شوف تشوف

بانوراماخاص

بابلو إغليسياس الرجل الذي يحلم بتغيير أوربا

إعداد: سهيلة التاور
استطاع الأستاذ السابق بجامعة كوملوتونسي بمدريد، والسياسي، والكاتب، والمقدم، ومعلق برنامج سياسي، بابلو إغليسياس، في أقل من ثلاث سنوات أن يقود حزبه اليساري الإسباني «بوديموس» (Podemos – نقدر) ليحقق نجاحا كبيرا في انتخابات البرلمان الأوربي في ماي 2014 فيحصل على خمسة مقعد (8 في المائة من الأصوات) ليزداد عدد مؤيديه وأعضائه بشكل واضح، حيث وصل إلى مائة ألف ثم إلى مائتين وسبعين ألفا حسب آخر إحصاء، وذلك خلال 11 شهرا فقط، المدة التي تعتبر سابقة من نوعها. مما خول للحزب أن يحتل رتبة متقدمة جدا في السلم السياسي الإسباني، ثاني أكبر حزب إسباني من حيث عدد الأعضاء، والذي تشكل انطلاقا من الحركة الشعبوية الثائرة لسنتي 2011 و2012 على يد مفكرين ومثقفين وفنانين وطلبة.

بابلو إغليسياس، الرجل البسيط، المتواضع، المختلف عن سابقيه، المناضل، استطاع في مدة قصيرة أن يتقلد مناصب عدة وعرفت حياته تغييرا واضحا. لم يفضل أن يسلك الطريق السهل ويحتمي وراء أحزاب عملاقة والمتشبعة بالسياسيين المشهورين، بل اختار أن يعمل جنبا إلى جنب مع غريك أليكسيس تسيبراس في حركة تحويلية مناهضة للتقشف. مشواره بدأ عندما قرر أن يذيع برنامجا للنقاش السياسي «لاتويركا» على قناة أرضية، حالما أن يدفع بالجبهة اليسرى ويمنحها أسماء جديدة وأن يتحدى الليبرالية الجديدة، وأن يساعد هوريسكو ريفيرانس على أن يتذوق لذة النجاح.
وبعد الانتخابات الأوربية التي أجريت سنة 2014، انتخب بابلو نائبا بالبرلمان الأوربي ممثلا حركته «بوديموس» التي تمخضت عن حركة «الغاضبين»، التي خلقت المفاجأة بفوزها بخمسة مقاعد، وأصبحت «بوديموس» حزبا منظما كالبقية.

إحياء اليسار
لم يخبئ أبدا هدفه الأساسي كان ولا يزال هو إعادة زرع الحيوية والحماس في اليسار المنهك والخمول للفوز، حتى أنه يرفض كذلك كلمة – اليسار -. كما نشر أخيرا في بيان لـ«بوديموس»، أن رغبة الحركة منذ البداية تمثلت في إعادة الاستيلاء على مخيلات الناس المحتلة منذ الثمانينات من قبل الأفكار الرجعية واللبرالية الجديدة. فـ«حركة الغاضبون»، الحركة الأم، في الواقع، أثارت أزمة في النظام السياسي الذي كان يقوم على الرغبة الملحة في تحقيق الزيادة في الديمقراطية ورفض واسع النطاق للنخب السياسية والاقتصادية. على أية حال، في البداية، واجه اليسار صعوبة في فهم ما الذي يحدث في الساحة السياسية الإسبانية، لذلك فرغم إصرار الحركة المنبثقة منها «بوديموس» على دمقرطة الاقتصاد كيسار قديم، كان من الواجب عليهم أن يتعلموا السياسة مع فئة جديدة. ففضلوا أن يتكلموا عن الانقسام (شعب/حكم الأقلية)، (فوق/تحت).. بدلا من (يسار/يمين). فاليسار لطالما عانى في إسبانيا من الهزيمة التي كانت تمسه في شتى الجوانب.. لكن هذا لا يغير من كون غرق السياسات المالية، تحت اسم «الليبرالية الجديدة»، أعطت إمكانيات سياسية عظمى لبرنامج اجتماعي قادر على إحداث التغيير، إلا أن هذا لم يحم هذه الأخيرة من الفشل نظرا لكون الرموز، وسائل الاتصال وأشكاله من الواجب أن تتغير.

البرنامج السياسي لـ«بوديموس»
حركة «بوديموس» باتت من أقوى الحركات المناضلة من جهة اليسار. تتشبع بأفكار جديدة وتحويلية في الوقت نفسه، وكحزب وضعت العوارض الكبرى لمشروعها والتي تمثلت في كونها تقوم على الانفصال التام عن سياسات التقشف في الاتحاد الأوربي، استعادة السيادة الاقتصادية، وإعادة إحياء الحقوق الاجتماعية التي أضمرت بسبب الأزمة. لكن البرنامج السياسي تم توضيحه وطرحه أخيرا من طرف السكرتير العام للحزب للانتخابات التشريعية لنونبر 2015 بشكل أكثر تفصيلا قائم على معايير جد ملموسة، (خطة الانقاذ الاجتماعي، معايير مرتبطة بالنظام الضريبي، ووسائل لمكافحة الرشوة). النظام الضريبي، بطبيعة الحال، سيكون نقطة جد مهمة في هذا البرنامج. ويراهنون على الإصلاح الضريبي الذي على أساسه سيجبر الجزء الأعلى من الهرم الاقتصادي على دفع الضرائب.
ففي إسبانيا، نجد أن هناك معدل احتيال جد مرتفع وثمة كذلك مجموعة من الميكانيزمات التي تسمح للفئة الغنية بالاستفادة من الإعفاء الضريبي. فهدفهم هو الاقتراب من الوسط الأوربي حيث إن متوسط معدل استرداد الضرائب في إسبانيا هو 7 نقط أقل من الاتحاد الأوربي بالكامل. لذلك فمن الواجب على الأغنياء الإسبان أن يدفعوا الضرائب مثل سائر المواطنين.
ولتطبيق هذه المعايير على أرض الواقع وللانفصال عن سياسات التقشف التي كان الاقتصاد الإسباني بين يديها منذ سنة 2008، يرى حزب «بوديموس» أنه ليس أمرا صعبا وبمقدورهم الإحاطة بهذه العوائق. فبالمقارنة مع اليونان التي تمثل فقط 5 في المائة من منطقة الأورو فإن إسبانيا تمثل من 13 إلى 14 في المائة من هذه الأخيرة، إسبانيا في وضعية مطمئنة أكثر وتؤهلها للتفاوض. كما أن وضعيتها أقوى لحسن الحظ من وضعية اليونان التي بلغت أزمتها ذروتها، خصوصا بعد رفض حزمة الإنقاذ لمجموعة الأورو مساعدتها. والحزب لا يفكر تماما في البحث عن الدعم من أية جهة سياسية للوصول إلى الحكم، خاصة وأن الحكومات الاشتراكية الأوربية لم تبال لأمر اليونان والحزب الاشتراكي الديمقراطي يجد نفسه دون أي مساحة للحكم. ويتوقع هزيمة كبيرة لشكل من أشكال الحزب الاجتماعي الليبرالي متوافقة مع الخصخصة وهيمنة القوة المالية. رغم الأزمة التي يعاني منها الإسبان منذ 2011، فإن حزب «بوديموس» لا يوافق على الخروج من الاتحاد الأوربي بالرغم من كونه غير راض على الطريقة التي يتعامل بها المركزي الأوربي.

البحث عن حلفاء
بعض من أعضاء الحزب الراديكالي اليساري الفرنسي يظنون أن الحزب يفتقر إلى العزيمة لمواجهة البنك المركزي الأوربي والألمان كذلك بصفهم. إلا أن الحزب يؤمن بأنه لا يمكن لحكومة لوحدها في جنوب أوربا أن تعلن الحرب ضد المجموعة الأوربية والبنك المركزي الأوربي. فلابد من العمل كحلفاء، فبالنسبة لليونان، لإيرلندا وإسبانيا على السواء، يمكن أن يحدثوا تغييرا سياسيا سريعا، ومستقلا عن اللون السياسي، كما يمكن للحزب أن يجد التحالفات الاستراتيجية مع الحكومات البرتغالية والإيطالية، وحتى مع بعض بلدان أوربا الشرقية. فوحدها الاستراتيجية الجماعية الاقتصادية والسياسية متقاربة بين دول مختلفة من الاتحاد التي تقع على الضواحي، والتي بإمكانها أن تحدث التغيير. كما أن الحزب متحمس جدا للانتخابات التشريعية ويأمل أن تحدث قبل أوانها، نظرا للزعزعة القائمة في البلاد، مصرحا بأنهم على أهبة الاستعداد وسيظلون يحافظون على العلاقات الفورية التي تجمعهم والحركات الاجتماعية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى