شوف تشوف

شوف تشوف

تبع الكذاب حتى لباب الدار

لعل الأمير مولاي هشام سيجد صعوبة في هضم ما قاله الصحافي علي المرابط، الذي رد على الصفحتين اللتين خصصهما له الأمير في كتابه «يوميات أمير منبوذ».
ففي صفحته على «الفيسبوك» صارح المرابط الأمير بحقائقه الأربع، ولخص في صفحة واحدة عقدة الأمير الكبرى، وهي حلمه القديم في أخذ الحكم، سواء على صهوة أمواج «الربيع العربي» أو عبر المرور من «الخيار الثوري» الذي قال الأمير إنه مستعد لتوقيعه، من واشنطن طبعا.
فالأمير يقولها صراحة في كتابه، أطيحوا بالنظام وأنا موجود لكي أحكم. وهنا تحضرني مجادلة كانت للأمير مع شلة من الصحافيين والمناضلين، الذين كانوا يتحلقون حوله في بداية خروج «رجيله من الشواري».
وحدث أن أخذ الأمير الكلمة وبدأ يتحدث عن ضرورة الإطاحة بالملك، وأنه يمتلك برنامج حكم متكاملا. فإذا بأحد الصحافيين يسأله سؤالا صدم الأمير، فقد قال له:
-«إلى كنا غادي نطيحو الملكية أمولاي هشام علاش زعما خصنا نديروك نتا، علاش ما نديروش شي واحد منا حنا نيت؟».
والواقع أن الأمير لم يكن يتوقع هذا السؤال المحرج الذي حطم أفق انتظاره. فقد كان يعتبر هؤلاء الحواريين مجرد أبواق وأقلام تشتغل تحت إمرته، ولم يكن يتوقع يوما أن يتجرأ أحدهم على مزاحمته على أحلام الزعامة.
وحتى عندما نشر سهوا أحد هؤلاء الحواريين، خبرا اعتبره الأمير مسيئا إليه، وجد هذا الصحافي «الصيرفي» محامي الأمير يطرق مكتبه ويطلب منه تسديد قيمة الشيك الذي وضعه ضمانة للحصول على تسعين مليونا من الأمير. ففهم الصحافي «الصيرفي» أن عليه أن يلعق حذاء الأمير ويلمعه لكي يكفر عن ذنبه، وكذلك فعل فهدأ غضب الأمير عليه ونسي أمر الشيك، مؤقتا.
لذلك انفض ذلك الجمع الذي كان يتحلق حول الأمير، وبقيت أحلام هذا الأخير تعشش في خياله إلى أن ضمنها كتابه الصادر أخيرا، والذي يقول علي المرابط إن كاتبه ليس سوى مدمن على الحشيش اسمه بنشمسي.
وبما أن الحشيش لديه تأثير على الذاكرة، فقد ضمن «الحشاش» مذكرات الأمير أخطاء وأكاذيب كان علي المرابط أول من ينبري لكي يجيب عنها في رسالة وجهها للأمير، وذكره فيها أنه لم يذهب إلى الجزائر بعد خروجه من السجن لكي «يلعق جراحه» هناك، بل ذهب بعد مضي عام على مغادرته أسوار السجن، بدعوة من أصدقائه الصحافيين. كما ذكر الأمير بأن أصدقاءه في الجزائر هم المعارضون والصحافيون، وليس مثل الأمير الذي كل أصدقائه في الجزائر هم الجنرالات والرئيس بوتفليقة، كما يؤكد هو نفسه في مذاكراته.
تكذيب علي المرابط لم يتوقف عند هذا الحد فقط، بل إنه شمل مواقف اختلقها الأمير في كتابه، اعتبر المرابط أن الأمير كذب فيها على طول الخط، مثل حادثة رمي أعضاء المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان بفردة حذائه، عندما جاؤوا لزيارته من أجل إقناعه بإنهاء إضرابه عن الطعام. ولحسن الحظ أن عمر عزيمان وقطبي مازالا حيين، لكي يكذبا بدورهما هذه الواقعة التي اختلقها الأمير في كتابه.

مقالات ذات صلة

 

كما أن مصطفى العلوي صاحب «الأسبوع» مازال حيا، وقد كان يرقد إلى جانب المرابط في المستشفى، بعدما اعتقل بسبب نشره رسالة مجهولة لمخبول يدعى «القعقاع» حول تفجيرات 16 ماي. وكان قد جيء به إلى هناك بسبب مضاعفات السكري، فقال للأمير مولاي هشام وهو على وشك البكاء:
-«أجي أمولاي هشام هضر معايا أنا، هاداك راه حمق ومباغيش يخرج من الحبس، هضر معايا أنا اللي جد وعندي السكر وماباغيش نموت فالحبس».
طبعا عندما نقرأ هذا الاستعطاف ونقارنه مع حديث مصطفى العلوي عن التعذيب الذي خضع له في معتقل دار المقري، نفهم أن الخيال يمكن أن يجنح بعيدا بالكاتب الصحافي أحيانا.
الكذبة الثانية التي يرد عليها المرابط هي حادثة زيارة الأمير له في بيته، وهي الزيارة التي أراد الأمير أن يظهر للقارئ، الذي يعتقد أنه غبي، أنها كانت صدفة عندما جاء يزور أحد مستخدميه القدماء. وهنا يؤكد المرابط أن «سانديك» العمارة هو من كان يكتري الشقة للمرابط عكس ما ادعاه الأمير في كتابه.
ولعل أكبر كذبة في كتاب الأمير، هي قصة دراسته في المعهد المولوي والكوليج الملكي، ومغادرته لهذين المعهدين نظرا لعدم ملاءمة برامجهما لذوق الأمير. والحقيقة هي أن مولاي هشام اختار الدراسة في المدرسة الأمريكية باهظة الثمن لأنه لا يطيق الاختلاط بأبناء الشعب. وعندما نعيد قراءة القصاصة التي تتحدث عن التوشيح الملكي للأستاذ عبد الحميد بنزوينة، نجد أنها تتحدث عن تدريسه للملك محمد السادس وولي العهد مولاي الحسن والأمير مولاي رشيد، والأميرات لالة أسماء ولالة حسناء ولالة مريم، والأمير مولاي إسماعيل ومولاي إدريس الفلالي ومولاي اليزيد بوشنتوف ثم مولاي يوسف العلوي. ولا يرد اسم مولاي هشام وسط هذه الأسماء، لأنه ببساطة لم يتلق التدريس على يديه.
وبعد التحري، تبين أن الكتاب يتضمن كثيرا من الأخطاء ربما متعمدة لتصبح أكاذيب في ما بعد. ولذلك فمن حق القارئ أن يتساءل عما إذا كان الأمير يستهزئ بالمغاربة أم أنه يستبلد ذكاءهم. كما من حقه أن يتساءل حول ما إذا كان صاحب الكتاب كاذبا أم فاقدا لقواه العقلية.
وفي رده على أكاذيب مولاي هشام، قال علي المرابط كلمة عميقة، وهي أننا نحن المغاربة البسطاء لا نحكي عما نشاهده في بيوت الآخرين، لأن البيوت حرمات.
وعندما نقرأ في آخر صفحة من كتاب علي عمار «سوء الفهم الكبير: عشر سنوات من حكم الملك محمد السادس»، الإهداء التالي: «رغم أنني مغربي وأنحدر من هذا الوسط، فإن معرفتي بأسرار المخزن لم تكن لتكون بالشكل الذي هي عليه بدون الأمير مولاي هشام وزوجته مليكة، اللذين تقاسما معي بكل صداقة، طيلة كل هذه السنوات، معرفتهم بالموضوع وذكرياتهم بكل حب».
الرد على هذه التحية، جاء سريعا، وبأحسن منها. فقد أحس الأمير مولاي هشام بأن علي عمار يقدم له هدية مسمومة في هذا الكتاب. وهكذا وصفه الأمير، في رسالة بعثها إلى أسبوعية «الأيام» ونشرتها، بالوقح والوضيع والمفتقد للنزاهة والباعث على الاشمئزاز وصاحب الذوق الرديء والأفكار المبتذلة. ببساطة الأمير «شرمل ليا» علي عمار «مزيان».
ويبدو أن عمار عندما قرأ كل هذه الشتائم التي قالها صديقه الأمير في حقه، تذكر اليوم الذي كان فيه هو وزميله أبو بكر الجامعي، يمازحان الأمير ويسألانه عن أول شيء سيقوم به لو أنه أصبح ملكا ذات يوم. فكان الأمير يجيب ضاحكا بأن أول قرار سيتخذه هو وضع عمار والجامعي في السجن.
كثيرون مع ذلك طالعوا رد الأمير الغاضب الذي نشره في «الأيام» و«تيل كيل»، ولم يفهموا سبب كل الرذاذ المتطاير من كلماته بسبب الغيظ. لكن من يقرأ كتاب علي عمار، خصوصا الفصل الذي يتحدث فيه عن انقطاع حبل الود بين أبو بكر الجامعي والأمير، بعد محاضرة لهذا الأخير تحدث فيها عن تصوره لتداول الملك في المغرب على النمط السعودي، سيفهم كل شيء.
فالأمير لم يهضم بسهولة افتتاحية أبو بكر المنتقدة لما جاء في محاضرته حول «مجلس العائلة» الذي يمكن أن يؤول إليه الحكم، كما لم يتقبل انتقاد أبو بكر اللاذع للأمير الذي لا يبحث عن فصل حقيقي للسلط في المغرب، وإنما «يحلم» بتطبيق نظام ملكي مستلهم من النظام السعودي.
هنا اندلعت أولى ألسنة الحرائق التي شبت في تلابيب الصحافيين، الذين كانوا يحيطون بالأمير ويؤثثون جلساته في قصره بعين عودة وضيعته في تارودانت، دون أن يتصوروا، في لحظة من اللحظات، أن أحد أعضاء «شلة الأنس» سيفضح بعضا مما كان يدور خلال تلك السهرات في كتاب. وقد قال علي المرابط إنه يملك لائحة فيها على الأقل أسماء خمسة صحافيين تقاضوا أموالا من الأمير، وسيكون مفيدا أن يعرف الرأي العام المغربي أسماء هؤلاء الصحافيين الذين ذاقوا من عطايا الأمير، والذين يعطون الناس يوميا دروسا في النزاهة والاستقلالية.
ولعل هؤلاء الصحافيين المرتزقة الذين يأكلون من يد الأمير، يتذكرون كيف أنه في أحد الصباحات سيحمل المسؤول المكلف بضيعة الأمير في تارودانت، ملفا إلى مقر «لوجورنال» بالدار البيضاء، فيه نسخ من شيكات موقعة من طرف الأمير بأسماء صحافيين مغاربة، وإلى جانب الشيكات كانت هناك ورقة مكتوبة عليها إشارة إلى أن هذه الشيكات هي مساعدة من طرف الأمير من أجل اقتناء شقق للسكن لهؤلاء الصحافيين، مع نسخة من ورقة مكتوب عليها «اعتراف بدين».
وإذا كان أحد هؤلاء الصحافيين قد اعترف بتوصله بالشيك، فإن بقية الصحافيين الآخرين لم يقدم أي واحد منهم توضيحات بخصوص قيمة المبلغ الذي يقال إنه يصل إلى 95 مليون سنتيم.
ولعل الفصل الناقص في مذكرات الأمير، هو الفصل الذي يمكن أن نسميه «الوشائج الخطرة»، والذي كان يجب أن يحكي عن العلاقات السرية التي كان ينسجها الأمير مولاي هشام مع بعض الصحافيين مقابل شيكات واعترافات بدين.
فإلى حدود اليوم، تعود الصحافيون على حشر أنوفهم في كواليس الحياة الخاصة للشخصيات الرسمية والسياسية، وتجرؤوا على محاسبتهم على مصادر أموالهم، لكن لم يجرؤ أحد من قبل على حشر أنفه في مصادر تمويل مشاريع بعض الصحافيين ولا علاقاتهم السرية مع بعض ذوي النفوذ.
الفرنسيون لديهم مقولة عميقة تقول: «لكي تفهم أحسن يجب عليك أن تتبع مصادر التمويل». والمال ليست له رائحة لكن يمكن أن يكون له طعم، وهو الطعم المر الذي يبقى في أفواه البعض عندما تختفي حلاوته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى