الرأي

رسائل من زوج بغال

حسن البصري
سيحط المنتخب المغربي الرحال في الشرق المغربي. سيخوض الفريق الوطني الأول مباراة في وجدة وسيخوض المحليون مباراة في بركان، وستنعم السعيدية باستضافة اللاعبين المغاربة وسيرسل البحر الأبيض المتوسط نسائمه إلى معسكر المنتخب الوطني.
«الفريق الوطني في وجدة وبركان.. يا مرحبا يا مرحبا»، هكذا يقول لسان حال أهل الشرق، وهم يدشنون لزمن انتهت فيه صلاحية الملعب الوحيد، وصرف فيه المسؤولون النظر عن ملعب مراكش، وقرروا أن يكون لكل ملاعب المغرب الحق في احتضان مباريات الفريق الوطني بكل فئاته.
بإمكان المنتخب الآن أن يستخلص شهادة السكنى من أي ملعب في أية مدينة، فلكل مدينة مغربية نصيب من الفرجة، انتهى إذن ريع الاستقبال الحصري للمباريات الدولية وأصبحت أمرا مشاعا بين كل المدن شريطة توفر الحد الأدنى في بنيات الاستقبال.
سيكون من الصعب إقناع بعض لاعبي المنتخب المغربي باستبدال مراكش بمدينة أخرى، لأنهم اعتادوا على تمديد مقامهم في فنادقها ورياضاتها ونسجوا مع أجوائها المرحة علاقة وجدانية جعلت رحلاتهم إلى ملعب مراكش جزءا من برنامج «رياضة وسياحة». بل إن بعض اللاعبين المحترفين في الخارج سجلوا أسماءهم بالمداد والدم في سجلات حوادث السير ومعارك الملاهي اسألوا الشرطة السياحية للمدينة الحمراء فلديهم الخبر اليقين.
حينما زرت المعرض المغاربي الأول للكتاب والنشر في وجدة، قلت في قرارة نفسي: «وداعا لمركزية وتمركز التظاهرات الثقافية، في انتظار نقل تظاهرات رياضية إلى عاصمة الشرق»، أما التظاهرات الفنية فالسعيدية لها جاذبيتها.
ولأن وجدة مدينة حدودية، فقد كنت دائما أجد فيها شيئا من الجزائر، بعضا من روحها، فاللهجة تتقارب والأصول تتشابك، ونسائم مغنية تنبعث من معبر «زوج بغال»، في وجدة توقف قطار المغرب العربي الذي كان يأخذك من مراكش إلى تونس، فتساءل فريد الأطرش بنبرة حزينة «مراكش فين وتونس فين؟».
هل يمكنك زيارة شرق المملكة دون أن تلح عليك الجزائر؟ لذلك كان قرار إجراء مباراة بين المنتخب المغربي ونظيره الجزائري في بركان، قرارا حكيما يحمل في طياته رسائل سياسية لمن يهمه الأمر، سيستنشق أشقاؤنا ريح الحنين لزمن كانت فيه الحدود مجرد باحة للاستراحة، سيعرفون أن حرس الحدود سئم من الوقوف أمام علامة تشوير طالها الصدأ.
كلما لاح موعد مباراة في كرة القدم بين الجزائريين والمغاربة، يتذكر «لكوايرية» الحدود البرية المغلقة، ويسألون عن حال «زوج بغال» اللذين أصيبا بالوهن من جراء خلافات سياسية لا دخل للبغال فيها.
من الصدف العجيبة أن يقابل المنتخب المغربي نظيره الليبي، في وجدة التي وقع فيها الحسن الثاني ومعمر القذافي «اتفاقية وجدة» التي أنهت دعم العقيد لانفصاليي البوليساريو. في خيمة غير بعيدة عن الملعب غنى المطرب الليبي محمد حسن رائعته «وجدة يا هوى العشاق»، ثم مات، وفيها طوى الليبيون والمغاربة صفحة خلاف دام طويلا.
الآن يعود المنتخب الليبي إلى وجدة ليخوض مباراة ودية أمام المغاربة بلاعبين من جيل آخر لا علم له بمباريات الحسن الثاني والقذافي، وسيخوض المنتخب الجزائري مباراة ضد المنتخب المحلي المغربي على بعد كيلومترات قليلة من الحدود الفاصلة بين البلدين.
ذات يوم فكر مشجعون رجاويون في وسيلة لفك الحصار المضروب على العلاقات بين البلدين، فأنجزوا لوحة فنية «تيفو» تحمل عبارة «لله يا جزاير»، ولكن السلطات الأمنية صادرت اللوحة ومنعت تسييس مباراة في كرة القدم. قال ضابط الشرطة لقيادة الفصيل: «لا تطبيع مع الجزائر قبل التطبيع مع الوداد»، ثم اختفى وسط جحافل أشباه المنظمين، لم يجد الأنصار بدا من ترديد مقطع الاستسلام الشهير للفنان الجزائري في كورال جماعي: «سي لافي لالالالا».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى