شوف تشوف

جوا منجل (2/1)

أخشى ما نخشاه، ويخشاه معنا الحريصون على استمرار وتطور تجربة حزب العدالة والتنمية، كحزب سياسي يشتغل داخل الشرعية، هو أن يأتي يوم يردد فيه بنكيران حكاية «الفروج» نفسها التي حكاها هبيل فاس، والذي انتهى إلى خلاصة درامية بسبب «قصوحية الراس» جعلته يتمنى لو أنه ذبح في عزه عوض أن ينتهي «مجرتلا» وسط «بزق» الدجاج مجبرا على التعصر لكي يبيض ضدا على الطبيعة.
لحسن الحظ أن البلاد «ما عطالاش» على بنكيران وحكومته، ففي هذه الفترة التي فشل فيها في تشكيل أغلبيته تم التوقيع على أكبر اتفاقية استثمارية في تاريخ المغرب وإفريقيا حجمها 4500 مليار درهم،
ووصلت النفقات المؤداة من الاعتمادات المخصصة للاستثمار اليوم 71 بالمائة عوض 66 بالمائة في الماضي، وهي نسبة تاريخية. أما البنك الدولي فقد وجدها من الجنة والناس، فقد عبر وفد عن هذا البنك زار المغرب مؤخرا والتقى بنكيران، عن ارتياحه لتعامل الحكومة مع الخط الائتماني الثالث الذي وضعه البنك رهن إشارة الحكومة، ويقدر بحوالي ثلاثة مليارات دولار ونصف، وسعادة أصحاب البنك الدولي في عدم تشكيل الحكومة تكمن في الاستغناء عن استعمال ميزانيتي التجهيز والاستثمار، فما يهمهم هو توفر المال في صندوق الدولة لدفع أقساط ديونهم التي في عنقنا.
الحكومة سيتم تشكيلها اليوم أو غدا، وهذا ليس هو المشكل، المشكل الحقيقي الذي يجب أن يعالجه بنكيران، والأمين العام الذي سيأتي بعده خلال المؤتمر المقبل للحزب، هو القطع مع الغلو والتشدد ودعوات القتل والترهيب التي ترتفع داخل الحزب بين وقت وآخر، وتقابل بالتساهل والتغاضي أحيانا وأحيانا أخرى بالدفاع والتبني.
ولعل هذا ما سيشطر الحزب ويمزقه، خصوصا بعدما قضى بنكيران أشهرا وهو «متشبط» بمن سماه عن حق هبيل فاس وجرجرته لمفاوضات إخراج الحكومة طيلة كل هذا الوقت.
ولعل تعنت بنكيران وتمسكه الطفولي بهبيل فاس أثار الكثير من النقاشات داخل بيت «البيجيدي» وكشف عن انقسام واضح بين مؤيدين لبنكيران وتعنته، في قضية هبيل فاس كما في غيرها من القضايا، وبين رافضين للمغامرة بالمصالح العليا للبلاد بحجة شعارات عاطفية لا مكان لها في السياسة كـ»عطيت الكلمة»، و»الرجولة»، وكأن الكلمة التي أعطاها بنكيران للمواطنين ووعدهم بغد أفضل قد حققها، والرجولة التي وعدهم بها قد التزم بها، ولم يبق أمامه سوى تحقيق وعده لشباط في مفاوضات سياسية لا ثابت فيها، ودون مراعاة للظرفية الإقليمية والدولية في المشاورات عوض البحث عن الظهور أمام المندفعين من مناضلي حزبه بمظهر الزعيم الذي لا يقهر.
ومن المعروف عن القيادات والمناضلين داخل حزب العدالة والتنمية أنهم يكتمون خلافاتهم الداخلية ويستغلون مواقع التواصل الاجتماعي لتبليغ رسائل احتجاج مشفرة نحو بعضهم البعض يصعب قولها مباشرة، لكن حادث «تشبط» بنكيران بهبيل فاس خلف انقساما وخلق شرخا داخل الحزب بين مؤيد ومعارض، وبدت مؤشرات واضحة تدل على ذلك.
فقد كتب العضو البارز بالحزب بجهة الشمال، جواد وهبي، الذي استقال احتجاجا على فشل بنكيران في مفاوضات تشكيل الحكومة قائلا «عندما نصحت سابقا قيادة حزب العدالة والتنمية بعدم التمديد لبنكيران في الأمانة العامة واستبداله بشاب من شباب الحزب له من الكفاءة والرزانة والحكمة ما يؤهله لخوض المرحلة الثانية، خصوصا بعض الغضبة المعلومة، أجابوا بأن بنكيران يصلح للمرحلة السابقة والحالية واللاحقة وإلى الأبد.
وعندما نصحتهم بتقديم مرشح آخر لرئاسة الحكومة بعد الانتخابات لنزع فتيل الأزمة وبناء توافق مع الدولة وباقي الأحزاب قالوا بأن بنكيران يعرف ما يفعل ولن نفهم أحسن منه.
والآن بعد البلوكاج الحكومي ومسلسل الاعتقالات في صفوف شباب الحزب بتهمة الإشادة بالإرهاب أنصح قيادة الحزب بتدارك الأزمة، وكف بنكيران عن عناده القاتل ومباشرة التصالح والتوافق مع الدولة وقواها الحاكمة، قبل أن يتم حل الحزب نفسه بتهمة الإشادة بالإرهاب، واعتقال ما تبقى من أعضائه، فتلكم التهلكة وذلكم الخسران المبين، ولكم في الدرس المصري عبرة لمن يعتبر، والله أخشى أن يأتي يوم تقولون فيه بأن أحدهم نصحنا فكذبناه وخوناه وسخرنا منه، وأخشى أن يكون ذلك بعد فوات الآوان».
أما بعض المناضلين من الذين يكتمون أراءهم لاعتبارات عديدة فيعتبرون أن أكبر خطأ قام به بنكيران هو مغامرته وعناده وتحديه للجميع في مسألة «التشبط» بشباط كل هذا الوقت قبل أن «يسمح فيه»، بل والمغامرة بالوطن ككل من أجل حسابات سياسية يحضر فيها العامل الشخصي أكثر من الاستراتيجي، فضلا عن تعريض الحزب لعملية تدمير داخلية بعد سنوات من البناء.
وها هو جواد غسال، مستشار وزير «العزل» وما تبقى من حريات مصطفى الرميد، في شؤون السب والقذف ضد كل من يتجرأ على انتقاد وزيره قبل أن «يسمح فيه» هو الآخر بعد حادث الدمية الشهير أيام الانتخابات، خرج بتدوينة على موقعه الشخصي بالفيسبوك قال فيها «من يعرف القيادة التي تقود حزب العدالة والتنمية، يدرك حقيقة أن بنكيران يفتقد البطانة الناصحة، فأعضاء الأمانة العامة لحزب المصباح منقسمون بين المباركين لاستثنائية الرجل، والمنطوين مخافة اتهامهم بمزاحمته».
قبل أن يضيف في تدوينة ثانية «التبريريون… حزب يسكن كل الأحزاب، مستعدون لمساعدة الرياح على تبرير اتجاهها وسرعتها مهما كانت واختلفت».
وعلق أحد المناضلين على أن رسالة جواد غسال قد تكون نيابة عن كلام واحتجاج يريد الرميد توجيهه إلى بنكيران وبعض الجهات المعنية داخل الحزب بطريقة غير مباشرة، خاصة وأن المواقع الاجتماعية تعتبر المكان المفضل للإخوان من أجل «التقلاز من تحت الجلابة»، أما شعارات حرية التعبير والديمقراطية الداخلية، وفرية الرأي حر والقرار ملزم، فلا تعدو كونها شعارات تصلح للاستهلاك الخارجي فقط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى