الرأي

بائعة الهوى

وقف الرجل الأربعيني، الطويل العريض، بشاربه الكث، وسحنته الغاضبة، ينتظر بائعة الهوى الثلاثينية التي استأذنته أن يمهلها قليلا ريثما ترتب بعض الأمور لمرافقته. بارتياب واضح، ظل الزبون يراقب حركات الباغية خوفا من أن تختفي عن أنظاره؛ وبعد بضع دقائق من الشك والانتظار، تأكد للرجل الباحث عن المتعة أنه تم النصب عليه. لحق بها مستفسرا عن تأخرها، فتنكرت له متملصة من كل اتفاق تم بينهما. رجعت بائعة الهوى تحدث رفيقاتها كما لو أن شيئا لم يحصل. اقترب منها الرجل الغاضب، وجرها بعنف من يدها مطالبا بحقه، نهرته هذه المرة، وهي تحاول الإفلات من قبضته، فبدأ في استعطافها في آخر محاولة منه لإقناعها بمرافقته، لكنها كانت مصرة على «سرقته» ما جعل الرجل يفقد أعصابه ويثور في وجهها، مطالبا باسترجاع نقوده فورا أو تلبية طلبه بمرافقته في الحين. لكنها أبت، حينها جذبها بقوة من ذراعها، وعندها، بدأت بائعة الهوى في الصراخ والعويل مستنجدة برفيقاتها وبعباد الله لفكها من قبضته. صراخ مسترسل أثار انتباه المارة وفزع سكان الحي الذين بدؤوا يطلون من النوافذ لمعرفة ما يجري. بدا الزبون الغاضب مصرا على استرجاع ماله مهما كلفه الأمر، غير آبه بحشد الفضوليين الذين تجمهروا حول المشهد، ولا بعويل وتوسلات رفيقاتها لفكها من قبضة اليد الغاضبة. أمسكها من شعرها وسحبها منه بقوة وهو يصرخ في وجهها: «ردي ليا فلوسي».. فترد عليه المومس بأنها لا تعرفه.. يركلها ويصفعها مرددا الجملة نفسها لاسترجاع نقوده، لكن لا حياة لمن تنادي.. أشبعها ضربا في كل أنحاء جسدها وهي ممددة على الأرض تصرخ حتى خارت قواها وبدت شبه مغشى عليها.
كان الزبون المخدوع مصرا على استرجاع نقوده، وظلت النصابة الثلاثينية مصرة على الاحتفاظ بها وعدم مرافقته، انحنت عليها رفيقتها تصيح في أذنها متوسلة إياها بأن ترجع المال لصاحبه: «وا زهور رجعي ليه فلوسو راه غادي يقتلك..» لاهثة، تجيبها زهور العنيدة كما لو أنها تنطق بآخر كلماتها: «آآآه ما عنديش..» بعد قرابة النصف ساعة حضرت سيارة الإسعاف، وفي آخر محاولة يائسة حاول الزبون الضحية استرجاع نقوده، باحثا عنها دون جدوى، في جيوب بنطال الباغية وبين حمالة صدرها، قبل أن يتوارى عن الأنظار عندما بدأت عملية إسعاف «الضحية»، حيث حملتها سيارة الإسعاف ما بين الحياة والموت والثلاثة مائة درهم في جيبها..
بعد يومين على وقوع الحادث، كانت بصحة جيدة، واقفة كعادتها مع رفيقات دربها، يحتسين الخمر، يضحكن ويتبادلن العتاب والشتائم، في انتظار صيد جديد وشجار أكيد.. أغلبهن أمهات لأطفال مهمشين، عازبات ومطلقات، أو زوجات منحرفات لأزواج منحرفين يقضون أيامهم خارج أو داخل أسوار السجن، يمارسن الدعارة أو النصب بأجسادهن عبر بيع اللذة الوهمية من أجل لقمة العيش.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى