الرأي

«سطل وشطابة»

عشنا في زمن الثمانينيات مشاهد انقرضت مع زمن «الويفي» و«الفايسبوك». وفي عز الجفاف والقحط الذي ضرب المغرب آنذاك، كان سكان البوادي الفقراء يطوفون ببناتهم القاصرات على الأحياء الراقية في المدن، يطرقون المنازل والفيلات طلبا في تشغيل فلذات أكبادهم خادمات في البيوت، «باش ما عطى الله».
ومرت مياه كثيرة تحت الجسر وقطع المغرب أشواطا مهمة في مجال التنمية القروية ومحاربة الأمية وإجبارية التدريس، وبعد ثلاثين سنة أبت الحكومة الحالية سوى أن تعيدنا إلى جاهليتنا الأولى، بمصادقتها على قانون تشغيل القاصرات، وستحسب لعبد الإله بنكيران أنه فشل في خلق الثروة ومناصب الشغل، لكنه نجح في إحداث مناصب «الجفاف والصابون»، بنصف الحد الأدنى للأجور لصبايا 16 سنة.
وسيكون مناسبا بعد 5 سنوات من عمر هذه الحكومة، أن يعتكف قياديو الحزب الحاكم للإجابة عن سؤال «ماذا فعل الزمان بنا؟»، بعدما تنصلوا لشعاراتهم ومبادئهم التي تربوا عليها في المجالس الدعوية، وقطعوا أشواطا كبيرة في القفز بالزانة على «دواير الزمان»، حتى أصبحت سيارة «داسيا» التي تصنعها يد عاملة مغربية، لا تستجيب لمقام سعادة الوزير، واستكبروا عن سياقتها وركوبها، بعدما أمضوا شبابهم وكهولتهم يجوبون الشوارع والمساجد فوق دراجات «موبيليت»، تماما كما استكبروا على لحاهم الموقرة التي قصوا شعيراتها بـ«الزيرو»، هي التي حملتهم إلى السلطة، معلنين نهاية مرحلة وبداية أخرى، ظهرت جليا في معاصمهم التي سقطت من حولها حبات السبحة وعوضتها الساعات اليدوية السويسرية.
لم تستطع الحكومة ضمان تمدرس عادي وسليم للفتيات القاصرات، وبعدما أضحى التعليم ومؤسساته العمومية معروضا للبيع، كان طبيعيا أن يتدبر هؤلاء للتلميذات من أبناء الشعب مناصب شغل خادمات في البيوت، في حين تدبروا هم المنح العمومية بالأورو لأبنائهم الذين يدرسون في أوربا وتركيا وكندا.
وحين كانت سيول الأمطار الأخيرة تجرف قناطر وطرق الوزير رباح ومعها أرواحا بشرية في قرى تفنوت بإقليم تارودانت، كانت قيادات الحزب الحاكم تتداول على «الفايسبوك» صور الشوباني ويتيم وهما فوق العشب الأخضر لحدائق الضاحية الباريسية، يزهوان بلعب كرة القدم بربطات العنق وبنظارات «راي بان».
ولم تتوقف سخرية واستكبار قياديي الحزب الحاكم، طيلة أسبوع، من سيارات «داسيا» ومن مؤشرات الفقر وغلاء المعيشة، وعدم اكتراثهم لسقوط أرواح المغاربة جراء السيول والفيضانات، وافتراش الحوامل الأرض لوضع مواليدهن أمام المستشفيات، حتى تبعهم الوزير الداودي، الذي خاطب طلاب الشعب الأدبية بقوله: «انتوما صحاب العربية غير حفروا قبوركم»، متناسيا أن اللغة التي يستهزئ بها هي اللغة التي نزل بها القرآن، وهي اللغة الرسمية للبلاد، وهي نفسها التي يدرس بها في المدرسة المولوية، والملك محمد السادس خريج الجامعة المغربية تخصص علوم سياسية وقانون عام، ما عدا لو كان الحسن الداودي، الذي يعاف اليوم لغة الضاد، قد تلقى تكوينه على الحصيرة داخل الحركة الإسلامية وجمعياتها الدعوية، بلغة موليير.
السلطة والتسلط والعجرفة وحب الذات والجاه، كلها مواد سامة وقاتلة لكل كائن سياسي فاشل، يبدأ مساره بالزئير في المعارضة، وينتهي متخفيا يتلون كالحرباء وهو في قمم السلطة، والإهانة كل الإهانة هي ما نعيشه اليوم مع حكومة سيكتب ويحسب لها التاريخ أن منجزها الوحيد الذي استطاعت تحقيقه للشعب بوجه مكشوف ودم بارد، هو «سطل وشطابة» لبنات المغاربة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى