شوف تشوف

“المقاطعة” ما لها وما عليها 3.2

 

 

 

 

ليس هناك قانونيا ما يجبر شركات المياه المعدنية على تخفيض أسعارها، فنحن نعيش في بلد اعتمد بقرار حكومي تحرير الأسعار، لذلك تبقى المقاطعة الشعبية هي السلاح الوحيد لإجبار منتوج على تخفيض سعره ورفع جودته، لكن هذه الدعوة إلى المقاطعة لا يجب أن تكون تمييزية بحيث تستهدف منتجا محددا دون غيره، إلا إذا كان المستهدف الحقيقي هو صاحب المنتوج، أي مريم بنصالح صاحبة مجموعة هولماركوم، وطريقة استفادة شركتها من رخصة استخراج المياه المعدنية، وهذه حكاية أخرى، وفِي هذه الحالة يجب أن يتحلى المبادرون لحملة المقاطعة بالشجاعة الأدبية والسياسية لطرح هذا الموضوع وعدم الاختباء وراء الشعارات.

هذا بالنسبة للحليب والماء المعدني، فماذا عن المحروقات ؟

تركز حملة المقاطعة على محطات وقود أفريقيا دون غيرها من محطات التزود، وهي الحملة التي تنطلق دائما كلما شعر حزب العدالة والتنمية الذي يقود الأغلبية الحكومية بمنافسه حزب التجمع الوطني للأحرار يقترب من اقتحام معاقله الحزبية.

قبل سنة تابعنا الحملة نفسها ضد محطات أفريقيا عندما كان البلوكاج الحكومي على أشده، ومباشرة بعد إعفاء بنكيران وتشكيل العثماني لحكومته خمدت الحملة، واليوم مع إعلان حزب الاستقلال سحبه لمساندته “النقدية” للحكومة واصطفافه في المعارضة واعتبار هذا الموقف من طرف صقور الحزب الحاكم عملية انقلاب على العثماني لتعبيد الطريق الحكومي أمام عزيز أخنوش وحزبه، انطلقت الحملة مجددا، لكن هذه المرة كان أصحابها أكثر ذكاء بحيث لم يستهدفوا محطات أفريقيا لوحدها بل تم “تدريح” الحملة بمنتجات أخرى لتشتيت الانتباه، لكن الجميع يعرف أن المستهدف الحقيقي من الحملة هو عزيز أخنوش وليس شخصا آخر، فالهدف الحقيقي هو تصويره كرجل أعمال جشع يستغل منصبه الحكومي للاغتناء، ويجب ربط ذلك بالهجمة الأخيرة لعبد الإله بنكيران عندما قال مخاطبا أخنوش محذرا إياه من خطورة زواج المال والسلطة على الدولة “إذا أراد أخنوش يربح الانتخابات المقبلة، ما عندي حتى مانع، لكن يقولينا شكون هيا الشوافة اللي قالت له بللي غتربح”.

وتساءل “من عند من أخذ أخنوش الضمانة ومن قالها له؟ وإذا أعطيت له الضمانة من عند جهة ما أو أراد أن يكرر التجربة البائسة الفاشلة للحزب المعلوم، خدم وخلي خدمتك تبينك.. ما تخلعناش من دابا لأننا لا نخاف”.

وليس بنكيران وحده من أطلق النفير العام داخل جناحه في الحزب لمهاجمة أخنوش، بل حتى إلياس العماري الأمين العام مع وقف التنفيذ لحزب الأصالة والمعاصرة فعل ذلك عندما قال في مراكش متهكما من أخنوش “اللي عندو بومبة دليصانص يجي يدير حزب”.

وطبعا فإلياس العماري عندما لم يستطع أن يصل إلى القديد أصبح يقول عنه خانز. وعندما أصيب بالجبن وعجز عن مواجهة صانعيه الذين تخلوا عنه أصبح يبحث عن ضحايا يقصفهم بتصريحاته المهددة.

وكلا الرجلين، بنكيران والعماري، لديهما الشعور بالمرارة نفسها، وهما معا يعتبران قدوم أخنوش لحزب الأحرار سببا مباشرا في ما يحدث لهما من نكبات، ولذلك أصبح العماري يردد ما يقوله بنكيران ضد أخنوش بشكل ببغاوي بعدما تم استدعاء الفرقة الوطنية لأخيه عمدة طنجة السابق للبحث معه حول صفقات مريبة، وأيضا خصوصا بعدما تم اعتقال لسان حال بنكيران بتهم جنسية ثقيلة ومتابعة ذراعه الحزبي والبرلماني حامي الدين في ملف مقتل الطالب آيت الجيد.

لذلك يجب وضع الدعوة إلى مقاطعة محطات أفريقيا للتزود بالوقود في سياقه السياسي العام لفهم دواعي وأهداف الحملة، حتى يكون المقاطعون من العامة على علم بخبايا الأمور وحتى لا ينجرفوا في حملة لا يعلمون دواعيها وسياقاتها.

وقبل كل شيء فالذين ينتقدون ارتفاع أسعار المحروقات لديهم كامل الحق في ذلك، لكن، للحقيقة والتاريخ، عليهم أن يعرفوا من تسبب لهم في هذه الزيادات.

لمعرفة ذلك تجب العودة إلى سنة 2015 عندما أصدرت حكومة بنكيران قرارا رسميا يقضي بتحرير أسعار المحروقات والمواد الطاقية بالمغرب، وذلك عقب توقيعها على “اتفاق تحرير أسعار المنتجات البترولية” مع 15 شركة ناشطة في مجال استيراد وتوزيع وتسويق المنتوجات الطاقية بالمغرب.

هكذا تكون الحكومة التي صعدت إلى منصة الحكم على أكتاف الشعب قد ألغت الدعم بشكل كامل عن المنتوجات النفطية بالمغرب وتركت أسعارها خاضعة لتحولات السعر الدولي للبترول.

وقد عبر اقتصاديون وسياسيون آنذاك عن تخوفهم من تقلبات أسعار المحروقات المرشحة في أي لحظة للارتفاع، الأمر الذي سيدفع ثمنه المستهلك المغربي.

وهذا ما حدث بالضبط، فأسعار المحروقات منذ تحررت وهي في ارتفاع، ليس عند محطات أفريقيا فحسب بل في كل المحطات.

لذلك يجب ألا يكون هناك خلط لدى الرأي العام بين المقاطعة كسلاح شعبي لتكسير الهيمنة على السوق والاحتكار الذي يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، وبين المقاطعة كأداة لمهاجمة خصوم سياسيين والتأثير على الناخبين لكسب الأصوات.

ولعل المثير في هذه الحملة هو تركيزها على شركة وطنية مائة بالمائة في سوق يعج بالشركات الأجنبية ذات السمعة العالمية المرتبطة بحروب مدمرة أتت على استقرار دول بحالها، كما هو الشأن بالنسبة لشركة طوطال التي فازت بصفقة المليار لتزويد البرلمانيين بالوقود، وهي الخدمة التي كانت توفرها شركة أفريقيا.

فهل يتخيل المغربي العادي أن يقرأ ذات يوم في جريدة لوموند أن شركة مغربية فازت بصفقة تزويد أعضاء البرلمان الفرنسي بالوقود ؟

سيكون هذا الخبر بمثابة فضيحة في فرنسا، لكن بما أننا في المغرب نقدس الأجنبي، يستوي في ذلك متهمونا ومسؤولونا، فإن خبر فوز شركة فرنسية بصفقة مكان شركة مغربية خبر يدعو إلى الابتهاج.

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى