الرئيسيةبانوراما

ضريبة على الواتساب تفيض كأس الشعب اللبناني

مطالب بإسقاط النظام والحكومة تتراجع عن فرض رسوم جديدة

سهيلة التاور
وصلت عدوى الاحتجاجات الشعبية إلى أرض لبنان. هذه المرة انتفض اللبنانيون كغيرهم من الشعوب، التي باتت تثور من أجل إبلاغ صوتها إلى الجهات المسؤولة عن التسيير في بلدانها. المواطنون اللبنانيون وقفوا صفا واحدا في وجه الحكومة، رافضين الزيادة في الأسعار وفرض الضرائب، التي تمثلت في رسوم بقيمة تعادل ستة دولارات أمريكية شهريا عن خدمة المكالمات الصوتية عبر بروتوكول الإنترنت الخاصة بتطبيق «الواتساب» على الهواتف الذكية، وهي الضرائب التي كانت القطرة التي أفاضت الكأس، مما جعل الحكومة اللبنانية تتراجع عن القرار وتحاول البحث عن بدائل أخرى لمواجهة الأزمة المالية التي تمر بها البلاد.

خرج المتظاهرون اللبنانيون في مظاهرات احتجاجية تعبيرا عن حالة الغضب التي يشعرون بها وحملوا أعلام بلادهم، مرددين شعارات تندد بالطبقة السياسية وتدعو إلى مكافحة الفساد، بل إن سقف هاته الشعارات ارتفع إلى مستوى المطالبة بـ«إسقاط النظام».
فضلا عن العاصمة بيروت، طالت الاحتجاجات مناطق عديدة في الشمال والجنوب والبقاع، حيث قطع المتظاهرون الطرقات الرئيسية بالإطارات المطاطية، رفضا للأوضاع الاقتصادية والمعيشية في البلاد.
ويقول المحتجون إن الحكومة فرضت ضرائب جديدة على الفقراء والطبقة المتوسطة، مشددين على أن الفساد المستشري في البلاد هو ما أوصلها إلى الأزمة الاقتصادية والمالية التي تعيشها.
المواطنون اللبنانيون، الذين تجمع الآلاف منهم في ساحة «رياض الصلح» وسط العاصمة، حيث مقر الحكومة، يصرون على عدم مغادرة الشارع، ويقولون إنهم لا يريدون فقط أن تتراجع الحكومة عن الضرائب الجديدة، وإنما يريدون أيضا إسقاطها من موقع التسيير.

«الواتساب» يشعل الغضب
اشتعل الشعب اللبناني غضبا، بعدما انتشرت أنباء في الأوساط الإعلامية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي تؤكد أن الحكومة اللبنانية ستوافق على فرض رسم على الاتصالات الصوتية عبر تطبيق «واتساب» والتطبيقات الأخرى المماثلة، وذلك في إطار مساع لزيادة الإيرادات في مشروع ميزانية البلاد للعام 2020، وهي القطرة التي أفاضت الكأس في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة التي يتخبط فيها جل اللبنانيين.
وتصاعدت نقمة الشارع في لبنان، خلال الأسابيع الأخيرة، إزاء تدهور قيمة العملة المحلية التي انخفضت قيمتها في السوق السوداء مقابل الدولار، وفرض البنوك عمولة على السحب بالدولار الذي شح في السوق.
الوضع العام في لبنان يؤكد أن البلاد تعيش أزمة مالية خانقة، إذ تعتبر البلاد واحدة من بين البلدان الأكثر استدانة في العالم، كما تعاني من انخفاض النمو وتداعي البنية التحتية.
الحكومة اللبنانية، في ظل الضغوط التي يواجهها النظام المالي جراء تباطؤ تدفقات رؤوس الأموال، تناقش منذ أيام مشروع موازنة العام 2020 التي ستتضمن فرض ضرائب جديدة لتمويل عجز الميزانية العامة، ومنها رفع الرسوم على التبغ والمحروقات وزيادة ضريبة القيمة المضافة تدريجيا. هذه الإجراءات المرتقبة أججت غضب اللبنانيين ودفعتهم للنزول إلى الشوارع، تعبيرا عن سخطهم على الحكومة. وفي ظل هذا الاحتقان، عمد أكرم شهيب، وزير التربية اللبناني، إلى اتخاذ قرار بإغلاق المدارس والجامعات خوفا من امتداد المظاهرات إليها.
وقد أعلنت الحكومة حالة «طوارئ اقتصادية»، وتعهدت باتخاذ إجراءات لدرء تفاقم الأزمة.

الدعوة إلى إسقاط النظام
انتشرت فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي، يظهر فيها المتظاهرون اللبنانيون وهم يرددون «الشعب يريد إسقاط النظام»، احتجاجا على الأوضاع الاقتصادية القائمة. وأطلق المحتجون شعارات تطالب سعد الحريري، رئيس الحكومة، بالاستقالة، كما دعوا إلى استقالة حكومته.
وطالب سمير جعجع، رئيس حزب القوات اللبنانية، رئيس الوزراء اللبناني بإقالة الحكومة بعد فشلها. وقال جعجع في بيان: «أوجه دعوة صادقة إلى رئيس الحكومة، سعد الحريري، لاستقالة هذه الحكومة، نظرا لفشلها الذريع في وقف تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في البلاد، مما أوصلنا إلى الحالة التي نحن فيها».
وأكد جعجع أن أفضل ما يمكن أن يقدمه الرئيس الحريري في هذه اللحظات الحرجة والعصيبة، هو تقديم استقالة هذه الحكومة تمهيدا لتشكيل حكومة أخرى مختلفة تماما وجديدة تماما، تستطيع قيادة عملية النهوض الاقتصادي المطلوبة في البلد.
ومن جهته، اقترح وليد جنبلاط، رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، على الحريري الاستقالة من الحكومة، عقب اندلاع احتجاجات رفضا لفرض ضرائب جديدة.
سياسيون كثيرون عبروا عن تأييدهم للمظاهرات، ومنهم وليد جنبلاط، ونجيب ميقاتي، رئيس الوزراء اللبناني السابق، الذي دعا المتظاهرين إلى «التزام السلمية» لتبليغ رسالتهم التي وصفها بالنبيلة.
وقبل أن يلقي رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري كلمته بشأن المظاهرات وما آل إليه الوضع في البلاد، لمح سياسيون ومنهم جنبلاط وميقاتي إلى رمي المسؤولين الحقيقيين عن الوضع في لبنان المسؤولية على عاتق الحريري، كما دعا سمير جعجع، رئيس حزب القوات اللبنانية، أنصاره إلى المشاركة في المظاهرات.
أما ريّا الحسن، وزيرة الداخلية، فأشارت إلى أنه «لا استقالة لرئيس الحكومة سعد الحريري في الوقت الراهن، لأن الاستقالة لا تحقق أي هدف».
وقال جبران باسيل، وزير الخارجية، إنه يجب على الحكومة ألا تفرض أي ضرائب جديدة، وأن تعمل على وقف الفساد وسن إصلاحات طال انتظارها. وحذر باسيل من تأجيج الصراع بسبب الاحتجاجات الشعبية. وعن استقالة الحكومة قال باسيل إن أي بديل للحكومة الحالية سيكون أسوأ بكثير.
وأعلن مجلس الوزراء اللبناني إلغاء جلسة الحكومة التي كانت مقررة، بسبب تعذر وصول سعد الحريري، رئيس الوزراء، إلى القصر الجمهوري مع استمرار المظاهرات وإيقاف حركة المرور في أنحاء بيروت.

الحكومة تتراجع
أعلن محمد شقير، وزير الاتصالات اللبناني، تراجع الحكومة عن فرض ضرائب جديدة على اتصالات الإنترنت، بعد احتجاجات غاضبة واسعة النطاق. وكانت الحكومة قد أقرت هذه الضرائب في جلسة حكومية، ضمن الإجراءات التقشفية الرامية إلى تجاوز الأزمة المالية للبلاد. وقال الوزير شقير في تصريحات تلفزيونية إنه تواصل مع سعد الحريري، رئيس الحكومة، الذي طلب منه إعلان التراجع عن فرض الضريبة على اتصالات الإنترنت. وتعد كلفة الاتصالات في لبنان من بين الأعلى في المنطقة.
أما علي حسن خليل، وزير المالية، وإن لم يعبر عن دعم صريح للمتظاهرين، إلا أنه قال إن وزارته ترفض تحميل الطبقات الوسطى والفقيرة أي إجراءات ضريبية، ودعا الحكومة التي هو جزء منها، إلى الإنصات إلى المتظاهرين. وأكد خليل في تغريدة عبر حسابه الرسمي على «تويتر» أن الموازنة التي طرحتها وزارته لا تتضمن ضرائب جديدة ولا رسوما.

قلق دولي
في ظل توتر الأوضاع في لبنان، دعت وزارة الخارجية البحرينية مواطنيها في لبنان إلى المغادرة على الفور بسبب الأحداث الراهنة، بحسب ما جاء في تغريدة نشرها الحساب الرسمي للخارجية البحرينية في «تويتر».
وكانت الوزارة ذاتها قد نشرت بيانا في وقت سابق شددت فيه على أن مواطني البحرين لا يجب أن يتوجهوا إلى لبنان تحت أي ظرف، وذلك حماية لسلامتهم الخاصة.
وحذرت وزارة الخارجية السعودية رعاياها من السفر إلى لبنان، داعية المواطنين الموجودين في بلاد الأرز إلى توخي أقصى درجات الحيطة والحذر، بحسب ما ذكرته وكالة الأنباء السعودية الرسمية. ودعت الأمم المتحدة «جميع الأطراف اللبنانيين إلى الامتناع عن أنشطة من شأنها زيادة التوتر وأعمال العنف» في لبنان، الذي يشهد تظاهرات ضد الفساد وتردي الظروف المعيشية والاقتصادية، وفق ما أعلنه المتحدث باسم المنظمة. وقال ستيفان دوجاريك، خلال مؤتمر صحافي، إن «الأمم المتحدة تواصل العمل مع حكومة لبنان والشركاء الدوليين، بهدف المساعدة في مواجهة التحديات التي يواجهها لبنان، ويشمل ذلك وضعه الاقتصادي».

مهلة وتهديدات
خوفا من تأزم الوضع أكثر، أمهل سعد الحريري، رئيس الوزراء اللبناني، الشركاء السياسيين في لبنان 72 ساعة، لتقديم حلول للإصلاح الاقتصادي والاستجابة للمطالب الشعبية، مهددا باللجوء إلى خيارات أخرى.
ورفض المحتجون مهلة الحريري وحاولوا شق طريقهم إلى مقر مجلس الوزراء، وتصدت لهم قوات الأمن بإطلاق الغاز المسيل للدموع.
وفي السياق نفسه، قال جبران باسيل، وزير الخارجية اللبناني، إن هناك جهات سياسية تستغل المظاهرات لإسقاط رؤساء الجمهورية والحكومة والبرلمان، داعيا أنصاره في التيار الوطني الحر إلى «عدم الانجرار وراء حركات مشبوهة».
وأرجع فؤاد السنيورة، رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، الأزمة التي يشهدها لبنان، إلى ما وصفها بـ«سيطرة حزب الله على البلاد». وأضاف السنيورة أن القبضة القوية التي يمارسها الحزب على الحكومة اللبنانية، أدت إلى الإخلال بالدستور واتفاق الطائف، الذي يقوم عليه تقسيم السلطة في لبنان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى