.
ها أنا أعلنها على رؤوس الأشهاد.. أنا مواطن صالح للاستعمال في موسم الكذب. يداي جاهزتان لضرب الرش. حنجرتي مهيأة للهتاف. بقدرما تُطلق أكاذيبك وتُرخي الحبل لـ«سلوكيتك»-عزيزي آكل المخ- بقدر ما يتعالى هتافي وتصفيقي.. فأرجو استدعائي في حفلات المرق كي أنغمس معكم في شؤون السياسة.. سياسة أكل المخ.. رغم أن المرق يؤذي معدتي ويصيبني بقرحة الضمير.
وليس بالخبز وحده يحيا الإنسان.. فلا بد من السكر والضغط الدموي وصداع الرأس.. والسكوت عن الكذب من علامات الرضا بالقضاء والتعليم والصحة.. وإذا رأيتني يوما أضحك فلا تصدقني، لأنني كاذب في ضحكي وفي بكائي، وإذا رأيتني يوما أضحك فتلك ضحكة الرأس المشوط الذي يتم شيّه على نار يا حبيبي على نار، من أجل تقديم مخي متبّلا ببهارات مسحوق الديمقراطية ومسحوق زجاج الشفافية، مع سلطة الطماطم والفلفل الأحمر اللاذع.. شهيتكم طيبة.. ولا تنسوا أبدا أننا نحبكم لذلك نكذب عليكم، لأن الكذب واجب وطني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى