شوف تشوف

شوف تشوف

ريحة لبلاد

 

 

 

 

الكل انشغل بتأهل الفريق البلجيكي إلى ربع نهائيات كأس العالم وأجمع على أن اللاعبين ناصر الشاذلي ومروان فلايني، اللذين كانا وراء هذا الإنجاز، مغربيان وأن المغرب هو سبب تأهل الفريق البلجيكي، ومنهم من ذهب إلى أن المنتخب المغربي كان سيتأهل لو أن اللاعب فلايني كان في صفوفه، ونسوا أن المدرب فتحي جمال سبق له أن قال لفلايني عندما جاء وعمره 16 سنة لكي يجتاز معسكرا تدريبيا سنة 2004، لاختيار 21 لاعبا لخوض نهائيات كأس العالم للشباب التي أقيمت بهولندا، إنه لا يملك صفات لاعب كرة القدم. فلم يكن أمام اللاعب الشاب فلايني سوى أن ينضم للمنتخب البلجيكي، وبقية القصة تعرفونها.

وإذا كان المدرب فتحي جمال قد أخطأ التقدير في ما يخص مؤهلات الشاب فلايني فإن التاريخ الكروي سيحسب له تنبؤه بمستقبل اللاعب المهدي بنعطية الذي كان أول من استدعاه ليلعب في المغرب لأقل من 20 سنة.

ليس المنتخب البلجيكي وحده من يضم لاعبين من أصول إِفريقية، فهناك المنتخب الفرنسي الذي يضم في صفوفه 14 لاعبا من أصول إِفريقية، ولولا الزي الأزرق الذي يرتديه الفريق لظننت أنه فريق إحدى دول القارة السمراء، حتى أن الساخرين في مواقع التواصل الاجتماعي صنعوا نكتة تقول إن المنتخب الفرنسي هو المنتخب الإفريقي الوحيد الذي ما زال لم يقص بعد.

وقبل افتخار المغاربة باللاعبين فلايني والشاذلي، لطالما افتخروا بكون عمدة روتردام مغربيا اسمه أحمد بوطالب، قبل أن يصدمهم بتصريح قال فيه إنه يشعر بنفسه هولنديا وأنه يخدم المواطنين الهولنديين الذين انتخبوه، وأن الرسوم المسيئة للرسول هي حرية تعبير وأن المسلمين الذين لا يستطيعون القبول بذلك ما عليهم سوى أن يحزموا حقائبهم ويرحلوا.

شخصيا أعتبر أهم شيء حدث في بلجيكا الأسبوع الماضي هو التصويت في بلدية بروكسيل بالأغلبية على إطلاق اسم باتريس لومومبا على ساحة بالمدينة.

هذا الزعيم الإفريقي الذي بمجرد ما انتخبه مواطنو الكونغو رئيسا لأول حكومة بعد الاستقلال اعتقله خصمه  موبوتو سيسيسيكو، بمساعدة السفارة البلجيكية وبضوء أخضر من أمريكا، واقتيد إلى غابة بصحبة مرافقيه وأفرغ في أجسادهم نصف كيلوغرام من العيارات النارية.

بعد ذلك بأربعة أيام سيسلم القتلة جثمان باتريس لومومبا إلى ضابط شرطة بلجيكي يدعى جيرارد سويت الذي تكفل بتقطيعها إلى قطع صغيرة وتذويبها في حمض الكبريتيك.

وقد اعترف الضابط سويت بذلك في لقاء تلفزيوني أجري معه عام 1999، وقال إنه احتفظ باثنين من أسنان لومومبا كـ”تذكار” لعدة سنوات، قبل أن يقرر التخلص منهما بإلقائهما في بحر الشمال.

لذلك عندما نتأمل بلجيكا نتساءل ماذا تصنع هذه الدولة لكي تكون ضمن الدول الغنية، عدا الجبن والحليب ومشتقاته والسلاح.. فإن التاريخ الإمبريالي لهذه الدولة في إفريقيا، وخصوصا في الكونغو التي استنزفت أحجارها الكريمة، هو ما جعلها تضمن الرخاء لمواطنيها.

صحيح أنها استفادت من الطفرة التي وفرها لها كونها مقرا للاتحاد الأوربي والبرلمان الأوربي، لكن لولا استنزافها طيلة عشرات السنين لخيرات دول إِفريقية لما استطاعت أن تدخل نادي الأغنياء.

وليست بلجيكا وحدها من تفتخر بمواطنيها من أصول إِفريقية عندما يحققون بطولة أو إنجازا يرفع علم بلجيكا بين الدول، ففرنسا تمنح الجنسية الفخرية لكل مهاجر إفريقي يضحي بحياته من أجل الفرنسيين، وفِي مقابل ذلك يتزاحم على بلاطوهات تلفزيوناتها المعلقون الذين يرمون المهاجرين بكل الصفات السيئة ويعتبرونهم سبب الأزمة الاقتصادية التي حلت بهم. فالفرنسيون والبلجيكيون من أصل إفريقي وإسلامي جيدون طالما أنهم يحققون الانتصارات مع المنتخب ويحصلون على الجوائز العلمية ويتألقون في الفنون والآداب، لكنهم حثالة وكسالى طالما أنهم يتقاضون مساعدات اجتماعية ويطالبون بمساواتهم بالفرنسيين والبلجيكيين ذوي العرق الصافي.

أعتقد أن أبناء المهاجرين الذين يولدون في الدول الأوربية أو القارة الأمريكية هم مواطنون يحملون جنسيات هذه الدول وليس لنا أن نصنفهم ضمن الفرنسيين أو البلجيكيين أو الهولنديين من أصل مغربي أو إفريقي.

عندما يحققون البطولات فهم يرفعون أعلام بلدانهم التي ولدوا فيها، وعندما يقترفون الحماقات ويفجرون أنفسهم أو يطعنون الناس في الشوارع أو يدهسونهم بالشاحنات فهم أيضا يفعلون ذلك تحت راية بلدانهم التي ولدوا فيها ويقفون أمام عدالة هذه البلدان.

وبعد سنوات قليلة سنشهد اختفاء الجيل الثاني من المهاجرين وأغلب هؤلاء لديهم أبناء كبروا الآن وليس في برامجهم المستقبلية شحن سياراتهم بالخردة والقدوم في الصيف إلى المغرب لقضاء العطلة.

أبناء المهاجرين اليوم يفضلون قضاء العطلة في إسبانيا والتايلاند والبلدان الآسيوية بعيدا عن صيف المغرب الصاخب، فهؤلاء على ما يبدو لم تعد “ريحة لبلاد” تغريهم، خصوصا عندما يأتون ويذهبون إلى الشاطئ فيأتي من يطالبهم بدفع عشرين درهما مقابل فتح الباراصول، وعندما يركنون سياراتهم يأتي أشخاص يرتدون “جيليات” صفراء يطالبونهم بثمن المكان، وعندما يؤدون ثمن دخول الطريق السيار يضعون أيديهم على قلوبهم مخافة أن يلقي عليهم أحدهم حجرا من فوق قنطرة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى