شوف تشوف

الرأي

سي الخلفي.. أُنقر لتقرأ المزيد!

في الدول المتخلّفة فقط توجد صحافة إلكترونية. في الغرب توجد صحافة فقط، ولا تهم وسيلة ممارستها، سواء كانت إلكترونية أو ورقية أو حتى على متن الحمام الزاجل.
يقولون إن المستقبل في المغرب للصحافة الإلكترونية وإن أزمة الورق ستؤدي بدون شك إلى إغلاق الصحف.
قمة العبث أن يتحدث المغاربة عن مستقبل أي شيء، وهم لا يضمنون مستقبل تقاعدهم، فما بالك بمستقبل الصحافة.
بفضل المواقع الإلكترونية، أصبح الجميع صحفيين ينشرون الأخبار التي يوفرها لهم مصدرهم الأزرق الوحيد، «الفايسبوك»، وينتقدون «الزملاء» ويكتبون الافتتاحيات التي يكتبون فيها كلمة المعاناة بالتاء المبسوطة نكاية في اللغة العربية. والحال أن المعاناة الحقيقية هي هذه التي أصبحت الصحافة تعيشها بسبب أصحاب التاء المربوطة والمبسوطة.
حتى النقاشات التي تشغل المغاربة اليوم، تفاقمت بسبب تناول الصحافة التي يصرون على تسميتها صحافة إلكترونية، وبدل أن يتابعها المغاربة، أصبحت هي التي تتبعهم في هواتفهم وحواسيبهم، وتستجديهم للنقر لقراءة الخبر الحصري والسبق الصحفي الذي لم يصل إليه أحد.
هي الأسطوانة المخرومة ذاتها، يكررونها في جميع الملتقيات التي توفر، إلى جانب «الويفي» للمشاركين، قدرا مهما من الحلوى والشاي، لتدارس مستقبل الصحافة في المغرب، والقلق بشأن غلاء أسعار الورق وتراجع عائدات الإشهار، ويتحدثون عنها كما لو أنهم مديرون سابقون للصحف، أو ممارسون للمهنة منذ أيام «التحرير» ومحمد الفقيه البصري.. والحال أن الشيء الوحيد الذي يربطهم بالصحافة هو الكلمات المسهمة، والأبراج التي تخبرهم أن يوم سعدهم هو الثلاثاء.
لا شك أن هناك عقابا إلهيا لا بد أن ينزل بكل المنتحلين لصفة مدير النشر، ومسؤول التحرير، بالمواقع الإخبارية التي تجدد على مدار مزاج المدير والمتعاونين معه. بسبب هؤلاء أصبح الجميع يسخرون من الصحافة. حتى السياسيون الفاسدون والمرتشون لم تعد تزعجهم الصحافة لأنهم يتقلبون ضحكا كلما قرؤوا خبرا يفضح سلوكاتهم، بعربية ركيكة وأخطاء بالجملة، ومقالات لا يدري أصحابها عن أي موضوع يتحدثون، ويوزعون أدوات الربط بين السطور، وكأنها حبات قمح فوق حقل من الحفر.
الحسنة الوحيدة التي جاءت بها الأنترنت للصحافة المغربية، هي توفير الإمكانية لقلة من المواقع المهنية، حتى تعد مقالات محترمة وفورية، تحترم ذكاء القارئ وتستغل إمكانية توظيف الفيديو لنقل الأخبار.. أما المواقع التي تتناسل لنشر أخبار المواقع الأخرى، والمقالات التي تجمع بين الخبر والرأي والمواعظ والتراث والمنوعات وحتى علم المستقبليات، فهي التي جرّت الصحافة المغربية إلى ما هي عليه اليوم. أصحابها، يصرون دائما على الحديث عن «القراء» الأوفياء، والحال أن الأمر يتعلق باستدراج للمتجولين بين الصفحات، ووضع الروابط الملغومة أمامهم حتى يسجلوا دخولهم، قبل أن يهربوا إلى وجهات أخرى.
هؤلاء الذين يمارسون الصحافة بفضل الحواسيب و«ويفي» المقاهي، يجب أن يكونوا مدينين لرجل واحد، هو وزير الاتصال، مصطفى الخلفي، لأنه بدأ النقاش حول الإلكترونية المسماة الصحافة، بشكل أعوج، وبدل أن يواجه الأمر بخبرة الصحفي العارف بالمجال، يا حسرة، فضّل أن يميع الأجواء ويفتح الباب المشرع أصلا، أمام المزيد من المتطفلين، حتى أنه أصبح اليوم من الصعب أن تعثر على مغربي يزاول مهنة أخرى من غير هذه الصحافة.
الإنجاز الوحيد الذي سيحتسب لسي الخلفي، هو أنه استطاع، ذات يوم، أن يجمع في الرباط كل الذين أسسوا مواقع إخبارية إلكترونية، بمجرد ما تعلموا ضغط زر تشغيل الحواسيب، وناقش معهم مستقبل الصحافة الإلكترونية في المغرب، نكاية في «صاحبة الجلالة»، التي تشهد تنكيلا غير مسبوق هذه الأيام. أي بؤس هذا، أكثر من دعوة موقع إلكتروني إلى النقر لرؤية فستان المغنية الفاجرة يسقط، وآخر يعنون كل شيء بالفضيحة حتى لو تعلق بثبوت رؤية هلال شوال..
وفي الأخير يقولون لنا إن المستقبل للصحافة الإلكترونية، وكأن للقطاعات الأخرى مستقبلا أصلا!
على معالي وزير الاتصال، أن يفكر في المرة المقبلة التي سيجمع فيها هؤلاء الصحفيين، بتوزيع كتيبات، وهو العالم بمجال إعداد الدفاتر والكنانيش التي لا تُطبق، تشكل مدخلا إلى صحافة جديدة، يكفي أن تتعلم كيفية تحريك «الفأرة» لولوجها من أوسع الأبواب، والجلوس مع وزير الاتصال في اليوم الموالي لمناقشة الإعلام.. وانقر لتقرأ المزيد!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى