شوف تشوف

انتخابات 4 شتنبر في عشر نقط (2/2)

سادسا، إن أهم نقطة سجلها المغرب بتنظيم هذه الانتخابات هي مشاركة ساكنة الصحراء بنسبة كبرى في الاقتراع، والرسالة التي يرسلها المغرب للمنتظم الدولي، وخصوصا الذين يتهمون المغرب باحتلال الصحراء، هي أن من تتهمونهم بالعيش في الأسر شاركوا في انتخابات تنظمها وزارتان توجدان في الرباط وليس الأمم المتحدة.
وهؤلاء السكان صوتوا على ممثليهم في المجالس والجهات، فمن صوت على أولئك الذين يدعون تمثيل ساكنة تندوف وأي صندوق أفرزهم ؟
سابعا، توجه حزب الأصالة والمعاصرة نحو البوادي والأرياف، ومغادرته المدن، يمكن أن نعثر على تفسيره في الخطاب الملكي الأخير الذي تحدث عن حرمان نصف ساكنة المغرب الذين يوجدون في القرى والدواوير من التنمية واقتسام ثروات البلد.
لا بد أن نتذكر بهذا الخصوص أن الملك قال بأن المطلوب من أجل إخراج هذه المناطق من العزلة غلاف مالي قدره 50 مليار درهم، وقد تساءل كثيرون عن المصدر الذي يمكن أن تأتي منه هذه الأموال.
أياما قليلة قبل موعد الانتخابات تلقى رئيس الحكومة رسالة توجيهية من أجل تخصيصه لعشرين مليار درهم التي وفرها من أموال صندوق المقاصة لوضعها في حساب المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في القانون المالي الخاص بسنة 2016.
بنكيران كان يخطط لضخ هذا المبلغ في ميزانية التجهيز من أجل أن يجني ثمار ذلك في حملته الانتخابية التشريعية لسنة 2016، لكن الرسالة التوجيهية التي وصلته وضعت في اعتبارها العالم القروي بالأساس، وهو عالم أوضحت نتائج الانتخابات الأخيرة أن الحزب الحاكم لا سلطة له عليه.
وإذا كانت للأحزاب حساباتها فللدولة حسابها أيضا. فما يهدد الاستقرار في المغرب ليس هو الربيع أو الخريف العربي أو أي فصل آخر، بل ما يهدد الاستقرار هو الفقر تحديدا. وقد كان مقال الفورين بوليسي الأمريكية واضحا بهذا الخصوص عندما حذر من استغلال أحزمة البؤس والفقر لإعداد التربة الملائمة لبذور الدولة الإسلامية، داعيا في الوقت ذاته إلى منح حزب العدالة والتنمية بطاقة بيضاء لكي يعلق مصابيحه على أبواب المدن الكبرى.
ومن يعود إلى بلاغ الخارجية الأمريكية، وهو بلاغ مستغرب لكونه صدر بخصوص انتخابات جماعية وليس تشريعية، سيجد أن الأمريكيين قالوا إن الانتخابات خطوة دالة وإيجابية في طريق القطع مع المركزية وليس في اتجاه الجهوية.
وأغلب الظن أنهم يقصدون مركزية السلط، وهذا سيسير في الاتجاه نفسه الذي سار فيه مقال الفورين بوليسي الذي أوحى به مصطفى الخلفي لكاتبه خلال زيارته السرية الأخيرة لواشنطن، مما يفسر تحمس وزارة الاتصال لتعميم بلاغ الخارجية الأمريكية على أوسع نطاق.
لذلك فالدولة تعرف أن القنبلة الموقوتة التي تهدد البلد هي الفقر الذي يقذف بسكان البوادي إلى هوامش المدن حيث يتم حشو بطونهم بخودنجال والصوصيص وعقولهم بفتاوى القتل والتعزير. مما يفيد بأن الدولة فهمت أن القضاء على التطرف والإرهاب يقتضي تجفيف المستنقع عوض الانشغال بقتل الذباب، أي تجفيف منابع الإرهاب عوض الاكتفاء بمعالجة نتائجه.
ثامنا، ليست هناك وصفة سحرية لفوز العدالة والتنمية بمجالس المدن الكبرى بل إن الأمر يعود في الأساس إلى عدم جاذبية العرض السياسي، ثم استغلال الحزب للدين بشكل كبير، واستغلاله لوسائل الدولة طيلة الأربع سنوات التي قضاها في السلطة، تماما كما استغلها قبله حزب الاستقلال وانتقدناه، وقبله الاتحاد الاشتراكي وانتقدناه، حتى إنهما اعتبرا هذا النقد سببا رئيسيا في سقوطهما المريع.
العدالة والتنمية حزب منظم يمتاز عن الأحزاب الأخرى بانضباط أعضائه ومناضليه وقيادييه. بمعنى أنه ليس بحاجة إلى أصوات الشعب لكي يربح الانتخابات لأن أصوات شعب العدالة والتنمية تكفيه.
لقد جنى بنكيران الثمار الحلوة للانشقاقات التي غذاها داخل حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي. فيما جنى شباط ولشكر الثمار المرة، خصوصا عندما ترشح المطرودون من الحزبين إما مستقلين أو تحت رموز حزبية أخرى، وهكذا فقد حزب الاستقلال مقاعد مهمة في العيون بعدما ترشح خليل الداهي عضو المكتب التنفيذي لجمعية بلا هوادة ضد ولد الرشيد وحصل على ثمانية مقاعد.
وحصل البرلماني عزيز الفيلالي الذي طرده شباط وترشح مع الحركة الشعبية مكرها في فاس وحصلت لائحته على أربعة مقاعد، ومن المحتمل أن يدخل في أغلبية العدالة والتنمية مقابل تسيير المقاطعة نفسها التي كان يسيرها.
أما محمد كرم عضو المكتب التنفيذي لجمعية بلا هوادة فقد ترشح باسم حزب الروبيني لصاحبه فطري في أزيلال وحصلت لائحته على الأغلبية المطلقة. فيما الاستقلالية السابقة جرية حاجي عضوة المكتب التنفيذي لجمعية بلا هوادة ترشحت في القنيطرة في لائحة رباح ونجحت.
وإذا كان هذا حال حزب الاستقلال فإن حال الاتحاد أسوأ بكثير، فقد اكتسح سعيد الزايدي مقاعد جماعة واد شراط، فيما فازت أخته سعيدة الزايدي في مقاطعة السويسي.
وفاز القباج في أكادير بأربعة مقاعد، فيما حصد عبد العالي دومو الذي ترشح مع فدرالية اليسار 15 مقعدا من أصل 17 مقعدا في جماعة أولاد زراد بإقليم قلعة السراغنة.
تاسعا، الأسفار والخطب التي قام بها بنكيران طيلة الحملة الانتخابية لم تكن بغاية الدعاية لمنتخبي حزبه، بقدر ما كانت من أجل الدعاية لشخصه وترسيخ صورة الزعيم والخطيب المفوه في أدمغة مناضلي حزبه.
علينا بهذا الخصوص أن نستحضر أن سنة 2016 هي سنة انتخاب الأمين العام الجديد لحزب العدالة والتنمية، ولذلك يجتهد بنكيران ويجهد نفسه لكي يستعرض مهاراته الخطابية وقدرته على جمع الناس حوله، حتى يقنع الجميع، بمن فيهم الدولة، بأن حزب العدالة والتنمية بدون بنكيران حزب غير مؤثر وغير موجود.
لذلك فأمام بنكيران أمران لا ثالث لهما، إما أن يعلن عن تعديل القانون الداخلي للحزب ويمنح نفسه ولاية ثالثة كما فعل عباس الفاسي على رأس حزب الاستقلال، وإما أن يعلن عن تأجيل انتخاب الأمين العام للحزب إلى حين أن يظهر اسم رئيس الحكومة الجديد.
كل من قرأ التقرير الصحفي الطويل الذي نشره يوما واحدا قبل موعد الاقتراع موقع العفريت نصر الدين وشريكه السنوسي مدير لومتان السابق حول حظوظ حزب بنكيران الوفيرة للفوز بالانتخابات، سيفهم أن التقرير ركز على كلمة «الزعيم» وهو يصف عبد الإله بنكيران.
وهو الانطباع نفسه الذي خلفه روبورتاج نشره موقع 360 استضاف فيه رئيس الحكومة في بيته ومقر حزبه وداخل سيارته الشخصية التي توقفت، ضدا على قانون السير، في الطريق السيار.
مما يفيد بأن عبد الإله بنكيران يفاوض من أجل البقاء على رأس ولاية ثانية في الحكومة المقبلة، مع القبول بأكثر السيناريوهات تشاؤما.
عاشرا، يجانب كثيرون الصواب عندما يقولون إن حزب الاستقلال أو الأصالة والمعاصرة هو الحزب الخاسر في هذه الانتخابات، لأنه إذا كان هناك من حزب خسر من وراء نجاح حزب العدالة والتنمية في اكتساح المدن الكبرى فهو حزب فرنسا، الذي ستفقد شركاته الكبرى الحظوة التي كانت لديها على عهد تسيير الأحزاب الأخرى للمدن، وسيكون ذلك لصالح الشركات التركية والأمريكية، حلفاء العدالة والتنمية الاستراتيجيين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى