الرأي

جلطة سياسية

حسن البصري
ناب الأمين العام للحزب الحاكم في الجزائر عن الأطباء، وأكد للشعب خلو الرئيس عبد العزيز بوتفليقة من نواقض الترشيح، معلنا سلامة الحاكم صحيا مبشرا الحاضرين في تجمع خطابي بترشيح الرئيس للانتخابات الرئاسية. ولد عباس، أمين جبهة التحرير الوطني لا يمزح لذا على الجميع أخذ القرار مأخذ جد، رغم أن الانتخابات ستجرى في أبريل شهر الكذب والمزاح.
لا ندري ما إذا كان الرئيس على علم بقرار ترشيحه لولاية خامسة، أم أنه فوض أمره لله وللراسخين في السياسة، فالرجل الصامد أمام عوامل التعرية، نادرا ما يظهر للعموم، لأنه يعاني من مضاعفات جلطة دماغية، وكل ما يطلبه من رئيس وزرائه تعيين وزير صحة له شبكة علاقات مع المصحات الفرنسية في باريس وغرونوبل.
اجتاحت حالة من الغضب الشرائح الشبابية للبلاد، واختار الكثير من الجزائريين الصمت إيمانا منهم بأن الخرف وقار، فيما عبر محللو الشأن السياسي في فضائيات عربية وفرنسية عن قلقهم لغياب مرشح كامل الأوصاف، ونادوا بتعديل الدستور كي لا يظل مجرد مقرر مدرسي للتاريخ ألفته نخبة من المجاهدين وراجعه مجلس الشعب قبل أن يدخل حيز التطبيق.
ولأن الرئيس يبلغ من الكبر عتيا، فإن الخوف من المستقبل يظل مشروعا، والحديث عن رؤية شبابية ومشروع مستقبلي يثير السخرية، وتحريك عجلة التنمية يغدو عبثا في ظل رئيس لا يحرك ساكنا، وكلما استفسر أحدهم عن سر التمسك بكرسي الحكم كان الرد: «العلبة الصوتية ممتلئة.. حاول مرة أخرى»، فيكتفي بأجر المحاولة.
أحد السياسيين الشباب، أعلن سخطه على الترشيح، واعتبره درسا في إمكانية الجمع بين السياسة والخرف، لأنهما من فصيلة واحدة، وخلص إلى أن جدل من الأسبق الدجاجة أم البيضة؟ قد حسم في الجارة الشرقية، وتبين أن بوتفليقة هو الأسبق، وأنه كائن محنط قابل للتعايش مع الزعامة، بأقل ظهور ممكن على شاشة التلفزيون الرسمي.
إحدى القنوات أحسنت الاختيار، حين استضافت خبيرا في الحفريات لمناقشة موضوع الولاية الخامسة، فأبدى مخاوفه من هيمنة السياسيين مطالبا بإشراك علماء الآثار في الانتخابات الرئاسية وإجراء تعديل طفيف على اسم البلد بحذف كلمة «الديمقراطية» من التسمية الرسمية.
ليس بوتفليقة هو الوحيد الراغب في عمر سياسي جديد، ليس هو الزعيم الذي التصق بالكرسي فابتكر لغة الخشب وانتدب نجارا وصانع أرابيسك ضمن ديوانه السياسي، بل هناك مئات المسؤولين الذين يرفضون فعل «تنحى» و«استقال»، ويصرون على الاستمرار في الزعامة وسط أكوام الدواء وكشوفات المرض، وفي حظيرة السيارات عربات بـ «ولوجيات» وكراسي متحركة أقرب إلى الروبو.
عشرات البوتفليقيين يعيشون بيننا يتحملون عاهاتهم من أجل الوجاهة، يحرصون على توقيف عقارب الساعة كي لا يعبر بهم الزمن نحو خط الوصول، يتطلعون إلى ولاية أزلية، يموت أطباؤهم وينفد رصيد الدموع عند أقاربهم، ولازالوا يجلسون على كرسي لا يهم أكان متحركا أم ثابتا، ولا يهم إن كان سيادته زعيم دولة أو زعيم فريق أو رئيس هيئة للصحافيين، ما يهمه أن يصبح رئيسا بالتقادم وأبا روحيا وإن كان عقيما.
نعود إلى الجزائر، التي تعرف في هذه الأيام جدلا آخر، حول الصلاة في المدارس، حيث تصاعد الغضب الشعبي ضد وزيرة التعليم، على خلفية تصريحات لها بشأن منع أداء الصلاة في المدارس، رد الفعل جاء من خلال حلقات في المساجد وساحات المدارس، إضافة إلى تنظيم صلوات جماعية في مؤسسات تعليمية.
نحن مع الصلاة في المدارس ابتغاء الدعاء لرئيس الجمهورية كي يطيل الله في عمره ويمنحه من حيث لا يحتسب بعهدة خامسة وسادسة. ونحن مع الابتهالات في التجمعات الدينية عند افتتاح مواسم الأولياء الصالحين والذين انتهت صلاحيتهم، ومع الدعوة الفورية في عز الشتاء لصلاة «الاستبقاء».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى