شوف تشوف

الله يفك الوحايل

في الوقت الذي كانت فيه الطبقة السياسية منشغلة بالشلل الذي أصاب مجلس النواب بسبب نزاع في البيت الداخلي للاتحاد الاشتراكي حول من له الأحقية في ترؤس الفريق النيابي للحزب، اندلع نقاش آخر في العالم الافتراضي للفيسبوك بين نساء سياسيات وصحافيات حول خبر حمل الوزيرة المنتدبة لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون مباركة بوعيدة.
وقد حمى وطيس هذا النقاش عندما وضعت الآنسة «بورارة»، اليد اليمنى لكريم غلاب عندما كان وزيرا للتجهيز والنقل ورئيسا لمقاطعة سباتة وأيضا عندما أصبح رئيسا للبرلمان، تعليقا مسموما انتقدت فيه حدث حمل الوزيرة واعتبرت ذلك عملا غير مسؤول من طرفها.
كما اتهمت الآنسة «بورارة» مدام بوعيدة بانعدام المسؤولية، لأنها إذا كانت تعرف أنها حامل فقد كان عليها رفض الحقيبة الوزارية، أما إذا كان حملها مجرد «حادثة» فقد كان عليها في هذه الحالة أن تستقيل بمجرد علمها بالحمل، لأن دافعي الضرائب لا يؤدون رواتب الوزراء من أجل أن يحملوا ويذهبوا في عطلة لثلاثة أشهر.
قبل أن تنهي تعليقها بالعبارة التالية «وبعد ذلك نحتج بسبب عدم المساواة عندما لا ترشح الأحزاب نساء لتحمل حقائب وزارية».
لحسن الحظ أن جميع النساء لسن متفقات مع الآنسة «بورارة»، التي كانت لها الجرأة على الاعتراف بأنها ليست لها سوابق في مجال الحمل والوضع، ولذلك فقد انهالت عليها الانتقادات من كل صوب وحدب، واحدة قالت لها إنها ستكون سعيدة برؤية وزيرة شابة وشجاعة تجرجر بطنها المنتفخ تماما كما كانت سعيدة برؤية النائبة الإيطالية تحمل رضيعها داخل البرلمان الإيطالي.
سيدة أخرى استنكرت إثارة هذا النقاش في القرن الواحد والعشرين، وطلبت من الجميع انتظار رؤية الوزيرة بعد الوضع وهل سيؤثر ذلك على أدائها لمهامها قبل تهييج دافعي الضرائب والحديث عن الأحزاب التي لا ترشح النساء للوزارات. قبل أن تختم بجملة تقلي فيها السم لبو موسطاش، متسائلة حول السبب وراء تجنب الحديث عن الرجال الذين يأتون للنوم والتثاؤب في البرلمان أثناء الأسئلة الشفوية.
ولأن هذه اللطمة لم تكن لتمر مرور الكرام على حناك بوموسطاش المنتشرين في الفيسبوك فإن أحد هؤلاء أخذته الحمية على جنس الرجال وقال معلقا إن القضية ليست لها علاقة بالقرن الواحد والعشرين أو غيره أو بوزيرة حامل أو بوزير حامل، فهؤلاء الوزراء بنظره لا يقومون بأي شيء طيلة مدة ولايتهم وليس ثلاثة أشهر فقط، إنهم بنظره «كيف كيف»، قبل أن يختمها بضحكة مجلجلة على شكل هاهاهاها التي تكتب في التعليقات.
صحافية أخرى دخلت على الخط معاتبة الآنسة «بورارة» على تحولها إلى متهمة وقاضية في ملف حمل الوزيرة، قبل أن تضيف بغير قليل من المكر إنها بوصفها أما سابقة وتنتظر مولودا جديدا إن شاء الله لا يسعها سوى تهنئة الوزيرة والدعاء لها بقوة التحمل.
لكن كل هذه التبريرات لا يبدو أنها قادرة على إقناع الآنسة بورارة، فهي متشبثة برأيها وتعتقد أنه عندما نحصل على عقد شغل لفترة محددة، سنتين أو ثلاث سنوات، فإن ذلك يعتبر التزاما مع دافعي الضرائب، ولذلك فعلينا أن نضع هذا الالتزام ضمن أولوياتنا، تماما مثلما يجب أن نضع الحمل والولادة ضمن أولوياتنا عندما يكون لدينا مشروع بذلك.
والسؤال الذي يجب أن تجيب عنه مدام الوزيرة، حسب الآنسة بورارة، هو ما هي أولوياتها الآن، علما أن أجندة وزير جدي تكون مضنية وأيضا السنة الأولى من حياة الأم بعد الولادة تكون مضنية كذلك.
البرلمانية فتيحة العيادي، لم تستطع البقاء خارج هذا النقاش، وأدخلت «شريحتها» هي أيضا في الشريط. وقالت إن ما طرحته الآنسة «بورارة» ليس سوى محاكمة رديئة للوزيرة الشابة وأن هذه المحاكمة لن تكون في صالح قضية المرأة في هذه البلاد، وأضافت أنها التقتها قبل أسبوعين على متن طائرة ووجدت أنها تقوم بواجبها المهني على أحسن وجه، وأن حملها واقتراب ساعة وضعها لا يؤثران على حياتها المهنية كوزيرة ولا يمنعانها من حضور الاجتماعات أينما كانت. وضربت البرلمانية العيادي المثال بالرفيقة شرفات أفيلال التي لم يمنعها بطنها المنتفخ من ترؤس جلسة للبرلمانيين «الموسطاشيين» في مجلس النواب.
ويبدو أن المثال الذي يردده المغاربة والذي يقول «اللي تزاد كايتزاد ببراكتو»، صحيح جدا، فقد دخل مولود شرفات أفيلال عليها بحقيبة وزارية. وطبعا ليست كل الولادات مباركة مسعودة، فهناك ولادات ترتبط بحوادث غير سارة تنهال على صاحبها فجأة كما حدث للوزير الكروج الذي أراد أن يحتفل بعقيقة ابنته على حساب أموال دافعي الضرائب، فحصل حمار الشيخ في العقبة بعد ظهور فاتورة الشوكولاتة وتحولت حلاوة العقيقة إلى غصة مرة في حلق الوزير.
لكن الآنسة «بورارة» رغم جهلها بإكراهات الحمل والوضع والرضاعة فإنها تبدو متشبثة بموقفها من الوزيرة الحامل، فهي تريد أن ترى كيف ستجمع مباركة بوعيدة بين مسؤوليتها الوزارية وبين الاعتناء برضيعها وتربيته ورضاعته.
ويبدو أن اليد اليمنى لكريم غلاب، التي كانت تقول لهذا الأخير متى عليه أن يتحدث ومتى عليه أن يسكت، ليست عاتبة على الوزيرة بوعيدة وحدها وإنما على كل الوزيرات في الحكومة، فقد قالت إنهن يتوهجن بغيابهن. قبل أن تعيد التذكير بأن الوزيرة إذا كانت قد خططت لحملها فقد كان عليها أن ترفض الحقيبة الوزارية عندما اقترحوها عليها، وأن أي شخص مسؤول يجب عليه أن يفكر مليا عندما يتعلق الأمر بحادث سيؤدي إلى غيابه مطولا عن العمل. قبل أن تختم بأن الأمر يتعلق بوظيفة عمومية وإنه من الطبيعي أن يثير الموضوع النقاش العمومي.
وهنا تتدخل الصحافية «مولات الدراري» لكي تذكر الآنسة «بورارة»، التي لم تتزوج بعد، بأن هناك فرقا بين الحمل والمرض. وطبعا مثل هذه التعليقات المبطنة لا يمكن أن تمر بردا وسلاما على الذراع اليمنى لكريم غلاب، خصوصا أن الآنسة تدربت طيلة سنوات طويلة في دواوين كبار موظفي الدولة، كمدير الخطوط الجوية بنهيمة الذي عاشت إلى جانبه قصة حمل معقدة عندما اضطرت الشركة إلى تدبر طائرة لتسفير امرأة حامل من إحدى الدول الإفريقية إلى المغرب بسبب «فوس كوش». وقد استطاعت الآنسة «بورارة» حل هذه المشكلة الطارئة بمهارة عالية. ومنها انتقلت إلى ديوان كريم غلاب، الذي بمجرد ما غادر وزارة النقل والتجهيز طلب من الوزير الجديد الرباح أن يحتفظ بالآنسة «بورارة» إلى جانبه فرفض الرباح هذا المقترح، فبقيت إلى جانب غلاب في البرلمان إلى أن غادره وغادرت معه.
ولذلك قالت الآنسة للصحافية «مولات الدراري» إنها ليست غبية لكي يغيب عنها الفرق بين الحمل والمرض، دون أن تنسى تذكير الصحافية بأنها مطالبة باحترام ذكاء الآخرين عند المناقشة، فالوضع لديه، علميا، تداعيات واضحة على صحة الأم، ولو تعلق الأمر بوزيرة أخرى من الوزيرات اللواتي تم إدخالهن إلى الحكومة انسجاما مع مبدأ المساواة العددية لما همها الأمر، لكن عندما يتعلق الأمر بحقيبة مهمة كحقيبة مباركة بوعيدة، السياسية الملتزمة، فإن الأمر يختلف.
خلاصة الأمر أن الوزيرة، بنظر الآنسة «بورارة»، لم يكن عليها أن تحمل إذا كانت تطمع في الحقيبة الوزارية، وإذا كانت تعرف أنها حامل في اليوم الذي طلبوا فيها الانضمام إلى الفريق الحكومي فقد كان لزاما عليها أن تعتذر، وإذا لم تكن تعلم واكتشفت ذلك في منصف ولايتها الحكومية فقد كان عليها أن تقدم استقالتها.
رغم أنني أعتقد أن الوزيرة مباركة بوعيدة من حقها أن تحمل وأن تحمل بالإضافة إلى حملها الحقيبة الوزارية، إلا أن الآخرين، وخصوصا الأخريات، من حقهن أن يثرن هذا الموضوع للنقاش العمومي، لأن الأمر يتعلق بمبدأ المناصفة.
على الأقل النساء في مراكز المسؤولية لسن مرتشيات بالقدر الذي عليه بعض الرجال، ويتمتعن بحس المسؤولية ولديهن رغبة دفينة في النجاح وتحقيق ذواتهن. الرجال في السياسة ميالون إلى الكذب والنفاق والانتهازية، عندما يصبح أحدهم وزيرا أول شيء يقوم به هو تغيير رقم هاتفه، دون أن ينسى طبعا تغيير زوجته.
وإلى حدود اليوم لم نسمع أن امرأة بمجرد ما وصلت إلى الوزارة طلقت زوجها، وإذا أردنا أن نحصي كم من رجل مغربي بمجرد ما تسلم حقيبته «سمح» في زوجته فسنحتاج إلى عمود كامل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى