شوف تشوف

اقتصاد

تصنيفات خادعة

حسن البصري

قالت المندوبية السامية للتخطيط إن نسبة الأمية في صفوف السكان المغاربة، سجلت انخفاضا مهما، وإن عدد الأميين تراجع إلى 32 في المائة، بعد أن كانت الأمية موزعة بيننا مناصفة. وأوضح بيان مندوبية لحليمي أن جهود القضاء على الجهل مستمرة.

نزل البلاغ بردا وسلاما علينا، رغم إيماننا بأن الأمي ليس بالضرورة هو المحنط ضد القراءة والكتابة، وقلنا اللهم طوّل عمرنا حتى نحتفل بالقضاء على آخر فلول الأميين.

في اليوم الموالي، بشرنا تقرير لمنظمة الصحة العالمية بتراجع المغرب في ترتيب احتساء الخمور، وأكد أن المغاربة يستهلكون فقط 0.4 لتر من الخمر في السنة للفرد، لتصنف بلادنا في المرتبة 43 من بين مستهلكي الخمور إفريقيا. هذا لا يعني إقلاع المغاربة عن شرب الخمور، فالتقرير لا يشير إلى حجم استهلاك الخمور المصنعة يدويا، خاصة «ماء الحياة» التي لازال البعض يقبل عليها من باب تشجيع الاقتصاد المحلي.

مهلا، فالبشائر كالمصائب لا تأتي فرادى، إذ صنف تقرير أنجزه المنتدى الاقتصادي العالمي حول البلدان الأكثر أمانا في العالم، المغرب «البلد الأكثر أمانا في القارة الإفريقية»، بعد أن حصل على تنقيط 5.83، وهو الأعلى في القارة السمراء، متجاوزا جميع البلدان الإفريقية، خاصة البلدان المغاربية، اللهم لا شماتة.

لكن تقريرا حول الجريمة نشره موقع «نامبيو»، بعثر كل الأوراق، حيث وضع المغرب في الرتبة الـ43 عالميا أي بمعدل 48.74 في المائة، الشيء الذي منح المغرب صفة «بلد متوسط في مؤشر الجريمة»، وجعل مجرميه يرفعون رأس المغرب «عاريا» بين الأمم الرائدة في مجال الإجرام، وهي مرتبة لطالما حلمنا بها في تصنيف التنمية البشرية أو التصنيف العالمي لـ«الفيفا».

خرجنا من التصنيف العالمي، والحمد لله، رافعين شعار «المهم هو المشاركة»، وأصبح وضعنا، ونحن ننعم بالاستقرار، وسكارانا يعلنون توبتهم تباعا على الأقل من شرب الخمور باهظة الثمن، وأميونا الصالحون يتناقصون، في نفس تصنيف دول تستنشق رائحة البارود يوميا من قبيل سوريا والعراق وليبيا، وبلدان أخرى لم يعد فيها الإجرام عادة سرية.

تبا لتقارير المنظمات العالمية والمندوبيات السامية وغير السامية، فهي تجعلنا نؤمن بالشيء ونقيضه، ونصدق تصنيفات لا تمت بصلة لما يعيشه المواطن المغربي، المنشغل باخضرار لحوم الأضاحي والضربات التي تستهدف جيبه مع بداية الموسم الدراسي.

لم تقدم التقارير الرسمية جردا لحصيلة ضحايا نحر الأضاحي، والتي تقول إحصائية مسربة من مستعجلات مستشفى ابن رشد بالدار البيضاء، إنها فاقت ألف جريح، وهو رقم يوازي عدد جرحى إسرائيل في حروبها مع العرب.

كيف نقرأ هذه الأرقام المبعثرة فوق رؤوسنا، والتي تجود بها استطلاعات الرأي، ونحن نعلم أنها تصنع وتعلب في مكاتب مكيفة بعيدا عن بؤر التوتر؟ وكيف نصدق تراجع مساحة الجهل واتساع رقعة الفقر التي أصبحت كقطعة من العلك التصقت بشعر طفل؟

هل سنحتفل يوما بتوبة آخر عربيد، ونحول الخمارات إلى مقرات للأحزاب، يغني فيها السياسيون: «هل رأى الحزب سكارى مثلنا»؟

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى