شوف تشوف

جابها الله

قبل أشهر صدمت ابنة رئيس جهة مراكش سيارة تابعة للجهة بعمود ضوء في شارع عبد الرحيم بوعبيد، ونهاية الأسبوع الماضي صدم ابن العنصر رئيس جهة فاس مكناس بسيارة تابعة للجهة سيارة أخرى من الخلف في شارع المهدي بنبركة.
فهل هي مصادفة أن يستغل أبناء رؤساء الجهات سيارات المصلحة لارتكاب حوادث في شوارع العاصمة التي تحمل أسماء قادة اتحاديين؟
وإذا كانت ابنة خشيشن غير متعودة على السياقة بحكم أنها لم تكن تتوفر على رخصة، فإن ابن العنصر عريق ولديه سوابق في حوادث السير، فقد سبق له أن قتل مواطنا بسيارته وحكم عليه بالسجن مع وقف التنفيذ، ويبدو أن المحكمة راعت في حكمها ظروف التخفيف حتى لا يفقد ابن سعادة الوزير آنذاك وظيفته، رغم أنه تسبب في فقدان مواطن مغربي لحياته.
تواتر استعمال أبناء رؤساء الجهات لسيارات الجهة لارتكاب حوادث سير يتطلب وقفة قانونية صارمة للحد من هذه «الضصارة» وهذا «الفشوش» الذي أصبح مقرفا.
ولعل المرض الحقيقي ليس هو استغلال أبناء بعض المسؤولين وممثلي الشعب لسيارات «جابها الله» لـ«لصطحها» مع الجدران والبوطوات، بل المرض الحقيقي اسمه ريع سيارات الدولة.
نتحدث عن أسطول عدد السيارات بحظيرة الدولة يقدر بحوالي 184 ألف سيارة، مقابل 72 ألف سيارة بالولايات المتحدة الأمريكية و3400 سيارة باليابان.
ولذلك فإن تكاليف سيارات الدولة بالمغرب هي الأضخم في العالم، وفقط في سنة 2018 بلغ مجموع تأمينات سيارات المؤسسات العمومية والجماعات الترابية حوالي 4.5 ملايير سنتيم، ليكلف مجموع تأمينات سيارات الدولة ومؤسساتها حوالي 11 مليار سنتيم، هذا دون الحديث عن 54 مليار سنتيم لشراء الكازوال والزيوت و30 مليار سنتيم للصيانة.
وقد كان دافعو الضرائب ينتظرون من رئيس حكومة جاء على صهوة شعارات محاربة الريع وترشيد النفقات العمومية أن يضع حدا لهذا المنكر، لكنه بمجرد جلوسه على كرسي السلطة بدأ يدافع عن ركوب وزرائه السيارات الفاخرة، ونسي أنه خلال العام الأول من ولايته الحكومية، دعا وزراءه إلى نهج سياسة التقشف في ما يخص اقتناء السيارات، وأصدر منشورا يتضمن مقتضيات تروم تشديد المراقبة على اقتناء سيارات الدولة، وتصنيف السيارات وفق الرتب والمسؤوليات وتحديد سقف مالي أقصى لكل صنف من أصنافها، أغلاها سيارات الوزراء والتي طلب عدم تجاوز ثمنها الأقصى 45 مليون سنتيم، و35 مليون سنتيم كأقصى ثمن لسيارات الكتاب العامين ومدراء المؤسسات العمومية، و30 مليونا لسيارات رؤساء الدواوين، و12 مليون سنتيم لسيارات الموظفين، بالإضافة إلى منع مسؤولي الدولة وموظفيها من الجمع بين التعويض عن التنقل ووضع سيارات رهن إشارتهم.
لكن هذا المنشور «تبخر» بعد سريان «حلاوة» كراسي الدواوين الوزارية، فبدأت آثار النعمة تظهر على وزراء الحزب الحاكم، فغادروا الأحياء الشعبية للعيش في المنتجعات الشاطئية، وغيروا سيارات «داسيا» و«الكونغو» بسيارات حكومية فاخرة، ومنهم من أصبح يركب سيارة مصفحة ألمانية الصنع بهيكل مضاد لرصاص مختلف أنواع الأسلحة والقنابل، كما صنع الرميد عندما كان وزيرا للعدل.
ثقافة «التفطاح» بسيارات الدولة لم تقتصر على وزراء الحزب الحاكم بل تجاوزتها لكي تشمل رؤساء وعمداء المدن المنتمين إلى الحزب نفسه، وأول القرارات التي اتخذوها في أول دورات المجالس الجماعية وقبل «تسخين» كراسيهم، مباشرة بعد الانتخابات الأخيرة، هي برمجة ميزانيات لاقتناء سيارات جديدة، وكأنهم دخلوا «ملهوفين» على المال العام وركوب السيارات الفاخرة.
وبلغة الأرقام فقد بلغت حظيرة سيارات الدولة التي تتولى الشركة الوطنية للنقل والوسائل اللوجستيكية تدبيرها 184 ألفا و458 عربة في ملكية الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات والمقاولات العمومية، دون الأخذ بعين الاعتبار العربات غير الخاضعة لتدبير الشركة المذكورة، في حين كانت الحظيرة، تبلغ خلال سنة 2011، ما مجموعه 155 ألفا و417 عربة.
وخلال الولاية السابقة، التي كان يدعي رئيسها تطبيق التقشف، تم اقتناء 29 ألفا و41 سيارة، منها 24 ألفا و305 عربة للدولة، التي انتقلت من 79 ألفا و610 عربة في نهاية سنة 2011 إلى 103 آلاف و915 عربة متم سنة 2013، وتم اقتناء 3439 عربة في ملكية الجماعات الترابية، حيث انتقل مجموعها من 38 ألفا و467 عربة سنة 2011 إلى 41 ألفا و906 عربة متم سنة 2013، وتم اقتناء 1297 سيارة في ملكية المقاولات والمؤسسات العمومية، لينتقل مجموعها من 155 ألفا و417 عربة سنة 2011 إلى 184 ألفا و458 عربة متم سنة 2013، وتبلغ القيمة الإجمالية لكميات المحروقات المستهلكة من قبل سيارات الدولة، ما يناهز 300 مليار و600 مليون سنتيم، في حين لا يتجاوز عدد الموظفين 900 ألف موظف بمن فيهم موظفو الجماعات المحلية، ما جعل المغرب يحقق رقما قياسيا عالميا في عدد سيارات الدولة مقارنة مع دول متقدمة يتجاوز عدد موظفيها بأربع مرات عدد الموظفين بقطاعات الوظيفة العمومية بالمغرب، والكارثة هي أن هناك مسؤولين يجمعون في آن واحد بين استفادتهم من سيارة الخدمة وتعويضات التنقل التي تصل إلى 3000 درهم للمدراء المركزيين، و2000 درهم لرؤساء الأقسام، و1250 درهما لرؤساء المصالح.
وتستهلك السيارات التي توجد في ملكية الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات والمقاولات العمومية، حوالي 160 مليار سنتيم من الوقود سنويا، وخلال سنة 2013، استهلكت سيارات الدولة 97 مليار سنتيم من الغازوال، و37 مليار سنتيم من البنزين، واستهلكت سيارات الجماعات الترابية، 11 مليار سنتيم من الغازوال، و5 ملايير سنتيم من البنزين، واستهلكت سيارات المقاولات والمؤسسات العمومية، 8 ملايير سنتيم من الغازوال، و800 مليون سنتيم من البنزين.
«ها الفلوس فين كايضيعو أسي العثماني، فالعوض ما تسد هاد الثقبة مخليها وكالس كاثقب فجيوب المغاربة».

مقالات ذات صلة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى