الرئيسيةمدن

سوق الحرية بإنزكان.. «ولادة عسيرة وافتتاح معاق»

أكادير: محمد سليماني

لعل أهم ملف عرفته مدينة إنزكان، مدينة الأسواق والمال بجهة سوس ماسة، كان ولا يزال مرتبطا بأكبر سوق بها، إنه سوق «الحرية». هذا المرفق التجاري الكبير الذي افتتح أبوابه قبل أقل من ثلاثة أشهر، ما زال يعرف أعقد المشاكل التي لم يستطع أحد، سواء من المجلس البلدي، صاحب الملك، أو السلطات المحلية والإقليمية، الذين وجدوا أنفسهم أمام سوق مشاكله واختلالاته متجذرة لأزيد من 13 سنة.

من المهد ولد ميتا
سوق الحرية الذي كان اسمه من قبل السوق البلدي الجديد، قبل أن يتم تغيير اسمه فجأة في إحدى دورات المجلس البلدي السابق، دون سابق إنذار، لم تقترح البلدية إنشاءه في البداية ولم يكن لها أدنى فكرة عنه، بل نزل عليها من العمالة آنذاك، بموجب رسالة لعامل الإقليم، يوم 24 دجنبر 2002. ليقوم المجلس البلدي لإنزكان بالمصادقة على إنشاء المشروع من طرف 14 عضوا فقط من الحاضرين في الدورة. بعدها بحوالي ستة أشهر فقط، وبعد مدة طويلة من الأخذ والرد ما بين رئيس البلدية والعامل، حل هذا الأخير بموجب الفصل 77 من الميثاق الجماعي محل الجماعة للقيام فقط بجميع التدابير والإجراءات المسطرية والأعمال الإدارية والتقنية اللازمة، لتفعيل بنود الاتفاقية المبرمة بين الجماعة الحضرية لإنزكان، والشركة المتعاقدة، طبقا لمقتضيات كناش الشروط والتحملات الخاص ببناء واستغلال السوق. توالت المجالس البلدية، وتغير الرؤساء، بينما المشروع في تذبذب، طبقا لأهواء المسيرين ودرجة توافقهم مع السلطات الإقليمية وصاحب الشركة، الذي حصل على امتياز البناء والاستغلال لمدة 65 سنة دون إجراء منافسة، ودون تداول ذلك في المجلس التداولي للجماعة، وهو ما اكتشفه المجلس الأعلى للحسابات في تقرير لسنة 2009.

صاحب السوق ومنتخبون أمام القضاء
قبل أن يفتتح السوق المذكور أبوابه، وحتى بعد ذلك، ما زالت لعنته تلاحق صاحبه الذي شيّده وحصل على امتياز استغلاله، كما شملت تلك اللعنة رئيس البلدية السابق ونائبه، هذا الأخير الذي تبين أن أفرادا من أصوله وفروعه شركاء في أسهم الشركة الحاصلة على امتياز، وهو ما يسقطهم في حالة التنافي. هذه «اللعنة» جعلت الثلاثة «مجرجرين» أمام المحاكم، بسبب هذا السوق، فتارة أمام ابتدائية إنزكان، وتارة أخرى أمام استئنافية أكادير، وثالثة أمام محكمة جرائم الأموال بمراكش. أحيانا يحصلون جميعهم على البراءة، لكن قبل أن يخرج ملف دعوى أخرى من بين أعمدة المحاكم، يعيدهم آخر إلى قفص الاتهام. آخر هذه الدعاوى القضائية، تلك المرفوعة أمام محكمة جرائم الأموال الاستئنافية بمراكش، والتي أجلت آخر جلسة فيها إلى يوم 27 أبريل الجاري، بسبب طلب تقدم به المطالبون بالحق المدني بضرورة استدعاء الرئيس الأسبق للبلدية، وأحد المستشارين الجماعيين، وأحد نقباء التجار، وأربعة تجار آخرين. ويتمحور صك الاتهام بالنسبة لرئيس الجماعة السابق ونائبه بتهم اختلاس وتبديد أموال عامة موضوعة تحت يده بمناسبة وظيفته، والاتفاق على أعمال مخالفة للقانون والغدر وتلقي فائدة في عقد أنجزته مؤسسة عمومية، حسب ما خلص إليه قرار الإحالة المعد من طرف قاضي التحقيق بالمحكمة ذاتها، أما صاحب امتياز بناء السوق فيتابع بالمشاركة في التهم المنسوبة إلى سابقيه.

مشروع أخطأ أهدافه
خُلق مشروع سوق الحرية، في البداية من أجل إيواء التجار المتجولين والتجارة غير المهيكلة بعدد من الفضاءات بمدينة إنزكان، كما حُددت حينها وفق الاتفاقية ودفتر التحملات السومة الكرائية في مبلغ 350 درهما للشهر فقط، لكن مع طول المدة الفاصلة بين البداية والنهاية التي وصلت إلى 13 سنة، جرت مياه كثيرة تحت الجسر، وتغيرت أمور عديدة بخصوص السومة الكرائية، لتصل إلى مبالغ كبيرة، وصلت بحسب بعض نسخ الاتفاقيات المبرمة ما بين التجار المستفيدين والشركة ما بين 700 درهم و1000 درهم للشهر الواحد، وذلك لمدد تصل ما بين تسع وعشر سنوات. كما يشمل البند التاسع من هذه العقود، الزيادة في السومة الكرائية بنسبة 10 في المائة مرة كل ثلاث سنوات، مع العلم أن التأمين على المحل يقع على عاتق المكتري. وبتفحص هذه العقود تبين أنها عبارة عن التزامات تقع على عاتق التاجر لوحده، بحيث إن 16 فصلا من أصل 22 فصلا في العقد كلها على عاتق التاجر.

«الإتاوات» وفصل قضائي جديد
كشفت وثائق وشكايات حصلت عليها «الأخبار»، لتجار استفادوا من محلات بسوق الحرية، تحمل تأشيرة كتابة الضبط ببلدية إنزكان، منعطفا جديدا لا يقل خطورة عن سابقيه. فهذه الوثائق فيها اعترافات للتجار مصادق عليها، تكشف أنهم أدوا أموالا ضخمة للمستثمر صاحب الامتياز، أقلها 25 مليون سنتيم لكل تاجر مقابل الاستفادة، وقد أطلق على هذه الأموال «مبلغ الدخول».
وبإطلالة بسيطة على الاتفاقية المبرمة ما بين هؤلاء التجار وصاحب السوق، والمكونة من 22 فصلا، يتبين أنه لا وجود لبند يتحدث عن «إتاوة الدخول». وكشف أحمد أدراق، رئيس المجلس البلدي لإنزكان، في اتصال مع «الأخبار» أن هذه الإتاوة أيضا لا وجود لها في دفتر تحملات استغلال سوق الحرية، الموقع ما بين البلدية والمستثمر. وأضاف رئيس البلدية أنه توصل بعدد كبير من شكايات التجار بهذا الخصوص، إلا أنه كشف أنه ليس سلطة قضائية للبت فيها، مضيفا أن التجار أخطؤوا العنوان إذا كانوا متضررين، بحيث إنهم أدوا أموالا للمستثمر في ما بينهم فقط. وبعض هذه الإشهادات المصححة الإمضاء يعترف فيها بعض التجار أن إتاوة الدخول التي دفعوها للمستثمر وصلت إلى 30 مليون سنتيم، وأحدهم أدى مبلغ 60 مليونا للاستفادة من محلين، دفع نصف المبلغ بواسطة شيك (تتوفر «الأخبار» على نسخة منه)، والنصف الآخر دفعه في الحساب البنكي للشركة المسيرة للسوق.
وقد دخلت إدارة الضرائب على الخط بعد اكتشاف توصل الشركة المذكورة بأموال طائلة من هذا المشروع، حيث طلبت في رسالة لرئيس بلدية إنزكان، بتاريخ 15 مارس الماضي، ضرورة إمدادها بعقود الكراء المبرمة ما بين الشركة والتجار، لافتة الانتباه في المراسلة إلى أن هناك مضاربات عرفتها عمليات الاستفادة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى