شوف تشوف

سقوط الأقنعة

هدأت العاصفة الصيفية التي أثارها البرلماني العسري بهجومه على الشابات البلجيكيات المتطوعات، بعدما سحب كلامه واعتذر، وبعدما انكشف أن سعادة البرلماني وضع طلبات لتجنيس أبنائه بالجنسية الكندية، وهو الخبر الذي لم يكذبه المعني بالأمر، خصوصا أنه يترأس مجموعة الصداقة البرلمانية مع كندا.
لكن السؤال الحقيقي الآن هو ما هو الدرس الذي يجب استخلاصه من الزوبعة التي ثارت في وجه البرلماني وتصدت لتحرشاته المتشحة بالدين؟
الدرس العميق هو أن المغاربة لم يصبحوا قادرين على تحمل وصاية تجار الدين عليهم، خصوصا من أمثال هذا البرلماني الذي ينتقد الغرب ويسعى جاهدا لمنح أبنائه جنسيته.
الدرس هو أن المغاربة استفاقوا أخيرا من حصة التنويم المغناطيسي التي دامت ثماني سنوات والتي مارسها الحزب الحاكم عليهم ليكتشفوا أنهم كانوا ضحية حزب يمارس النفاق والنصب والتهريب الديني لكي يظل في الحكم لأطول فترة ممكنة.
فهم يطالبون بتعليم معرب لأبناء الشعب فيما يتسابقون لتسجيل أبنائهم في مدارس البعثة الفرنسية. ويهاجمون الغرب وثقافته ثم يتسابقون للحصول لأنفسهم وأبنائهم على جنسيات هذا الغرب المنحل والمغترب.
إن أهمية ما قام به هذا البرلماني هو أنه فتح أعين المغاربة على حجم التدليس الذي ارتكبته قيادات الحزب الحاكم، فالمشروع الذي باعوه للمغاربة من أجل أن يصوتوا عليهم مبني على هذه الشرعية الدينية التي تدعو للعفة والفضيلة.
لأنه من أجل ماذا يعتقدون أن المغاربة صوتوا لهم، هل لأنهم عباقرة في التسيير، أم لأنهم أصحاب برنامج سياسي فذ؟
لقد صوتوا عليهم فقط لأنهم ملتحون ونساؤهم وبناتهم محجبات ولديهم علامة الدينار في جباههم، أي أنهم يتوفرون على كل «أدوات النصب»، والمغاربة يقولون «اللهم فهادو كايحطو جبهتهم للأرض بعدا ومعقولين».
لذلك فإن ما كشف عنه البرلماني العسري وقبله يتيم والشوباني وسمية بنخلدون وباحماد والواعظة فاطمة النجار والبرلماني النقال ونائب عمدة سلا الذي يمارس الجنس في الهاتف، وغيرهم كثير، يعني شيئا واحدا، وهو أنهم دلسوا على الشعب.
وما حدث خلال الثماني سنوات الأخيرة مع حزب العدالة والتنمية يكشف الحقيقة المرة التي أشرنا إليها في أكثر من مناسبة وهي أن إخوان بنكيران والعثماني ليسوا مناضلين ثوار بل مجرد طلاب مصالح ومناصب، يأتي أغلبهم من هوامش المغرب إلى الرباط حافيا نحيلا ويستحلي لبس البذلة وربطة العنق فيتكرش ويتحنك ويترقى طبقيا ومهنيا ويستبدل شقة السكن الاقتصادي بفيلا في منتجع ويغير زوجته ومعها أسنانه.
ولعل من حسنات هذه الفضائح التي يتورط فيها إخوان العدالة والتنمية هي أنها أماطت اللثام عن أوهام كثيرة ظل يسوقها الحزب عن نفسه وأعضائه، ككذبة أنهم يشتغلون مع الله، وأنهم حزب الكلمة والمعقول.
فيوما عن يوم بدأت تسقط ورقة التوت عن حزب العدالة والتنمية، ويوما عن يوم يكتشف المغاربة تقاسيم لم تكن معروفة من وجهه الحقيقي الذي يخفيه وراء مساحيق التدين الزائف والطهرانية الكاذبة.
مشكلة حزب العدالة والتنمية أنه شيد وجوده كله فوق شعارات العفة والأخلاق، ولذلك فعندما تنفجر مثل هذه الفضائح في وجه بعض قيادييه يصاب الناس بالصدمة من حقيقة مدعي الأخلاق والعفة عندما يقفون أمام الرأي العام عراة من أقنعتهم الزائفة.
لذلك فإن فضح المتاجرين بالدين هو من صميم الدين، لأن الله تعالى خصص للمنافقين والمتاجرين بآياته في محكم كتابه آيات كثيرة وجعلهم يوم القيامة في الدرك الأسفل من النار، وقد بين الله لرسوله المنافقين ودله عليهم لأنهم أخطر عليه وعلى الدين من الكفار.
والمنافقون هم الذين يقولون شيئا ويأتون عكسه، وهم داخل الحزب الذي يقود الحكومة وحركته التي ترفده كثيرون، تسمع إليهم فيعجبك كلامهم وترى أفعالهم فتصعق.
نعود ونؤكد عليها مجددا، الدرس الوحيد الذي يجب استخلاصه من هذه القضية هو ضرورة ترك الدين بعيدا عن السياسة، ليس حرصا على السياسة بل حرصا على الدين تحديدا.
السياسيون يشتغلون في مجال محفوف بالأكاذيب، يعطون وعودا يعرفون أنهم لن يوفوها، ويرفعون شعارات هم متأكدون من عجزهم عن تنفيذها.
وليس الأخطر هو أن يعد السياسيون الناس بأشياء لن يحققوها، بل الأخطر هو أن يستعملوا الدين لإقناع الناس بتصديقهم.
ولعل ما قام به حزب العدالة والتنمية طيلة ثماني سنوات من تسيير الحكومة يذكر بما قام به المستكشف الإسباني «كريستوف كولومبوس» مع الهنود الحمر، ويذكر أن «كريستوف» هدد الهنود الحمر، السكان الأصليين لأمريكا، بأنه سيسرق منهم القمر إذا لم يمنحوه الطعام والتموين الذي يكفي طاقمه للبقاء على قيد الحياة، لم يصدق الهنود الحمر حينها أن هذا القرصان قادر على تنفيذ تهديده، وكان الفلكيون الذين رافقوا كولومبوس قد أخبروه أن خسوفا كاملا سيحصل بعد أيام، ولما غاب القمر بالفعل جاء الهنود المساكين يتوسلون إلى «كريستوف» لإعادة القمر إليهم وبعد أن تعهدوا بتنفيذ جميع أوامره حرفيا، وفي الليلة التالية، عاد القمر مكتملا فظنوا أنه قد أعاده إليهم.
ومنذ تلك الليلة ربح الهنود الحمر طقوسهم الاحتفالية بالقمر، ولكن الثمن كان هو خسرانهم لقارة كاملة.
والمغاربة صدقوا أباطيل بنكيران والعثماني وإخوانهم طيلة ثماني سنوات ولم يجنوا في الأخير من ورائهم سوى الفقر والبطالة والتخلف والديون المتراكمة.
وهذه التجارة، تجارة الدين، سبق أن تحدث بشأنها العالم والفيلسوف العربي ابن رشد عندما قال إن التجارة بالأديان هي التجارة الرائجة في المجتمعات التي ينتشر فيها الجهل، فإن أردت التحكم في جاهل عليك أن تغلف كل باطل بغلاف ديني.
وما يقوم به بعض المعلقين والأتباع اليوم عندما يحاولون تغطية الباطل الذي يرتكبه قياديو الحزب الحاكم بغطاء ديني هو ما قصده ابن رشد تحديدا، أي أن هؤلاء يريدون التحكم في الجهلة الذين لازالوا يصدقون باطلهم الملفوف بغلاف ديني.

مقالات ذات صلة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى