الرأي

دراسة عن السلاحف

يونس جنوحي
كم عدد الدراسات التي وعدت مؤسسات تابعة للحكومة، أو خاضعة لرقابتها، بإنجازها لتحديد سياسات مستقبلية؟ طبعا لا يهم هنا العدد بقدر ما تهم العبرة من هذا النوع من الدراسات ذات الصبغة الرسمية.
وعدوا بدراسات عن جدوى تقسيم الساعات الرسمية لأوقات الدراسة داخل المدارس العمومية وتحويلها إلى حصص صباحية وأخرى مسائية. ولم نر أي دراسة عن هذا الموضوع، وبقي إشكال الوقت الثالث بالنسبة لملايين التلاميذ المغاربة دون جواب.
أما الدراسات الأخرى عن أسباب ارتفاع حوادث السير والعنف في الخطاب اليومي للمغاربة وأسباب ارتفاع نسب الانتحار في مناطق دون غيرها، فيبدو أن موضوع إطلاق دراسات لتحديد الأسباب والبحث عن حلول أو طرق لإيقاف هذا التضخم في الأرقام، سيطول أكثر مما طال حتى الآن.
لا توجد دراسات جدية عن التحولات الاجتماعية التي يعيشها المغاربة. فوارق شاسعة وتغير في أنماط العيش وحتى في الخطاب اليومي المتداول في الشارع. مغاربة يسيرون نحو الهاوية بأعين مفتوحة. يتحدثون في كل شيء ويُحدثون لأنفسهم واقعا افتراضيا يقود أغلبهم إلى السجن بتهم السب والقذف والتشهير. يتطلقون بنسب توازي تقريبا نسب الزواج ويتركون حزمة من الأطفال عرضة للأمراض النفسية والعقد الاجتماعية.
لا بد من إطلاق دراسات اجتماعية عميقة في المغرب. في الجنوب كما في الشمال. الحل الوحيد لوقف هذا النزيف الاجتماعي هو معرفة مكامن الخلل بالضبط.
المثقفون لا يقومون بأي دور في هذا الباب. الإعلام يعيش أكبر انتكاسة له خلال السنوات الأخيرة. تسيب واضح في المهنة ومواقع إخبارية لا هم لها سوى الحياة الخاصة للناس.. تمارس التشهير أكثر مما تمارس الإخبار. أكبر انتعاش لهذه الصحافة الصفراء الداكنة، أطلقت في فترة إشراف مصطفى الخلفي، الإسلامي يا حسرة، على وزارة الثقافة والاتصال، ومن وقتها وقطاع الثقافة والاتصال في ما يشبه انتكاسة، لا زلنا نعيش تبعاتها إلى اليوم.
لماذا لا تطلق وزارة الثقافة مجموعة من الدراسات الاجتماعية لرصد كل هذه التحولات الخطيرة في حياة المغاربة؟ هناك مُجازون كثر في شعبة علمي النفس والاجتماع، ولن يكون مكلفا توزيع الدراسات على أفواج من الخريجين لإنجازها كجزء من بحث التخرج في السنة الختامية.
وعلى ذكر التّخرج، فإن المشاكل الأخلاقية التي تُعرض كل عام وتكون موضوع السرقة العلمية والملكية الفكرية، تستحق بدورها أن نقف عندها ما دام بعض مرتكبيها يتبوؤون مناصب علمية وفكرية عليا في جامعات المغرب. ماذا سيكون رد فعل آلاف الطلبة الذين تخرجوا ويتخرجون سنويا على يد هذا النوع من الأساتذة الذين اتضح ارتكاب بعضهم لسرقات فكرية يكون ضحاياها من طلبتهم؟
رئيس الحكومة السابق، بدل أن يصمت أو يُدلي على الأقل بما ينفع الناس أو ما يكون اعتباره خلاصة نهائيا لتجربة مطوية، لا يزال مصرا على الثرثرة قرب «بورقراق»، على شاكلة «ثرثرة فوق النيل»، ويتحدث عن مغبة التهرب الضريبي، رغم أننا في ولايته الحكومية لم نر أي دراسة أو مبادرة لمصالحة المغاربة مع الضريبة. مسؤولية المواطنة تكون دائما على عاتق السياسي، لأنه الوحيد القادر على مصالحة المواطن مع الإدارة. وأي كلام إضافي في هذا الباب ليس إلا نوعا من الاستعراض الكلامي الفارغ.
وربما تكون الدراسة المناسبة الوحيدة في هذه الأجواء، هي دراسة حول السلاحف. أولا لأنها تعمر طويلا، وقد يصل عمرها إلى المائتي سنة تقريبا. وهي المدة الكافية لانتظار نتائج بعض الدراسات التي قيل إن حكومات سابقة أطلقتها دون أن يسأل أحد عن نتيجتها. دراسة حول السلاحف، ستكون مناسبة للسرعة التي تسير بها هذه الكائنات الوديعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى