شوف تشوف

الرئيسية

ساعات في الجحيم قضتها مفوضات قضائيات انتهت بالاحتجاز والاعتداء والتحرش

كان التبليغ يتم في السابق عبر البريد أوالسلطة وأعوانها، قبل أن يدخل المفوض القضائي على الخط في بداية الثمانينات من القرن الماضي، ويصبح للتبليغ القضائي رجاله ونساؤه الذين تكلفوا بتوجيه الإنذارات مع العبور على جسر المحكمة. ومع مرور الوقت أصبح التبليغ يتم مباشرة دون الحاجة إلى استصدار أمر من رئاسة المحكمة بذلك، رغبة في تيسير الإجراءات وتبسيط المساطر والتخفيف على المحاكم من عبء الملفات ذات الطبيعة الإجرائية. لكن حضور المفوض القضائي تعزز باقتحام العنصر النسوي هذا المجال الصعب، حيث أصبحت المفوضة جزءا من المنظومة القضائية، إلى جانب القاضي والمحامي والموثق والناسخ والخبير والمترجم وباقي المهن القانونية والقضائية التي تساعد القضاء في أداء مهامه.
في هذا الروبورطاج ترصد “الأخبار” حكايات مفوضات عشن ساعات في الجحيم، وهن يقمن بواجبهن المهني، فقط لأن الاستئناس مع امرأة مفوضة ما زال يحتاج لبعض الوقت حتى تكتمل الصورة ويصبح التبليغ النسائي قابلا للهضم
لاتختلف مهنة المفوضة القضائية عن المهن الأخرى التي تدخلها المرأة، من حيث الإكراهات المرتبطة بوجود عنصر نسوي يمارس مهنة حرة ويضطلع بمهام جسيمة تساهم في الحقل القضائي. ورغم أن مؤسسة المفوض القضائي خلقت من رحم جهاز كتابة الضبط بحيث كانت هذه الأخيرة تقوم بالمهام المسندة للمفوض القضائي من تبليغ وتنفيذ، إلا أنها ما زالت تحتل المراتب الأخيرة في تراتبية المهن القضائية، وتعرض المشتغلين فيها لكل أصناف الإكراهات، سيما المفوضات اللواتي يعانين من وعورة المسالك نحو التبليغ، بل منهن من تعرضن لاعتداء جسدي أو نفسي ووصل الأمر في بعض الحالات إلى الاحتجاز والمتابعة القضائية.

المفوضة لمياء تتعرض للتعنيف من طرف شرطي وزوجته
لم تكن لمياء الشعوبي المفوضة القضائية بفاس تعتقد أن زيارتها لشقة شرطي بوادي فاس ستنتهي في قسم المستعجلات وبوقفات احتجاجية وملاحقات. بعد أن أمرت النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية بفاس، بفتح تحقيق في اتهام مفوضة قضائية لشرطي وزوجته بالاعتداء عليها بالضرب والسب والشتم، معززة شكايتها بشهادة طبية.
حين طرقت المفوضة التي كانت مصحوبة بكاتبها باب الشقة وكشفت عن هويتها وأسباب الزيارة، والتي تتعلق بتبليغ الشرطي بإنذار صادر عن المحكمة في شأن شكاية ضده من طرف سمسار يطالب بمستحقاته، لتفاجأ المفوضة القضائية بهجوم قوي من زوجة الشرطي التي هاجمتها وعرضتها للضرب والسب والشتم، كما ساعدها في ذلك زوجها والذي قام بالاعتداء على مرافق المفوضة القضائية، بحسب رواية المفوض القضائي.
قالت المفوضة إن زوجة الشرطي “لم تكن تتحلى باللباقة اللازمة، ورفضت استلام الإنذار الصادر عن المحكمة، واعتبرت التبعات القانونية لقرار امتناعها مجرد كلام، فدخلت في مشادة معي تطورت إلى احتكاك نتج عنه إغماء ورضوض”، فيما قالت زوجة الشرطي إنها دافعت عن بيتها من محاولة اقتحامه بالقوة.
القضية تجاوزت حدود الشكاية إلى وقفة احتجاجية نفذها المفوضون القضائيون بفاس، بينما دخل مسؤولون أمنيون على الخط في محاولة لوقف الخلاف بين المفوضين القضائيين لإجراء صلح بين الطرفين، وهو ما رفضته المفوضة القضائية ضحية الاعتداء، حيث تشبثت بمتابعة المعتديين عليها. ولم يقتصر الغضب على محكمة فاس بل امتد إلى مدن أخرى، بدعوة من الهيئة الوطنية للمفوضين القضائيين بالمغرب التي أصدرت بيانا عممته على عدة منابر إعلامية.

احتجاز المفوضتين كوثر وخديجة داخل مرآب شركة
شعرت المفوضة القضائية كوثر زهران بخطورة المهمة التي تقوم بها بدون تغطية تقيها من شر غارات المتضررين من زيارتها، أولئك الذين يعتبرون المفوضة القضائية جزءا من المشكلة وليس من الحل.
تروي كوثر محنتها لـ “الأخبار” قائلة: “المرأة حين تخرج لسوق الشغل فهي تتعرض للمضايقات مهما كانت طبيعة المهنة التي تشتغل فيها، خاصة أمام غياب الحماية اللازمة للمفوضة، التي يجب عليها أن تقوم بمهمتها وتحمد الله إذا مرت الأمور بسلام، لأن المهمة محفوفة بالمخاطر، لقد توجهت ذات يوم إلى مقر إحدى الشركات من أجل تسجيل محضر معاينة، وكان برفقتي كاتبي، طرقنا الباب وأفصحت عن هويتي فتم احتجازي داخل مرآب الشركة لساعات ولم يفرج عني إلا بعد طول وبعد مفاوضات عسيرة، لكن ليست هذه هي المرة الأولى ولن تكون الأخيرة، لأن المرأة المفوضة لازالت مرفوضة من طرف الناس ربما العنصر النسوي لا يستطيع مجاراة سلوكات أشخاص يعتقدون أن المرأة كائن ضعيف”.
من جهته قال شكيب أيت لحسن رئيس مجلس المفوضين القضائيين فرع مراكش ورزازات في تصريح لـ “الأخبار” إن مدينة مراكش عاشت حالة اعتداء على المفوضة رشيدة المنصوري، إذ “توجهت المفوضة المعتمدة في مجلس المفوضين القضائيين لمراكش إلى شركة للتبريد، وأدلت لمسؤولة عن الشركة بنسخة حكم صادر عن المحكمة يتعلق بديون مترتبة على الشركة من طرف مجموعة من المزودين الأساسيين، وحين كانت المنصوري تعرض الملف وتبين وثائق ومستندات داعمة لموقف المدعي، انقضت المسؤولة على الوثائق ومزقتها ورمت بها في القمامة، مما أشعل فتيل الغضب ورفع درجة الاحتقان بلغت حد الاحتجاز، وحين غادرت الشركة وضعت شكاية لدى وكيل الملك الذي حرك المتابعة القضائية، هذه قضية يجب أن تكيف كجناية ولسوء الحظ لم يحسم في أمرها ولازالت تتداول في المحكمة وأتمنى أن يصدر حكم زجري يوقف التعسفات التي تتعرض لها المفوضة”، يقول أيت لحسن، مشيرا إلى أنه قد “يختلف مسرح الجريمة، وتتعدد أساليب التنكيل لكن الحجز واحد”.

هجوم على مفوضة في ملعب لكرة القدم
حين أصبح نظام التعاقد ساري المفعول بين مكونات الرياضة المغربية وكرة القدم على الخصوص، بدأ المفوضون والمفوضات يقتحمن الملاعب ومقرات الجامعات والعصب الجهوية والأندية، بعدما كان دورهم في السابق يقتصر على معاينة نزاعات في المحاكم وتحرير محاضرها.
صحيح أن الاتحاد الدولي لكرة القدم ظل يمنع لجوء أهل الكرة للمحاكم المدنية، لكن المفوض أصبح ضروريا في القضايا المتعلقة بالخلافات الرياضية التي تعرض يوميا على غرفة المنازعات بالجامعات، بعد أن أصبحت المعاينة جزءا لا يتجزأ من مستندات ملف النزاع. بل إن المشغل نفسه يلجأ للمفوض القضائي لتحرير محضر غياب لاعب ماعن التداريب، أو تدوين واقعة سلوك يتنافى وبنود العلاقة التعاقدية بين الطرفين.
في شهر أبريل من سنة 2014 شهدت محكمة القطب الجنحي بالدار البيضاء، محاكمة حارس أمن خصوصي تابع لنادي عريق بالدار البيضاء، بتهمة الاعتداء على مفوضة قضائية كانت تهم بتدوين واقعة منع لاعب من ولوج الملعب لممارسة تداريبه اليومية مع فريقه، وتسليم استدعاء لرئيس النادي، واعتبرت المحكمة طرد الحارس الخصوصي للمنتدبة القضائية المكلفة بتبليغ الاستدعاء تحقيرا للقضاء واستخفافا بالعدالة، خاصة وأن تقرير المنتدب قد أكد بأن المكلف بالحراسة على مستوى مدخل النادي، قد طرده من الملعب وهدده بتمزيق الدعوات التي كان بصدد تبليغها للاعبين، وقال رئيس الجلسة إن المحكمة ستدرس الآثار القانونية المترتبة عن هذا السلوك، وإجبار النادي على رفض الاستدعاء التي كانت المنتدبة بصدد تبليغها خلال حصة تدريبية.

مفوضة ورزازات أحوج للدعم النفسي
انقطعت نادية، المفوضة القضائية السابقة بورزازات، عن مهمة لجأت إليها مجبرة لا بطلة، فقد وجدت نفسها فجأة مطلوبة أمام العدالة، بعد أن كانت تشعر الناس بضرورة الامتثال للمساطر القضائية، استنادا على ضوابط قانونية تحكم المهنة. أصل الحكاية يرجع إلى سنة 2012 حين قامت نادية بتبليغ أحد أعيان المنطقة بإجراء قضائي صادر عن محكمة ورزازات. لكن القضية أخذت منحى آخر حين تأخر الحسم فيها وظلت تتداول في المحكمة إلى غاية سنة 2015، حيث رفع البرلماني شكاية ضد نادية يتهمها فيها بالزور وعدم التبليغ مما حول المفوضة إلى متهمة لاسيما بعد استعمال النفوذ والقدرة على تعطيل المساطر، واللجوء إلى الطعن في التبليغ مما جعل نادية في موقف حرج، جعلها تفكر جديا في مغادرة مهنة وضعتها في قفص الاتهام بعد أن كانت تعتقد أنها جزء لا يتجزأ من منظومة العدالة.
رئيس المجلس الجهوي للمفوضين القضائيين بجهة مراكش ورزازات يقول إن “نادية تحتاج إلى الدعم المعنوي والمؤازرة النفسية، فتفانيها في عملها جعلها عرضة للمساءلة، لا يعقل أن تصبح هذه المرأة عرضة للمساءلة فقط لأنها قامت بواجبها، للأسف كثير من الأشخاص لا يجدون ما يبررون به التهم سوى اتهام المفوض بعدم التبليغ وإدخاله نفق التزوير. نحن بصدد محاربة هذه الظاهرة، وقد ننهي نشاط عدد من الكفاءات إذا لم يتعامل القضاء بحزم، لذا نحن بصدد التفكير في صيغة لدعم زميلتنا ومساندتها في محنتها معنويا وسنقوم بزيارة إلى ورزازات لهذه الغاية”.

مختل عقليا يهاجم مفوضة قضائية
تختلف حكاية نعيمة عن زميلتها نادية، لكنهما يلتقيان في خيار المقاطعة و”ترك الجمل بما حمل”، يقول عبد الرحمن زوج المفوضة نعيمة، إنه أقنع زوجته بالبحث عن مهنة أخرى، “لأن المجتمع المغربي خاصة الأطراف المتقاضية لم تستوعب بعد دخول المرأة هذا المجال الذي كان في السابق من اختصاص السلطة”، على حد تعبيره، قبل أن يضيف: “ذات يوم أشعرتني زوجتي هاتفيا بأنها تعرضت لاعتداء أثناء تبليغ حكم قضائي يتعلق بالنفقة لأحد الأشخاص، حيث رفض هذا الأخير استلام القرار والتوقيع عليه بدعوى أنه مختل عقليا وبالتالي، فإن الطلاق وما ترتب عنه من نفقة يحتاج إلى تعديل، لكن أسرة المطلق تحلقت حول زوجتي معتقدة أنها تحاول الزج بابنها في قضية أخرى أو تثبت أنه غير معتوه كما تحاول أن توهم القضاء الذي قال كلمته، كان من الصعب تخليص المفوضة من وسط العائلة المحتجة، وتم اللجوء للأمن الذي رفض التدخل بحجة عدم وجود ضحية، لذا كان القرار الذي لا رجعة فيه وهو التوقف عن ممارسة المهنة المحفوفة بالمخاطر، إلى أن تتمتع العاملات فيها بالحماية والتغطية الأمنية”.

مصادرة لقب أستاذة من المفوضة القضائية
دخل المحامون والمفوضون القضائيون في ما يشبه المعركة التافهة، حين طالبت هيئة الدفاع بتجريد المفوضين والمفوضات من لقب “أستاذ”، وهو المطلب الذي امتد إلى كتاب المفوضين. استجابت وزارة العدل لرغبة المحامين في نزاعهم مع المفوضين وعاش الطرفان وكل المتدخلين في قطاع العدل حالة من التوتر بسبب الحرب التي شنها المحامون بواسطة جمعيتهم على حمل المفوض القضائي للقب أستاذ.
يقول عمر لغرايدي، المحامي بهيئة الدار البيضاء: “المبدأ هو أن المفوض القضائي لا ينافس المحامي ولا يتطاول على اختصاصاته، وإذا كانت هناك استثناءات، فإن هيئة المحامين وهيئة المفوضين كانتا مطالبتين بالتصدي لكل الممارسات التي قد تفسد علاقة مؤسسة بأخرى. لا يمكن للمحامي أن يستغني عن المفوض القضائي والعكس صحيح، وعلى امتداد تاريخ القضاء في المغرب كانت هيئات المحامين تعتبر المفوض جزءا من أسرة القضاء، وندعو الزملاء إلى احترام مؤسسة المفوضين القضائيين الجديرة برد الاعتبار وعدم المس بمكتسباتهم”.
ويضيف: “صحيح هناك مشاكل تطفو على السطح بين الفينة والأخرى بين الطرفين حول الإجراءات أو المستحقات المادية، علينا أن نعمل جميعا على حلها بالتواصل والحوار بعيدا عن مكاتب المسؤولين القضائيين وردهات وزارة العدل. الحمد لله لدينا الآن هيئة وطنية ولدينا مجالس جهوية، ولهذه المجالس رؤساء مستعدون للتواصل مع السادة المحامين من أجل حل كل المشاكل العالقة وتجاوز الخلافات والعقبات، لأن شد الحبل لا يخدم مصلحة أحد”.
لكن القضية التي تشغل بال المفوضات تتجاوز لقب أستاذ من عدمه، حيث تمتد إلى إشكالية حماية هذه الفئة ضد المخاطر التي تعترضها. يقول محمد فنكوش رئيس جمعية المفوضين القضائيين بالجهة الشرقية و الحسيمة في إحدى مداخلاته السابقة.
“هناك عدد من النصوص القانونية التي تحمي المفوض القضائي أثناء القيام بمهامه، وله تفويض من السلطة العامة باستغلال جزء من مرفق العدل ومحاضره في هذا المجال تكتسي طابع الرسمية. وكل مساس بالمفوض القضائي يعني استهجان الإجراءات القضائية الجارية ضد الأشخاص والإدارات ومس سافر بهيبة القضاء. نحن نلقي على عاتق السادة المسؤولين القضائيين في محاكم المغرب على صعيد النيابة العامة مسؤولية تفعيل هذه الحماية”.
ودعا شكيب أيت لحسن من جهته إلى “ضرورة اعتبار محضر المفوض القضائي حجة رسمية لمتابعة أي شخص يسعى للحيلولة دون أداء الواجب المهني للمفوض والمفوضة أثناء ممارسة مهمتهما دون الحاجة إلى ضرورة استدعائهما والاستماع إلى إفادتهما من جديد”.

3 دراهم للكيلومتر الواحد كتعويض عن التنقل
زاد قرار تحديد تعرفة التعويضات المالية لهذه الفئة من معنوياتهم، خاصة بعدما حددت في ثلاثة دراهم عن كل كيلومتر، كما رفضت وزارة العدل إلزامية اللجوء للمفوض، واعتبر كثير من المفوضين والمفوضات هزالة التعويض ضربة موجعة لهذه الفئة.
أصدر وزير العدل والحريات ‬يوم ‬23 ‬مارس ‬2015 ‬منشورا حول ‬موضوع أجور المفوضين القضائيين، ‬تناول مبدأ الاختيارية في ‬تبليغ ‬الاستدعاءات، ‬والمساعدة القضائية والتعويض المستحق عن تنقل المفوضين القضائيين.‬
وفي ما ‬يلي ‬نص المنشور بتصرف:
– ‬تفعيل مقتضيات الفصل ‬37 ‬من قانون المسطرة المدنية، ‬وذلك بتمكين الأطراف ونوابهم من حق اختيار طريقة تبليغ ‬الاستدعاءات التي ‬يرونها مناسبة.‬
– ‬الحرص على قيام المفوضين القضائيين بإنجاز الإجراءات في ‬القضايا المستفيدة من المساعدة القضائية على أن ‬يستخلصوا مستحقاتهم عند تصفية الصوائر القضائية.‬
– ‬إشعار المفوضين القضائيين بأن التعويض المستحق عن التنقل ‬يحتسب مرة واحدة فقط إذا كان للأشخاص المطلوب تنفيذ الإجراءات لفائدتهم موطن أو محل إقامة واحد، ‬وأن طريقة احتساب التعويض المذكور ‬يكون على أساس ثلاثة دراهم للكيلومتر الواحد ذهابا وإيابا، ‬أي ‬أنه في ‬الحالة التي ‬يقوم فيها المفوض القضائي ‬بعملية تستلزم تنقله ابتداء من مقر المحكمة بكيلومتر واحد ذهابا وكيلومتر واحد إيابا، ‬فإن مجموع التعويض المستحق عن هذا التنقل هو ‬3 ‬دراهم على اعتبار أن الذهاب والإياب ‬يحتسب مرة واحدة فقط.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى