الرأيشوف تشوف

سال لمجرب

في حديثه عن خصومه السياسيين من أهل الأصالة والمعاصرة، الذين قال عنهم إنهم يعيشون حياة البذخ ويراكمون المليارات، قارن بنكيران هؤلاء المبذرين إخوان الشياطين بإخوانه المسلمين في حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح الذين يكتفون بالحياة الدنيا بكسرة الخبز وزلافة البيصارة. ساخرا من كون أقصى ما يحلمون به كراتب هو مليون فالشهر.

وأضاف أن إخوان الشياطين هؤلاء لديهم مصاريف كثيرة لأن لهم صاحبات كثيرات، وأن هؤلاء الصاحبات يكلفنهم كثيرا لأنهن لسن مثل الزوجات اللواتي لا يكلفن الرجل شيئا، فهن يطلعن رخيصات على الزوج.

وطبعا فرئيس الحكومة يتحدث عن تجربة، فالصاحبة فعلا غالية، وقد رأى بنكيران كيف كلفت أحد وزرائه منصبه الحكومي عندما وظفها في ديوانه لكي يختلي بها إلى ساعات متأخرة من الليل، قبل أن يدافع عنها لكي تصبح وزيرة.

وإذا كان يحتاج إلى أمثلة إضافية يمكننا أن ندله عليها، كبرلمانيته المفضلة التي كادت ترسل زوجها للسجن بسبب إشعال نار الغيرة في قلبه بمصاحباتها لزميلها في البرلمان، أو كصحافيه المفضل الذي وضع ثقته في سكرتيرته المفضلة وأطلق لها القياد إلى أن سرقت منه عشرين مليونا من عائدات الإشهار، فكمدها في قلبه، أو بالأحرى في جيبه، وضرب الطم حتى لا يقلق راحة السكرتيرة فتغضب وتعلمه من أين تبول الحوتة.

الغائب وقد أعذر من أنذر».

انتهى محضر الاجتماع.

ويبدو أن بنكيران يحسن الغزل في حق النساء أكثر من أي شيء آخر، ولذلك عوض أن يتقدم للمرأة المغربية في يوم عيدها بمقترحات قوانين ملموسة تحفظ لها حقوقها القانونية والشرعية، اختار أن يلقي النكات حول الفرق بين تكاليف الزوجة والصاحبة، وكون الزوجة لا تبحث سوى لكي تجمع بيت الزوج عوض الصاحبة التي كل همها أن تجمع الرجل «حبل وبونت».

والواقع أن بنكيران عندما كان يخاطب فريقه النيابي وهو يصف حالتهم المزرية وفقرهم وتعففهم عن ملذات الدنيا وزخرفها، في مقابل إقبال خصومهم عليها بنهم، فإنما ظهر كما لو أنه مقطوع عن العالم، فما يصف إخوانه به كان واقعا قبل وصول الحزب إلى سدة الحكم، أما وقد وصل وذاق من عسل السلطة فقد ودع أغلبهم الفقر واستبدلوا دربالة الهداوي بالكوستيمات المفصلة على المقاس.

فقد استبدل بوصندالة مصطفى الخلفي شقة حي لوسيون بفيلا بمنتجع الهرهورة ثمنها نصف مليار دفعها «طنان». ولم يكتف بإصلاح لباسه بل إن أشغال الإصلاحات شملت حتى أسنانه.

وليس وحده من فتح هذا الورش، فحتى وزير العدل الذي لما زاد الله في «تيغراد» تزوج الثانية وأصبح يذهب «نعاماس» للعشاء في أرقى المطاعم، أصلح من أمور فمه، ولذلك منذ أن سخن كرسي وزارة العدلية، أصبح يجد سهولة في الإطباق على شفتيه بإحكام بعدما كان «غا داوي».

أما «الحبيب» الشوباني، اللذيذ حسب البرلمانية آمنة ماء العينين، فقد أتى من الرشيدية «ما يكساب ما يعلام»، فاشترى شقة فسيحة بكيش لوداية قريبا من زميله بوصندالة بمبلغ لا يقل عن مائة وثلاثة وتسعين ألف درهم و750 درهما بالضبط.

أما «صاحبة دعوته» سمية بنخلدون فقد اشترت بالقرب منه دوبليكس فسيح.

أنظروا قليلا إلى سحنات هؤلاء الناس الذين يصفهم بنكيران بالزهد والتعفف كيف كانوا وكيف أصبحوا، وستجدون أن الوجوه المعظمة، من العظام طبعا، كساها اللحم، وأن الأسنان المهرمشة اقتلعت من جذورها وزرعت محلها أسنان أبيض من أسنان الحليب، وأن المساكن المحشرة في الأحياء الشعبية حلت محلها الفلل في المنتجعات السياحية.

ولعل بنكيران، في حديثه عن وفاء الزوجات في مقابل جشع الصاحبات، أصاب على نحو ما فالنساء على الأقل لسن فاسدات بالقدر الذي عليه بعض الرجال، ويتمتعن بحس المسؤولية ولديهن رغبة دفينة في النجاح وتحقيق ذواتهن.

والرجال في السياسة ميالون إلى الكذب والنفاق والانتهازية، عندما يصبح أحدهم وزيرا أول شيء يقوم به هو تغيير رقم هاتفه، دون أن ينسى طبعا تغيير زوجته.

وأكثر من وزير عندنا غير زوجته خلال فترة وجوده بالحكومات المتعاقبة، أما الذين غيروا معاطفهم فبلا عدد.

قد يقول لي أحدكم إن تغيير المنازل راحة، لكن أن يغير الواحد منا زوجته التي ضحت بشبابها ومالها من أجله وتذوقت معه الحلو والمر، بأخرى لم تتذوق معه سوى أطباق الكافيار في المطاعم الراقية، فهذا تصرف يكشف عن احتقار دفين للمرأة.

وتبقى النساء في نظر الكثيرين هن الحاكمات الحقيقيات اللواتي يحركن رجالهن من خلف الستار. وكم من سياسي كبير، في السن طبعا، لا يحرك إصبعه الصغير دون إذن مسبق من زوجته الشابة.

وفي كثير من البيوت المغربية تبقى المرأة هي مولات الدار الحقيقية. إليها تعود كل القرارات، من لون الستائر إلى شكل العرائس التي سيتزوجها أبناؤها، مرورا بالإشراف المباشر على شؤون البزطام.

وكم من زوج لا تترك له زوجته من راتبه آخر الشهر سوى ثمن السجائر والقهوة، وإذا كان مبليا بالقمار تترك له ثمن سباق كلاب واحد أو سباقين. وهذا من مصلحة بعض الرجال، لأنهم بمجرد ما يتسلمون رواتبهم حتى يذهبوا بها مباشرة إلى البارات ومحلات القمار ليخسروها في الشرب والمراهنة على الطوكارات.

والحقيقة أن السياسة نفسها في المغرب مجرد سلسلة من المقامرات المضحكة، هناك من دخلها بلا رصيد نضالي وقمر على حقيبة وزارية، فطلع له الجوك وأصبح ثريا يملك المراكب في أعالي البحار والضيعات الواسعة حيث يربي الأبقار الهولندية. فغير السوليكس بالسيارة، وانتقل من دور الكراء إلى فيلا فسيحة في بير قاسم، وطلق الشيبانية وأتى بالشابة لتعيده إلى صباه. وهناك من قمر برصيده النضالي الثمين كاملا فخرج من اللعبة السياسية خاسرا، وأصبح مجبرا على العيش على أمجاد الماضي وهو يرى أشباه القردة يتقافزون فوق رأسه. وهذا طبيعي، فالمغاربة يقولون «الغابة اللي مافيهاش السبوعا القرودا كايديرو فيها الطرابش».

نحتاج فعلا إلى رئيس حكومة ومنظمات نسائية يتحدثون ويدافعون عن المرأة المغربية بالفعل لا بالشعارات والنكات الحامضة.

وليس فقط الدفاع عن المرأة التي تسوق سيارة ساكسو وتدخن مالبورو لايت وتذهب إلى مراكش نهاية الأسبوع لتسهر في الباشا، ولكن أيضا المرأة التي تقشر السردين في المصانع النتنة، والمرأة التي ترتب صناديق الحوامض في الثلاجات الباردة للشركات مجهولة الاسم، والمرأة التي تنحني لتنظف مكاتب الوزارات وتفرغ سلال قمامتها عندما يغادر الموظفون الكبار إلى بيوتهم في المساء، وتبقى هي تنظف المكاتب بأطراف المناديل وتجفف دموعها بأطراف ثيابها الرثة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى