الرأي

حب كبير أم وهم أكبر (1)

يخبرها والسحر الرجولي يتمرجح بين عينيه، أنها جوهرته الثمينة، وأجمل صدفة طرقت بابه. يمسك يدها الرشيقة ويكبس على أصابعها بعنفوانه الجامح، يهمس لها أنها المحببة إلى قلبه والمفضلة لديه، وأنها ماسة وأيقونة ونادرة وساحرة.. ويعود من حيث بدأ ليؤكد لها أنها جوهرة، تطول مقدمته بطول شعرها الغجري الداكن، الذي عشقها لأجله أول وهلة، ثم ينصرف للب الموضوع وقضية القضايا وأم النوازل.. أنت جوهرة والجوهرة يجب أن تحجب علن الأنظار، أنت جوهرة والجوهرة مخبأة داخل خمار، أنت جوهرة والجوهرة يفسدها النظر، أنت جوهرة والجوهرة لصاحبها ولا يقبل أن يراها بشر. أنت جوهرة وأنا مالكها، وبحُبي عليك الذي يمنحني الحق فيك، أرى أن تتحجبي، بما لي عليك من حقوق يكفلها لي الشرع والمهر الذي دفعت والعقد الذي أبرمت أرى أن تتركي عملك. بمالي عليك من درء لكلام الناس وكلام أهلي، أرى أن تغيري طريقة لبسك، بما لي عليك من ولاية ومعرفة كاملة لمصلحتك، أرى أن تلزمي بيتك، بقوامتي التي منحنيها الشرع، آمرك أن تتركي جامعتك، فأنا أكفلك وأوفر لك المأكل والمشرب.
ما تختلف به الأنثى عن الرجل أنها أحيانا تسمح للغباء أن يتلبسها كجني كافر إذا ما لامس شيء من الإعجاب قلبها، تستسلم للعينين الذابلتين وتآمن للوجه البسام وتركع لكلمة «حبيبتي»، وتقدم نفسها قربانا للأقاويل والأشعار والحكايا والأوهام وقصص الروائيين وخزعبلات الأتراك، تقامر بحلمها لأجل كلمة حب.. كلمة يلقيها المتيم ليثبت لنفسه أن لا شيء ينقصه ليعيش قصة حب وليعيش دور الزوج، لا شيء ينقصه ليكون مثل «كمال» صديقه الذي أحب وتزوج وأنجب، لا شيء ينقصه ليكون مثل «مراد» ابن عمته الذي تزوج زواجا تقليديا ويعيش في هناء مع زوجته الجميلة، لا شيء ينقصه ليكون هو أيضا سيدا في بيته يرتدي خاتما ويجر بجانبه سيدة جميلة محترمة يخبرها أنها جوهرته.. يصدق هو دوره وينساب في ترديد الكلام المرتب والملحن على مسامعها، وتصدق هي دورها فتتماهى في تجسيد العاشقة التي على أتم استعداد لأن تضحي بكل حياتها من أجل عينيه، فهي جوهرته، ملكه، وله، وشيء من أشيائه.
وتجسيدا لدور الرجل الآمر الناهي صاحب القوامة الكاملة، لا يلبث أن يمارس دوره في تشكيلها كما يشاء، معتقدا أنها بمجرد ما قبلت به فهي قد قبلت أن يعيد خلقها كما يشاء وكما تصور له رجولته في الحب ذلك. يحبها وهي سافرة الشعر ويأمرها بتغطيته بمجرد ما تخبره بحبها المتبادل، يحبها بجنونها وضحكها وخفة دمها ويأمرها بالصمت والرزانة والانضباط في ما بعد. يحبها بأناقتها ولباسها الملون والمزركش، ثم ينفعل ويرعد ويجن جنونه إذا رآها ترتدي فستانا كان يتغزل بها من قبل كلما ارتدته، ويأمرها بتغيير كل شيء وكل لون وكل فستان. يحبها كما هي أول الأمر، ويصر على إعادة صياغتها وعجنها وتشكيلها كما يحلو له ذلك. يحبها كجوهرة خام لم تخدشها مطرقة ولم يحدد أطرافها منشار صائغ، ثم يرغب في أن يكون هو الصائغ، يُقلم أطراف طموحها، ويرسم لها معالم الطريق التي يجب أن تسير عليها لتلائم «بريستيجه» وطريقة تربيته وأفكار عائلته وتخلف مجتمعه.
تقبل هي بدور الزوجة المطيعة الذي تلعبه فتعزو الأمر كله للحب الكبير، والوله الضخم والاهتمام والارتباط والوعد والميثاق والغيرة الجامحة.. تعطيه الحق بأن يخفي ملامحها، بأن يجعلها ملكية خاصة كالبيت والسيارة والأمتعة، تستيقظ بعد زمن طويل لتكتشف أنها تمارس دورا وتلبس قناعا وتجسد بطولة مسرحية متعددة الفصول، لا كيان لا خصوصية لا طموح لا إنجاز لا هدف لا مشروع لا قيمة لا هم لا قضية لا عمل لا شهادة لا مركز لا استقلالية.. سوى النكاح والأكل والنوم والسهر والتكاثر… فأين يكمن الخلل الأكبر يا ترى؟!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى