شوف تشوف

شوف تشوف

«المقاطعة» ما لها وما عليها 3.3

 

 

لقد كنّا سنفهم لو أن دعوة المقاطعة شنت ضد محطات شركة طوطال التي تورطت في الحرب على ليبيا وتقطيع أوصالها للسطو على آبار نفطها، لكن يبدو أن هذه الشركة التي تعيش في فرنسا ضائقة مالية بسبب نظام الأثمان هناك، فيما فرعها في المغرب يراكم الأرباح بسبب توريد المغرب بمادة المحروقات من الأسواق الدولية، مستفيدة من الهوامش الواسعة بين أثمان الاستيراد وثمن البيع في المغرب، تعيش الرخاء الاقتصادي عندنا إلى درجة أنها توجد على رأس شركات المحروقات الأكثر تحقيقا للأرباح.

وطبعا فهذا ليس غريبا على شركة وجهت لها تهمة الفساد في فضيحة «النفط مقابل الغذاء» في العراق.

لكن، ورغم كل فضائح إمبراطورية طوطال، لم نسمع في أية مناسبة عن دعوة لمقاطعة منتجات هذه الشركة العابرة للقارات، التي نجد رائحتها في كل انقلابات بلدان إفريقيا وفِي كل الفضائح المالية العالمية الكبرى.

مشكلة العرب والمسلمين بشكل عام، والمغاربة بشكل خاص، هي أنهم لا يحسنون استعمال سلاح المقاطعة، ومؤخرا قابل مليار ونصف مليار مسلم قرار ترامب نقل سفارة بلاده إلى القدس بموجة من الخطابات العنترية المهددة بخوض المسيرات المليونية التي لا تقدم ولا تؤخر، ونصب خيام العزاء لتلاوة القصائد التي تهجو أمريكا، وإلقاء الخطب العصماء قبل الذهاب للنوم بانتظار معركة كلامية جديدة.

وخلال هذا الوقت ينسى العرب والمسلمون أن بيدهم سلاحا جبارا يستطيعون به إخضاع أمريكا وتمريغ أنفها في التراب وإجبارها على سحب قرارها وكل القرارات التي لا تحترم استقلالهم وكرامتهم.

هذا السلاح هو سلاح المقاطعة، ولو قاطعت الشعوب العربية المنتجات الأمريكية لشهر واحد لتسببت للاقتصاد الأمريكي في الإفلاس.

لكن هذه الشعوب تفضل العنتريات الفارغة والخطب الرنانة على الخطوات العملية والواقعية.

وهنا في المغرب لم نسمع أن هؤلاء «الإخوان» الذين يدعون اليوم لمقاطعة الحليب والماء ومحطة وقود، تجشموا عناء الدعوة لمقاطعة المنتجات الأمريكية والفرنسية والبريطانية ردا على عدوان هذه الدول الثلاثي على سوريا تحت ذريعة حماية أطفالها من الغازات الكيماوية، والحال أن الجميع يعرف أن هدفهم هو الدفاع عن نصيبهم من كعكة الغاز السوري بعد تصفية بشار، تماما مثلما صنعوا مع كعكة الغاز الليبي بعد تصفية القذافي.

لم نسمع أحدهم يدعو لمقاطعة كوكا كولا بسبب تورط منتجاتها من الصودا في الإصابة بالسكري والسمنة وأمراض تشمع الكبد. لم نسمع أحدهم يدعو لمقاطعة مطاعم ماكدونالدز بسبب كل الاتهامات الموجهة لأطعمته أو مقاهي سطارباكز بسبب الحادث العنصري الذي تسبب مؤخرا في دعوة عارمة لمقاطعة محلاته.

ونحن على بعد أيام من رمضان لم نسمع أحدا من هؤلاء «الإخوان» المتحمسين لمقاطعة منتجات مغربية، يدعو لحملة مقاطعة لتمور إسرائيل التي تتسلل إلى الأسواق المغربية تحت أسماء شركات عربية وتنافس المنتوج المحلي متسببة بخسارة كبرى لشركات التمور المغربية.

لذلك، فعندما سنسمع عن حملات مقاطعة مبنية على أسباب مبدئية غير سياسية، سنقتنع أن الأمر جدي وسنكون في الصفوف الأولى لداعمي هذه الحركات، لكن عندما تكون هذه الحملات سياسية موجهة لضرب مصالح أفراد بناء على اختياراتهم السياسية والحزبية أو لمجرد الإضرار بمصالحهم خدمة لمصالح أخرى، فسنكون أول من يكشف عن ذلك للرأي العام، لأن تنوير الرأي العام من صميم واجبنا المهني.

وعوض الدعوة للمقاطعة، كان على الواقفين خلف هذه الحملة المطالبة بتقوية مؤسسات الرقابة المكلفة بضبط المنافسة وجودة المنتوجات وملاءمتها لمعايير الصحة العامة. فالمغاربة أصبحوا لقمة سهلة للغشاشين الذين يلعبون بصحتهم وصحة أبنائهم ويتسببون لهم في الأمراض المزمنة التي تنهك جيوبهم أدويتها الباهظة.

وعلى رأس المؤسسات التي يجب على هؤلاء «الإخوان» الضغط من أجل تسريع تعيين رئيس لها، نجد مجلس المنافسة الذي يلعب دور الدركي في حماية المنافسة غير المشروعة، وبالتالي حماية المستهلك والاقتصاد الوطني. فالمجلس يوجد في وضعية جمود في ظل تأخر تعيين أعضائه واستكمال الترسانة القانونية المنظمة لأشغاله، حيث مازال المجلس معطلا وغير قادر على ممارسة صلاحياته الدستورية، بعد انتهاء ولاية أعضائه منذ ثلاث سنوات، وفي ظل تأخر الحكومة في إخراج المراسيم التطبيقية المتعلقة بالمجلس، ما يعيق عمله، رغم أن الدستور الجديد منحه صلاحيات ستجعله يتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلالية المالية وبسلطة تقريرية في ميدان محاربة الممارسات المنافية لقواعد المنافسة، ومراقبة أي ممارسات تتنافى مع المنافسة الحرة، ومراقبة كل عملية تركيز تتجاوز عتبة معينة من رقم المعاملات أو من الحصص السوقية.

وإلى جانب المطالبة بتقوية دور مجلس المنافسة، يجب أيضا المطالبة بمنح مؤسسة المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، الذي يتحمل مسؤولية مراقبة مدى احترام المنتجات الغذائية لشروط السلامة الصحية، موارد بشرية وتقنية عالية لأداء مهمته على أحسن وجه، خصوصا في ظل تنامي حوادث التسمم بحوالي 16 بالمائة كل سنة في المغرب.

لقد طالعنا جميعا تحقيق مجلة «تيل كيل» الذي أثبت مخبريا أن ماركات الشاي التي يستهلكها المغاربة ملوثة بمواد كيماوية لها علاقة مباشرة بالإصابة بأمراض خطيرة ومزمنة، ومع ذلك لم يبادر أي من الداعين اليوم لحملة حليب سانطرا وماء سيدي علي ومحطة أفريقيا إلى مقاطعة ماركات الشاي المتهمة بالتلوث الكيماوي.

وكما أنه لا حدود لعفوية المغاربة وتصديقهم لكل من يدعي الدفاع عنهم، فإنه أيضا لا حدود لسخريتهم السوداء، فبالموازاة مع حملة «خليه يروب» الخاصة بحليب سانطرا، تفتقت عبقرية البعض لإطلاق حملة ضد الرقية الشرعية لطرد الجن، والتي أصبحت مراكز «شيوخها» في الأحياء أكثر من مراكز «بيم»، واضعين لهذه الحملة شعار «خليه يسكن».

ساخر آخر أعطى انطلاقة حملة أخرى لمقاطعة السردين ووضع لها شعار «خليه يعوم»، وإذا استمرت وتيرة إطلاق حملات المقاطعة بهذا الشكل سينتهي أصحاب هذه الصفحات الفيسبوكية إلى الدعوة لمقاطعة جميع المواد الغذائية ودعوة المغاربة إلى الامتناع عن الأكل والشرب حتى إشعار آخر.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى