الرأي

درس ملكي لعشيرة الكرة

سقط أهل الكرة من لائحة المنعم عليهم أخيرا بأوسمة ملكية من طرف العاهل المغربي محمد السادس، ورغم أن قصر مرشان، الذي كان فضاء لاستقبال ملكي بمناسبة الذكرى الثانية والخمسين لميلاد ملك البلاد، لا يبعد إلا بأمتار قليلة عن ملعب مرشان لكرة القدم، إلا أن صدور «لكوايرية» أعفيت من الأوسمة، في إشارة عميقة لكساد كرة كشفت التحاليل أنها محشوة بالهواء الفاسد.
في زمن غير بعيد كان للرياضيين نصيب الأسد من الأوسمة والنياشين، حين كانوا يرفعون العلم المغربي خفاقا في المحافل الرياضية، قبل أن يعلنوا استقالتهم من المنافسة على الألقاب ويكتفوا بالمشاركة بـ«سيلفيات» للذكرى ينالون من ورائها مئات النقرات على «جيم».
تساءل أحد الزملاء في زاويته الصالحة، عن سر عدم توشيح المهدي بن عطية، مدافع المنتخب وبايرن ميونيخ، لكن الجواب جاء من ألمانيا حين أرسل عميد منتحلي صفة الأسود، شهادة طبية لجامعة الكرة طالبا الإعفاء من السفر إلى جزيرة ساو تومي، وأصيب المهدي في مباراة فريقه ضد هوفنهايم.
في عهد الملك الراحل محمد الخامس، وجه القصر برقية مستعجلة إلى رئيس نادي مونبولييه الفرنسي، يطلب منه السماح للاعب المغربي عبد الرحمن بلمحجوب بالحضور على وجه السرعة إلى الدار البيضاء لتسلم وسام ملكي قبل انطلاق أول مباراة نهائية لكأس العرش جمعت المولودية الوجدية بالوداد البيضاوي، وكان من بين الموشحين الأب جيكو وتشكيلة من النجوم الذين وجد المذيع المرحوم الغربي صعوبة في النطق بأسمائهم المرعبة.
في عهد الحسن الثاني، كان للأوسمة وزير صعب المراس، اسمه مولاي حفيظ العلوي، يتفحص بنظراته الثاقبة المنعم عليهم، رغم اختفاء عينيه وراء عدستي نظارة تعادل في سمكها قاع الكأس، كان يقرأ السير الذاتية للمنعم عليهم ويتمنى لو يخضعهم لاختبار بدني وتقني قبل الحصول على الوسام، فالجميع كان يخفض له جناح الذل ويردد الحوقلة إلى أن يأتي الله وساما كان مكتوبا.
قبل سفر البعثات المغربية إلى الأولمبياد مرة كل أربع سنوات، كان ملك البلاد يخصص استقبالا حاشدا لممثلي الرياضة المغربية فيوصيهم خيرا بـ«منبت الأحرار»، وحين يعودون إلى البلاد يغادرون المطار من الباب الخلفي خوفا من نظرات الغاضبين. منذ دورة أثينا 2004 أصبح السفر إلى الأولمبياد أشبه بهجرة سرية تحت جنح الظلام، لا ينال فيها ممثلونا سوى تلك البذل الموحدة التي وزعت عليهم قبل ركوب الطائرة.
نامت الكرة المغربية طويلا واستيقظت على فوز بالوصافة العالمية، حينها استقبل ملك البلاد أعضاء فريق الرجاء البيضاوي، ووشحهم بميداليات و«مأذونيات»، وأرض لإقامة مدرسة لكرة القدم، وقبل مغادرة القصر الملكي بالدار البيضاء، اختار الرجاويون خنادق المواجهة وأعلنوا بداية حرب أهلية، كان من ضحاياها صلاح الدين بصير والمكتب المديري للرجاء.
لا ينكر لاعب فضل الهبات الملكية عليه، فهي التي جعلت كثيرا من قناصي الفرص، ينعمون في الخيرات بعيدا عن ملتمسات المباريات التكريمية التي لا تسمن ولا تغني من جوع، أو استثمار جود العيناويين في كأس «الصدقة الجارية»، الذي جعل الفريق الإماراتي ينوب في التكريم عن جامعة كرة القدم.
لا يقنع كثير من اللاعبين والمدربين بالوسام ودرجاته، بل يمارسون، كلما لاحت فرصة لقاء المثول بين يدي ملك البلاد، هواية دس الأظرفة المعبأة بسطور النكبات ما ظهر منها وما بطن، لذا يجد القائمون على البروتوكول صعوبة في فرز عشرات الأظرفة التي قد تختلف ألوانها وخطوطها، لكنها مكتوبة بحبر الاستجداء.
الاستثناء الوحيد في حكاية أظرفة الرياضيين، هو الاستقبال الملكي لممثلين عن جمعية للصحافة الرياضية في بداية القرن الحالي، إذ فوجئ مسؤول البروتوكول بعدم تقديم ممثلي الجمعية طلبات إلى الملك على غرار باقي الرياضيين، لكن رئيس الجمعية أخرج المسؤول من حيرته حين همس في أذنه قائلا: «قول لسيدنا هاذو كيشدو الأظرفة مكيعطيوهاش».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى