اقتصادخاص

المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي يقدم حصيلة آخر سنة في حكومة بنكيران

قدم المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، مساء الخميس الماضي، بمقره في الرباط، خلال عقده الدورة العادية التاسعة والخمسين لجمعيته العامة، صورة قاتمة، مشروع تقريرين حول موضوع متطلبات الجهوية المتقدمة، وتحديات إدماج السياسات القطاعية، والظرفية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وهما التقريران اللذان سيخرجان إلى حيز الوجود قبل أن تنهي الحكومة الحالية ولايتها، ما يجعل كثيرين سيعتبرانهما تقريرين مفصلين عن عملها وحصيلتها التي قدمتها قبل وضعها المفاتيح استعدادا للانتخابات التشريعية المقبلة.
يضطلع المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بمهام استشارية لدى الحكومة ومجلسي النواب والمستشارين. ويعهد إليه على الخصوص الإدلاء برأيه في التوجهات العامة للاقتصاد الوطني، والتنمية المستدامة وفي جميع القضايا الأخرى ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي والبيئي المتعلقة بالجهوية المتقدمة؛ من خلال تحليل الظرفية وتتبع السياسات الاقتصادية والاجتماعية الوطنية والجهوية والدولية وانعكاساتها؛ وتقديم اقتراحات في مختلف الميادين المرتبطة بالأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية؛ مع تيسير ودعم التشاور والتعاون بين الفرقاء الاقتصاديين والاجتماعيين، والمساهمة في بلورة ميثاق اجتماعي؛ إنجاز الدراسات والأبحاث في الميادين المرتبطة بممارسة صلاحياته، وهو ما تبين من خلال مضمون مداخلات أعضائه. ويزكي النقاش الذي دار بينهم في الجلسة المذكورة، والتي كشفت جزءا كبيرا من التقريرين، وكواليس إعدادهما، وهي المرحلة التي تسبق تقديمهما نهائيا، وتهدف تجويدهما وإعداد صيغتهما النهائية.
«الأخبار» حصلت على مشروعي التقريرين، وحضرت مخاض جلسة إعداد صيغتهما النهائية، وأعدت هذا الخاص حول تحديات إدماج السياسات القطاعية، والظرفية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية الحالية.
وتضمن جدول أعمال الدورة العادية التاسعة والخمسين للجمعية العامة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، نقطتين أساسيتين هما تقديم ومناقشة مشروع تقرير حول موضوع متطلبات الجهوية المتقدمة وتحديات إدماج السياسات القطاعية؛ وتقديم ومناقشة مشروع التقرير حول الظرفية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.

ظرفية اقتصادية متوسطة واجتماعية قاتمة
ولمعرفة تطور الاقتصاد العالمي خلال سنة 2015، اعتمد المجلس تقرير «آفاق الاقتصاد العالمي»، الذي يصدره صندوق النقد الدولي، عن أهم توقعات الاقتصاد العالمي، وأهم الاقتصادات المتقدمة، والاقتصادات الصاعدة، برسم سنتيْ 2015 و2016، وتبين له أن النمو العالمي شهد انخفاضا سنة 2015 مقارنة مع سنة 2014، وذلك بسبب التباَطؤ الذي عرفته البلدان الصاعدة، رَغْم الانتعاش الذي سجلتْه الاقتصادات المتقدمة، مسجلا بخصوص الاقتصاد الوطني برسْم سنة 2015، تطورا من خلال بلوغ معدل نمو بلغ 5 في المائة بالنسْبة إلى الناتج الداخلي الخام سنة 2015، مقابل نسبة 2.4 في المائة سنة 2014، و4.7 في المائة سنة 2013. ويرجع هذا النمو الإيجابي الذي عرفته سنة 2015، إلى الموْسم الفلاحي الجيد الذي عرفته البلاد، مستنتجا أن نسبة النشاط تراجعتْ خلال السنة الماضية، لتصلَ إلى47.9 في المائة في الفصل الثالث من السنة، وأن نسبة معدل البطالة
واصلت ارتفاعها لتبْلغ 10.1 في المائة في الفصل الثالث من سنة 2015، إذ إنها تنتشر في المناطق الحضرية على وجْه الخصوص، وتمس أكثر الحاصِلين على الشهادات والشباب البالغ أقل منْ 25 سنة، من خلال بلوغها نسبة 39.3 في المائة خلال الأسْدس الثالث! وهو ما يعني، بحسب مشروع التقرير، وصولها وضْعية خطيرة.
وعلى صعيدٍ آخر، فإن طبْعة 2015 منْ تقرير «ممارسة أنشطة الأعمال»، كشف من خلال مشروع التقرير، الذي (حصلت «الأخبار» عل نسخة منه)، أن المغرب يصنف في المرتبة 71 منْ أصْلِ 189 بلدا، وفي المرتبة7  منْ أصْل20  دولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وَبحسب التقرير الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي برسم 2015- 2016، والمتعلق بالتنافسية العالمية، فإن المغربَ يحتل المرتبة 72 من أصْلِ140  دَوْلة في مجالِ التنافسية الإجمالية، محافظا بذلك على الموْقع الذي كانَ يحتله عند صدور التقرير السابق. وهذه المحافظة على الموقع نفسه اعتبرها المجلس في حقيقة الأمْرِ نتيجة تراجعٍ حاصِلٍ على مستوى النجاعة والابتكار، يقابله تحسن على مسْتوى الاسْتقرار الماكرو- اقتصادي والحرية الاقتصادية.
وكشف مشروع التقرير أن المغرب يتقدم بصفة عامة، ببْطء شديدٍ على مستوى التنْمية البشرية، بينما يحقق تقدما جيدا إلى حد ما على صعيدِ تغطية مَخاطر المَرَض، موضحا أنه انطلقت إصْلاحات مثيرة للجَدَل تتعلق بـ«أنظمة تغْطية التقاعد»، غيْر أنه أكد
أن المجالات المتعلقة بالتعليم وَوَضْعية المرأة والمسَاواة والمناصَفَة  «لم تحققْ، بالمقابل، تقدما ملموسا».
وإذا كانَ المجلس الأعلى للترْبية والتكوين قد أعلنَ عن اعتمادِ استراتيجية جديدة واعِدَة لإصلاح منظومة التعليم، فإن التقرير أورد أن «تنفيذ هذه الاستراتيجية لم ينطلق في 2015». وفي ما يخص المسَاواة والمناصَفَة بيْن الجنْسين، فإن المجلسِ الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أورد أن هناكَ مشروعا حكوميا بشأن القانون المتعلق بهيئة المناصفة ومكافحة كافة أشكالِ التمييز غيْر طَموحٍ عرِضَ عليه، نهاية السنة الماضية من أجْل إبداء الرأي. كما عرِضَ عليه، خلال الفترة نفْسِها من أجل إبداء الرأي، مشْروع القانون المتعلق بالمجلس الاستشاري للأسرة والطفولة.
وبحسب التقرير الاقتصادي والمالي برسْم سنة 2016، والذي أعدته وزارة الاقتصاد والمالية، فإن التقرير أوضح أن نسبة التمدْرس على مسْتوَى التعليم الابتدائي، بلغتْ 99.1 في المائة، في 2014، وتدل هذه الأرقام بحسبه، على أن تعميمَ التعليم الابتدائي قد تحقق عمليا، وعلى أن الجهودَ الرامية إلى تمدْرس الفتيات القرويات كانت هامة للغاية، بحيث إن تمدرسهن كانَ أكثرَ من تمَدْرس الذكور في الوَسَط القروي. وهي نتيجة هامة على وجْه العموم، غير أن هذه الوضعية، وفق المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، نسبية، «إذا أخذنا في الاعتبار مختلف أشْكال الهدْر المدرسي الذي مازال مرتفعا، خصوصا أن عَدَدَ الأطفال الذين يغادرون المدرسة الابتدائية قبل نهاية هذه السلْك هو عدد مخيف، ناهيكَ عنْ جودة التعليم التي لنْ تؤخذَ في الاعتبار إلا في الأهداف الجديدة للأمم المتحدة».
وفي المجال الصحي، تبين أن «عددَ الممرضين لم يعرف تطورا ملحوظا، بمعدل سنوي لم يتجاوز 1 في المائة خلال هذه الفترة، إذ إن التأطير الطبي الموازي لم يتطور بما فيه الكفاية، وانتقل من  1105 نسمة للممرض الواحد سنة 2001  إلى 1095 سنة 2013. أما بخصوص تغطية التقاعد، فقد أصْدر المجلس كذلك رأيه فيها سنة 2015. وتميز هذا الرأي بـ«التوازن»، آخِذا بعين الاعتبار المقترحات التي قدمتها المركزيات النقابية. لكنْ يبدو أن مشروع الإصلاح الذي اعتمدتْه الحكومة، يشير تقرير المجلس، «قد تجاهل هذه المقترحات التي تسير، على كل حال، في اتجاه مقترحات المجلس الأعلى للحساباتِ، ولم ينشغل إلا بالإصلاح التقني للصندوق المغربي للتقاعد».
اضطرابات بيئية
أما في ما يتعلق بالوضعية البيئية في 2015، فإن مشروع التقرير تحدث عن أهم الأحداث البارزة  في هذا المجال خلال سنة 2015، منها المشاركة في القمة العالمية حول المناخ في باريس «كوب 21 »،  تدشين محطة «نور 1»، قبل أن يشير إلى أنه علاوة على ذلك، «فإن الدينامية الاقتصادية التي تشهدها مختلف القطاعات الفلاحية والصناعية والسياحية، تخْلق ضغْطا واضْطِرابا بيئيا، فضْلا عن تهديدِ التغيرات المناخية وآثارها على الإنتاج الفلاحي، وتدهور التنوع البيولوجي، وتسارع ظواهر الإفراط، ولا سيما تلك التي تؤدي إلى الإجهاد المائي، مسجلا «قصورا على مستوى تعميمِ البنيات التحتية البيئية على الصعيد الوطني»، ما جعله يؤكد أنه أمام هذه المعاينات، تظل هناك تحديات تتطلب تسْريع وتيرة البرامج الاستعجالية المتعلقة بالتأهيل البيئي، مثل البرنامج الوطني لتدبير النفايات المنزلية، والنفايات الصلبة الخطيرة،
والإسْراع في تنفيذ استراتيجية التنمية المستدامة من خلال تجسيدها في سياسات واستراتيجيات ومخططات قطاعية، والتجسيد الفعلي لإرادة إنجاح الانتقال نحو اقتصادٍ أخضر/ أزرق، وخاصة من خلال بذل جهود لتوفير التمويل اللازم على الصعيدين الوطني والدولي على وجه الخصوص.

تخوفات تنزيل الجهوية
وفضلا عن ذلك، انتبه المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، من خلال مشروع تقريره الثاني، إلى مستوى آخر يطرح مَرْحلة تنفيذ الجهوية المتقدمة، ولا سيما ما يتصل بنقل واقتسام الاختصاصات، والذي أبرز أنه يتميز بإشكالياتٍ حقيقية تتعلق بمَنْ ينبغي أنْ يتخذ القرارات التي تخصها، وفي أي مسْتوى يجب أنْ تتخذ؟ وهلْ ينبغي إعَادة تنظيم الإدارة العامة للجماعات الترابية للاستجابة لمستلزمات الجهوية؟ أمْ يجب إحداث هيئة جديدة خاصة بالجهات يكون دوْرها هو الإشراف والتوجيه والتحكيم واتخاذ القرارات ذات الطابع الاستراتيجي، مثل نقل الاختصاصات والموارد، خصوصا أنه أكد أن التجربة الأولى للجهوية المتقدمة تنطوي على مصاعب خاصة، أوضح أنها قد تشكل عائقا يحول دون تنفيذها التنفيذ الصحيح، ودون تحقيق ما ينتظره المواطنات والمواطنون، الذين يستهدفهم الالتزام بهذا المستوى المتقدم لللامركزية. لذلك أكد أنه يبدو أنه من الأمور ذات الأولوية اسْتكمال الآليات القانونية، وإحداث هيئات لإدارة وتدبير المشاريع الخاصة بالجهة. وبالتالي، فقد خلص إلى أن النصوص التنظيمية للقانون التنظيمي ينبغي أنْ تعد خلال 30 شهرا الأولى من الدورة البرلمانية الحالية. وفي غضون 12 شهرا، يجب على جميع الجهات إعداد مخطط خاص للتنمية الجهوية، واستكمال وضع وكالاتها التي تتولى إدارة وتنفيذ المشاريع، مبرزا، من خلال مشروع التقرير المفصل، تحديات عدة قسمها إلى تحدي اللاتركيز وتحدي الإمكانات البشرية والتحدي المتعلق بالتمويل.
ومن أجل تحقيق ذلك، أوضح المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أنه يمكنه أن  يعمل على إعادة توجيه مهمة مقاربته للجهوية، ويبادر إلى عقْد اجتماعاته في الجهات لتحقيق وضمان عملية القرب، موضحا أنه «بإمكانِ مجلسنا أنْ يشتغل سنويا على تحليلِ مجموعة منَ الجهاتِ التي يتعين تحديد مؤشرات اختيارها، أو يشتغل على موضوع يحظى بالأولوية بالنسبة لجميع الجهات الاثنتي عشرة.
وعلى الرغم من أن  الجهات الـ 12 لا تتمتع بالمؤهلات الطبيعية والتاريخية والبشرية نفسها، فإن مشروع تقرير المجلس خلص إلى أنه من حق جميع الجهات أن يكون لها مستوى معين في مجال التنْمية يضمن حياة كريمة لجميع المواطنين، وإشعاعٌ مجالي يشجع على جاذبية الموارد البشرية المؤهلة والمبتكرة، والاستثمار الوطني والدولي، والسياح والطلبة، مقترحا القيام بعمليات تصحيحية وتأهيلية في هذه المرحلة من مراحل تحْقيق الجهوية المتقدمة، حتى تصل إلى المعدلات الوطنية من المؤشرات الاقتصادية والمالية والبيئية والاجتماعية.
وأبدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي تخوفه من عدم التنزيل السليم لمشروع الجهوية المتقدمة بالمغرب، وذلك لكون السنة الحالية تتسم بتنظيم انتخابات تشريعية، وأوصى في هذا الصدد بإحداث هيأة وطنية لمواكبة التنزيل ومكلفة بالقيادة الاستراتيجية. وتداول أعضاؤه في مشروع أول تقرير حول موضوع متطلبات الجهوية المتقدمة وتحديات إدماج السياسات القطاعية، وتقرر تأجيله المصادقة عليه إلى الاجتماع المقبل، بعدما أشارت لجنة الجهوية المتقدمة والتنمية القروية والترابية بالمجلس، إلى أن من بين تخوفاتها، استمرار تدبير الجهة بسيادة نفس المنطق والتدبير المحلي، وعدم الارتقاء بها إلى دورها الاستراتيجي مكملة لدور الدولة بمشاريع وبرامج كبرى، معتبرة أن اختيار الجهوية هو إعادة النظر في كل آليات التدبير والحكامة على الصعيد الوطني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى