الرأي

سيزيف إصلاح الإصلاح

عاد المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي لعقد دورة جديدة لجمعيته العامة، بعد مرور ستة أشهر على خروج النسخة النهائية للرؤية الاستراتيجية وتقديمها للملك محمد السادس. ستة أشهر شهدت أحداثا كثيرة سعى عمر عزيمان للفصل فيها، وعلى رأسها طبعا، التوتر «السياسوي» بين رئيس الحكومة ووزير التربية الوطنية حول لغة التدريس. لذلك كان رئيس المجلس حاسما في إعطاء ما يمكن اعتباره رأيا للمجلس في هذا التوتر، عندما عمد إلى اقتباس خمسة مقاطع من خطاب عيد العرش تهم خمسة ملفات شائكة تشكل جوهر الرؤية، وكذا جوهر الخلاف بين الوزير ورئيسه. في إشارة قوية وواضحة إلى المساندة التي يحظى بها المجلس من طرف الملك، سواء في آرائه أو أسلوب عمله. لذلك يسهل استنتاج أن استمرار الحديث عن الهوية في مسألة لغات التدريس تحديدا، وهذا هو رأي رئيس الحكومة وأتباعه، هو عدم إنصات لمعاناة الأسرة المغربية المكتوية بنار فشل المدرسة العمومية، وهو بهذا حديث يصنف في خانة الادعاء والأنانية وليس في خانة الانتماء للمستقبل، ليخلص إلى النتيجة التي سبق لعزيمان أن صرح بها في كلمته أمام الملك لحظة تقديم الرؤية له، كما وردت في ما بعد في الخطاب الملكي سابق الذكر، والمتمثلة في ضرورة وضع إطار قانوني بمثابة تعاقد ملزم للجميع، تجنبا لما أسماه الخطاب «إصلاح الإصلاح».
إن ما عرفته الستة أشهر التي مرت على ظهور الرؤية، أظهرت بالملموس الحاجة للتسريع بوضع هذا الإطار القانوني الملزم، مع الحرص أيضا على ضمان احترام مواد القانون التنظيمي الذي يؤطر عمل المجلس، تكريسا لمكانته الدستورية، وتجنبا للأخطاء التي ارتكبتها هذه الحكومة منذ مجيئها. ففي هذه المدة القصيرة جدا، قياسا لخمس عشرة سنة التي تخطط لها الرؤية، كان بعض أعضاء المجلس يصرفون مواقفهم الشخصية، وكذا مواقف تنظيماتهم الحزبية والنقابية خارج ما ينص عليه قانون المجلس، فرأينا عضوا من المجلس يكتب رسالة إلى وزير التربية الوطنية بخصوص مذكرة تدريس العلوم باللغة الفرنسية، متجاوزا بذلك، ليس فقط صلاحيته كعضو في المجلس، بل وحدود اللياقة أيضا. ورأينا تصريحات أخرى تساند الوزير أو تنتقده، وفي كل هذه الحالات تم خرق قانون اتفق بشأنه، والأهم هو أن حوارا للطرشان «نشب» في وسائل الإعلام، لكن دون أن يفيد الرأي العام في معرفة حقيقة الإشكالية، أو يؤدي لنتيجة تفيد في حل هذه المعضلة الحقيقية، معضلة لغات التدريس. بل بالعكس تماما، تم تجييش الرأي العام بمغالطات من قبيل «تهديد المذكرة للغة العربية».
ما نريد أن نقوله هنا، هو أن الحزب الأغلبي، والذي سجل منذ البداية موقفا رافضا للمذكرة، وسخر كتائبه الإعلامية للنيل من الوزير، فوت على البلد إمكانية ظهور نقاش مسؤول وعلمي حول هذا الموضوع، سيما أن قانون المجلس يعطيه الحق في طلب عقد اجتماع استثنائي كما تنص على ذلك المادة 23 من هذا القانون.
نحن إذن أمام وضع غير طبيعي، فعندما كان الجميع يدلي بموقفه بخصوص لغات التدريس، كما جاء في الرافعة الثالثة عشرة من الرؤية، خرج الجميع متفقا على حصول التوافق، لكن عندما بادر وزير التربية الوطنية لتطبيق ما جاء في الرافعة، سارع البعض منهم لينتقد الوزير، وكأن المعني بالرؤية هو شعب آخر. لكن عندما تعلق الأمر بمرسومين يهمان فصل التكوين عن التوظيف وكذا تخفيض المنحة للأساتذة المتدربين، فإن هؤلاء لم يغضبوا نهائيا عندما عمدت الحكومة إلى إصدار المرسومين دون استشارة المجلس، علما أن خطوة كهذه كانت ستعني الكثير، سواء للأساتذة المتدربين الغاضبين، أو للشعب المغربي الذي يرى الآن نشازا في احترام الحكومة لرؤية استراتيجية متوافق عليها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى