الرأي

صحوة «مفاجئة» لوزراء الخارجية العرب تجاه فلسطين

فجأة، وبعد أن «تعثرت» كل حروبهم في اليمن وسورية والعراق وليبيا في تحقيق أهدافها، تذكرت الحكومات العربية قضية فلسطين بعد سنوات من التجاهل والإهمال، الأمر الذي يطرح الكثير من علامات الريبة والاستفهام حول هذه «الصحوة» المفاجئة.
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أعرب عن استعداده لاستضافة لقاء يجمع الرئيس الفلسطيني محمود عباس مع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في القاهرة «لإحياء عملية السلام»، بينما تتداول الأوساط العربية والدولية مبادرة فرنسية يغيب عنها طرفا القضية، أي الفلسطينيين والاسرائيليين، وتشارك فيها دول عربية وأوروبية، كخطوة أولى، وجرى تحديد يوم الثالث من يونيو الجاري لعقد أول اجتماع في باريس لبلورة أرضية جديدة للحل.
وزراء الخارجية العرب الذين لم يعقدوا أي اجتماع جدي أثناء العدوانين الأخيرين على قطاع غزة، التقوا يوم أمس في مقر الجامعة العربية في اجتماع طارئ أعلنوا في ختامه تأييدهم للمبادرة الفرنسية، دون أن يكشفوا مطلقا عن ماذا يؤيدون فيها من بنود، فطالما أن فرنسا هي الداعية لاجتماع باريس المقبل، فلا بد من الطاعة والولاء وتلبية الدعوة دون شروط أو حتى استفسار، فمن ساهم في تدمير سورية وليبيا واليمن، وتواطأ مع الاحتلال الأمريكي لاحتلال العراق، لا نعتقد أنه يهتم بفلسطين ومقدساتها.
السيد نبيل العربي، أمين عام جامعة الدول العربية، فاجأنا يوم أول أمس عندما وصف في خطابه الافتتاحي للاجتماع الطارئ المذكور اسرائيل «بأنها آخر معاقل الفاشية والاستعمار والتمييز العنصري».
نقول فاجأنا السيد العربي، لأن هذه «اللغة» التي تتحدث عن دولة الاحتلال الاسرائيلي بمثل هذه التوصيفات والمفردات، انقرضت من قاموس الجامعة وبياناتها وتصريحات وزراء خارجيتها طوال السنوات العشر الماضية، إن لم يكن أكثر، ومنذ تبني قمة بيروت المبادرة العربية للسلام التي أسست للتطبيع ووضعت لبناته الأولى.
هذه اللغة تعتبر في قاموس «المتحضرين» العرب، دعاة السلام لغة «خشبية»، تنتمي إلى مرحلة الستينات والسبعينات، عندما كان هناك قادة عرب يعتبرون قضية فلسطين قضية العرب المركزية الأولى، ويخوضون حروبا يستخدمون فيها كل أسلحتهم، بما فيها أسلحة النفط والمقاطعة، من أجل استعادة الكرامة العربية المهدورة على أرضها، فكيف يستعيدها السيد العربي، ويكررها أمام الوزراء بمثل هذه الجرأة، ألا يعرف أين ومع من يتحدث؟
السيد العربي يقول مثل هذا الكلام متأخرا سنوات، وقبل بضعة أشهر من مغادرته لمنصبه للأسف، أي أنه ليس لديه ما يمكن أن يخسره، وربما أراد أن يبرئ ذمته، ويكفر عن بعض الخطايا التي ارتكبها وجامعته أثناء توليه لمهمته، ومن أبرزها توظيف الجامعة العربية «لتشريع» كل الحروب والتدخلات العسكرية الأجنبية في الدول العربية، وتحويلها إلى دول فاشلة تستباح دماء شعوبها، وتدفع الملايين من ابنائها إلى مختلف بلدان العالم بحثا عن الأمان، والحد الأدنى من العيش الكريم.
المبادرات التي تطل برأسها تحت ذريعة، أو غطاء، إيجاد حلول للقضية الفلسطينية الهدف منها تبرير مخططات التفتيت والتقسيم والتجزئة للدول العربية على أسس طائفية وعرقية، واستغلال حال الانهيار العربي الراهنة، للتنازل عن الثوابت الفلسطينية الأساسية، وأبرزها حق العودة، وفتح أبواب التطبيع على مصراعيها أمام المتعطشين له مع دولة الاحتلال، التي لم تعد تعتبر خطرا على العرب، بل باتت الحليف الأوثق الذي يمكن أن تحميهم من العدو الايراني بعد أن تخلت أمريكا عنهم، وهدت خيمتها الدفاعية التي كانوا يستظلون بظلها.
عشنا خديعة السلام الكبرى هذه، وما تمخض عنها من مؤتمرات، ومفاوضات لأكثر من ربع قرن، فماذا كانت النتيجة؟ المزيد من الاستيطان، والمزيد من التهويد للأماكن المقدسة، والمزيد من التنسيق الأمني لحماية المحتلين، والمزيد من التطبيع السري والعلني، والمزيد من القتل لأهلنا تحت الاحتلال، بينما لم يحصل المعتدلون الواقعيون على تناول واحد، صغيرا كان أو كبيرا.
نقول لكل الذين يريدون إحراج اسرائيل وفضح وجهها البشع الرافض للسلام كذريعة للقبول بهذه المبادرات، وأولهم الرئيس الفلسطيني عباس، وفريقه المتعطش للعودة إلى المفاوضات، وبعض عدسات التلفزيونات لمحطات هرمة فاقدة المصداقية، أن اسرائيل لا تعبأ بكم، ولا تعيركم أي اهتمام، وتدير ظهرها لكم ولمؤتمراتكم، لأنكم بلا أنياب، ولا أسنان، ولا مخالب، ولا حتى أظافر، ولم تعودوا تشكلون أي خطر عليها، ونتحدى أن يكرر وزير خارجية عربي واحد الكلمات التي نطق بها السيد الراحل عن منصبه نبيل العربي، بما في ذلك الرئيس عباس نفسه.
هذا الهوان العربي مؤقت، ولن يدوم مطلقا، فالشعب الفلسطيني الذي يتحدى الاحتلال والسلطة معا، هو الرصيد الوطني الأكبر الذي يمكن التعويل عليه، ومعه الشعوب العربية التي تواجه الفتن الطائفية ومخططات التفتيت التي ستستعيد قواها حتما، وهي التي بدأت تدرك أبعاد المخططات التي تستهدفها، والذين يقفون خلفها.
ثقتنا بهذه الأمة وعقيدتها كبيرة، بل كبيرة جدا، والسنوات العجاف تقترب من نهايتها، ونقول صبرا آل ياسر، مقتدين بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى