حوادثخاص

توريط بعثة أمنية مغربية بغينيا الاستوائية في ملف جنائي مثير

كريم أمزيان

على الرغم من أن القانون منح لرجال الشرطة الحق في التحقيق في الملفات التي تحال عليهم، وتأمرهم النيابة العامة بإجراء أبحاث تمهيدية فيها، قبل إحالتها عليها من أجل البت فيها، فإن هذا لا يمنع من أن يكون رجال الأمن أنفسهم، أطرافا في ملفات يحقق فيها زملاء لهم، كما جرى بخصوص ملف حققت فيه عناصر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالدار البيضاء، توبع فيه ثلاثة موظفين في مديرية الأمن الوطني، بعدما جرت وقائعه في غينيا الاستوائية، غير أن مراحل التحقيق فيه وأطوار المحاكمة، جعلت أطرافه تعود إلى المغرب، لتتم مرحلة التقاضي، التي انتهت قبل أيام في مرحلتها الاستئنافية.

ملف بـ«غرفة الجنايات» يتابع فيه ثلاثة أمنيين من أجل تهم «محاولة الاختطاف باستعمال وسيلة من وسائل النقل ذات محرك، والضرب والجرح»، تقدمت سيدة في الخمسينات من العمر، في يوم صيفي حار، بشكاية ضدهم، من أجل محاولة الاغتصاب والضرب والجرح.
ولم تجد النيابة، أمام ما تضمنته الشكاية من اتهامات خطيرة، في مواجهة (ع.ب)، رئيس البعثة الأمنية الملحقة بجمهورية غينيا الاستوائية، وعنصري الشرطة (م.م) و(ك.ي)، سوى أن تصدر أوامرها من أجل التحقيق بشكل عاجل في الملف، الذي شرعت عناصر من الفرقة الوطنية للشرطة القضائية في التحقيق فيه، في 25 يناير 2012، ليتبين، من خلال المعطيات الأولية، أن المعنية بالأمر المتحدرة من ضواحي مدينة خنيفرة، حصلت على عقد عمل من سفارة غينيا الاستوائية بالمغرب سنة 2009، يخول لها العمل منظفة بمصحة «كوادالوبي» بالعاصمة «مالابوالتي»، والتي تعود ملكيتها إلى زوجة رئيس الجمهورية. كانت فرحتها لا تقاوم بحصولها على الوثائق اللازمة وتأشيرة السفر، فغادرت أرض الوطن بمعية ابنة شقيقتها التي تدعى مريم، عبر مطار محمد الخامس الدولي، الذي انطلقت منه الرحلة في 18 دجنبر 2009. وبوصولها إلى عاصمة جمهورية غينيا الاستوائية حينئذ، وجدت أحد المستخدمين لدى زوجة الرئيس في استقبالها، واصطحبها إلى الإقامة، التي وجدت فيها سيدة مغربية وقضت معها الليلة الأولى، قبل أن يصطحبها المستخدم نفسه إلى حي «خاردين»، بالعاصمة، والذي يوجد قريبا من القصر الرئاسي، من أجل استئناف عملها الذي لطالما حلمت به خارج أرض الوطن.
شرعت في عملها، وبدأت حياتها الجديدة بعيدا عن أهلها وعائلتها، غير أنها وجدت أسرة ثانية في انتظارها، حيث أقامت في بعمارة تقطن فيها عاملات كثيرات، منهن غينيات ومغربيات سبقنها إلى الهجرة، بعد حصولهن على عقود عمل. كل المستخدمات يشتغلن لدى زوجة الرئيس، وهي أيضا استأنفت عملها منظفة في المصحة، ويوما بعد يوم، بدأ الإحساس بافتقاد أهلها يرافقها، على الرغم من أن اصطحاب ابنة شقيقتها، ما جعلها تتردد من حين إلى آخر على المغربية التي قضت معها الليلة في أول يوم وطأت قدماها أرض جمهورية غينيا الاستوائية. مع تبادلهما الزيارات، كشفت لها زبيدة التي أصبحت صديقة لها، أنها زوجة عميد شرطة، يوجد هو أيضا في البلد نفسه، بصفته رئيس البعثة الأمنية الملحقة.
لم تهتم بالأمر، لأنها منحت في البداية كل تركيزها لعملها، وكانت تعمل قصارى جهدها، حتى يروق عملها لرؤسائها، خصوصا زوجة الرئيس التي كانت تشتغل في مصحة تابعة لإقامتها، غير أنها ذات يوم، كانت تتبادل أطراف الحديث مع إحدى المغربيات في العمارة التي تقطن فيها، فأخبرتها أن صديقتها غير متزوجة، والشخص الذي حدثتها عنه، ليس زوجها وإنما خليلها ويتردد عليها من حين لآخر، بعدما ربطت معه علاقة غير شرعية، مؤكدة لها أنه فعلا رجل أمن، وانتقل إلى غينيا كرئيس بعثة أمنية، ويساعده في ذلك رجلا أمن. كانت هذه التفاصيل الجزئية مفاجئة بالنسبة إليها، غير أنها جعلتها تعيد النظر في من اعتبرتها أقرب المغربيات إليها في بلاد المهجر، ووضعت فيها ثقتها، وفضلتها عن بنات بلدها الأخريات، وهو ما جعلها تحتاط منها، وتحاول الابتعاد عنها، بل وصلت بها درجة الخوف إلى أن قررت في لحظة ما قطع صلتها بها، حتى إنها لم تعد تستطيع أن تخفي شعورها تجاهها، فقد حدث أن صادفتها بمعية من قيل لها إنه خليلها على متن سيارته، فطلب منها الصعود من أجل أن يوصلها إلى بيتها، إلا أنها رفضت، وأخبرتهما أنها تفضل أن تسير على قدميها.
الشكاية التي وضعتها السيدة (م.م)، جاء فيها أنها لما كانت عائدة من السوق، بعدما أنهت التبضع، صادفت صديقتها وخليلها، الذي ادّعت أنه زوجها، وهما على متن سيارة المصلحة، فعرض عليها الصعود إلى السيارة، حتى ينقلها إلى حيث تقطن، إلا أنها اعترضت على دعوته، ما جعله، بحسب ما ورد في شكايتها، يستشيط غضبا، دون أن تعرف سبب ذلك، رغم أنها أكدت أنها أخبرته أن وقتها ضيق، وقد تضيعه في الطريق، خصوصا خلال التوقف في إشارات المرور، وفضلت العودة إلى منزلها راجلة، فما كان عليه سوى أن أمطرها بوابل من السب والشتم، وأوضحت أنه نعتها بأقبح الأوصاف، واصفا إياها بالعاهرة، بالنظر إلى أن مسقط رأسها هو مدنية خنيفرة.

نصائح ثمينة
منذ هذه الواقعة، انقطع تواصلها مع صديقتها، التي لم تعد كذلك، إلى أن توصلت في 04 يونيو 2010، في حوالي العاشرة صباحا، بمكالمة هاتفية، في هاتفها المحمول، ووجدت أن محدثها لم يكن سوى العميد (ع.ب)، يسألها عن صديقته، ويستفسرها إن كانت تعرف موقعها، فأخبرته أنها لم ترها منذ مدة، ولم تعودا تلتقيان بشكل مكثف كما كانتا سابقا، ثم أغلقت هاتفها بشكل نهائي، وفق ما جاء في تصريحاتها في شكايتها. لم يمض وقت طويل على ذلك، حتى ذهبت إلى صديقتها من أجل الاطمئنان عليها، وبمجرد ولوجها بيتها أخبرتها الصديقة أنه نشب بينها وخليلها العميد نزاع، أصبحت تتجنب إثره الإجابة عن اتصالاته الهاتفية. لكن المثير في القضية، هو أنها أطلعتها على حقيقة علاقتهما، وكشفت لها أنه لا يربطهما أي عقد زواج، فلم تتردد في تقديم النصح لها، ونبهتها إلى خطورة الخضوع له، والانصياع لطلباته ونزواته.
تطور الوقائع جاء بعدما علمت (م.م)، صاحبة الشكاية، عبر ابنة شقيقتها، أن العميد بعث لها أحد مساعديه، المسمى (م.م) يأخذ عنها بعض المعطيات، وطلب منها تشغيل هاتفها حتى يتمكن رئيسه من الاتصال بها هاتفيا، وبمجرد ما شغلته في حوالي الساعة الثانية إلا ربع صباحا، توصلت بمكالمة هاتفية منه، أكدت في شكايتها أنها لم تزوده بأي معلومات عن صديقتها، وأخبرته أن مشاكلهما لا تعنيها، مشيرة إلى أنه خيّرها بين أمرين، إما النزول إلى أسفل العمارة حيث تقطن من أجل مقابلته، أو أن يصعد إليها بمعية مساعديه، من أجل تكسير الباب والدخول باستعمال القوة.
معطيات الملف تشير إلى أنه أمام تهديده نزلت إليه، فوجدته داخل سيارة تابعة للقصر الرئاسي لجمهورية غينيا الاستوائية، وهو في حالة سكر طافح، ومعه صديقاه، اللذان يشتغلان مساعدين له في المهمة التي يقوم بها، ولما نزل أحدهما من السيارة، طلب منها الصعود والجلوس إلى جانبه، إلا أنها رفضت، مضيفة أنهم نزلوا جميعا من السيارة وحاولوا وضعها في السيارة إلا أن مقاومتها ومحاولتها الفرار جعلتها تسقط أرضا على صدرها، وحينها أوردت أنهم عملوا على ضربها و«رفسها» وركلها بأرجلهم، من أجل إرغامها على الركوب، قبل أن يصبوا على جسدها قنينات الخمر.
وبالرجوع إلى الرواية التي قدمتها السيدة المشتكية، وجرى إثرها فتح هذا الملف، سيتبين أنها أكدت أن مجموعة من الأشخاص أبناء الدولة التي كانت فيها، تحلقوا حولها، وعاينوا مشهد الاعتداء عليها، وحاولوا مساعدتها، قبل أن يلتحق بهم أحد المستخدمين بالقصر الرئاسي، ليتم نقلها إلى مقر إقامتها، دون أن يحضر أي مغربي لهذه الواقعة. وإثر ما أكدت أنها تعرضت له، انتقلت إلى المصحة التي تشتغل فيها، ليس من أجل استئناف عملها، بل للخضوع إلى فحوصات طبيب معالج، عاين الرضوض التي أصيبت بها، وقضت ليلة كاملة في الملاحظة الطبية، تحت إشراف طبيب تونسي، ثم غادرت في اليوم الموالي، بعدما سلمها الطبيب حفظي صلاح الدين، التونسي الجنسية، شهادة طبية مدة العجز فيها ثلاثة أيام.

ترحيل مفاجئ
أفادت السيدة المشتكية بأن موظفين في سفارة المملكة المغربية بجمهورية غينيا الاستوائية، زاراها في بيتها، واستفسراها عن ظروف الاعتداء الذي تعرضت له، فحكت لهما كل التفاصيل المتعلقة بالموضوع، قبل أن يطلبا منها زيارتهما في السفارة، في حال إذا كانت ترغب في تقديم شكاية ضد المعتدين، وهو ما لم تتردد في فعله، إذ أوضحت أن كاتب السفير استقبلها، وحرر لها شكاية، بعث نسخة منها إلى مقر وزارة الشؤون الخارجية والتعاون بالرباط، وسلمها نسخة منها، غير أن ذلك أعقبه بحسب ما أوردته، محاولة العميد الذي تتهمه بالاعتداء عليها، الصلح مقابل حصولها منه على مبلغ مالي، من خلال بعثه ثلاثة رجال شرطة مازالت تذكر أسماءهم، عرضوا عليها مبلغ 7000 أورو، فترددت في البداية إلا أنها قبلت بعد ذلك، شريطة تحرير المعتدين الثلاثة وثيقة يتعهدون من خلالها بعدم التحرش بها مجددا أو مضايقتها، إلا أنهم تخلفوا عن الحضور في مقر السفارة، بعدما أوردت أنها كانت تخطط للإيقاع بهم، بعد جرهم إلى الاعتراف بأفعالهم في حقها.
محاولة الصلح جاءت مرة ثانية عبر ممرضة تشتغل في المصحة نفسها التي تعمل بها منظفة، وأخبرتها أن الطبيب قد يحرر شهادة طبية يؤكد من خلالها أنها مريضة وتعاني من «البالوديزم»، ما سيستغله العميد في مواجهتها بتسييرها شبكة للدعارة، قبل أن يخبرها رئيسها في العمل بضرورة مغادرتها التراب الوطني، فتوجهت في 17 يونيو 2010، إلى المطار من أجل العودة إلى المغرب.

براءة بعد الإدانة
بعد دخولها المغرب، قدمت الضحية (م.م)، البالغة من العمر 57 سنة، عددا من الشكايات جرى فتح تحقيق فيها والاستماع إلى رجال الأمن المتهمين، والمتابعين بـ«محاولة الاختطاف باستعمال وسيلة من وسائل النقل ذات محرك والضرب والجرح». وجاء تفجير الملف، بعد الشكاية التي تقدمت بها إلى مراكز حقوقية، بالاعتداء عليها وإهانتها بشكل فظيع، والتحرش بها جنسيا وتعنيفها وصب الخمر على جسدها في الشارع العام، ومحاولة دهسها بسيارة دبلوماسية، والتلويح بترحيلها من هذا البلد الإفريقي، ثم تمت إحالة الملف على غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف بالرباط.
وكان المتهمون الثلاثة يحضرون في حالة سراح أمام المحكمة، كما هو الشأن بالنسبة إلى الضحية والشهود، الذين رفعت المعنية بالأمر في 25 ماي الماضي، مذكرة ضدهم إلى الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بالرباط، تشدد من خلالها على استدعائهم، خصوصا أنهم أمنيون الأول يدعى (م.ع) يشتغل في الجديدة، والثاني يسمى (م.ب) يعمل بمدينة خنيفرة، أما الثالث (م.ز) فيزاول مهامه بمدينة الدار البيضاء، ما جعل النيابة العامة تستجيب لملتمسها، وتستدعيهم إلى جلسة مناقشة الملف، غير أن الملاحظ فيها، بحسب ما عاينته «الأخبار» من تفاصيل الملف، هو تضارب رواياتهم في بعض الأحيان وتناقضها في أحايين أخرى، كما سبق وأن جرى لدى الاستماع إلى إفاداتهم لدى قاضي التحقيق، خلال جلسات التحقيق الإعدادي والتفصيلي في الملف، قبل إحالته على غرفة الجنايات الابتدائية بالمحكمة ذاتها، بعد تعيين النيابة العامة أولى جلسات البت فيه.
وذهبت المعينة بالأمر إلى حد المطالبة بالأمر بإحضار (ج.ه)، السفير المغربي آنذاك بغينيا الاستوائية، والذي تؤكد أنه على علم بكل التفاصيل الكاملة المتعلقة بالملف. قبل أن تطوي الهيأة القضائية المكلفة بالنظر في الملفات الجنائية، بغرفة الجنايات الاستئنافية بمحكمة الاستئناف بالرباط، ملفها عدد 2015/2643/24، وألغت القرار المستأنف وتصدّيا التصريح ببراءة المتهمين وبعدم الاختصاص في المطالب المدنية، وذلك بعدما قضت الهيأة القضائية المكلفة بالنظر في الملفات الجنائية، بغرفة الجنايات الابتدائية بالمحكمة ذاتها، بإدانتهم بعد إصدارها حكمها في حقهم، يقضي بخمس سنوات سجنا في حقهم، سنتين نافذتين وموقوفة في الباقي وغرامة مالية قدرها 15 ألف درهم، مع تعويض مدني للضحية قدره 30 ألف درهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى