الرئيسية

طوفان تطوان.. خسائر جسيمة والسكان متذمرون بسبب هشاشة البنية التحتية وغياب المساعدة

تطوان: حسن الخضراوي

أكد المتضررون من السكان أن لا أحد زارهم من المسؤولين الجماعيين أو غيرهم ولو على سبيل التضامن، مشددين على أن لجنة اليقظة والتتبع التي تم إحداثها للإنقاذ والمساعدة سمعوا بها أيضا عن طريق الإعلام لكنهم لم يشاهدوها أبدا، ليعوضها تكافل الجيران والشباب الذين تجندوا لمساعدة العائلات التي غمرت منازلها المياه وإنقاذ العجزة والأطفال والنساء من الغرق.

خسائر جسيمة
تحول شارع عبد الخالق الطريس بتطوان المؤدي إلى مرتيل، زوال الأحد الماضي، حسب مستخدم بأحد المحلات التجارية التي غمرتها المياه، إلى ما يشبه الوادي في ظرف قياسي وبشكل غير متوقع تماما. ويقول المتحدث ذاته: “إن البالوعات التي تصرف مياه الأمطار أصبحت نافورات ضخمة، ولم يسعفنا الفيضان لعمل أي شيء من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه من السلع”.
وأضاف المصدر نفسه: «تابعنا النشرة الإنذارية ولكننا لم نتوقع أبدا أن يكون الأمر على هذا الشكل الذي أفزع الجميع، الأمر كما ترى الآن هناك قطع نعمل على تنظيفها لإعادة بيعها ولو بأرخص الأثمان إن قبل بها زبون ما، وهناك قطع أخرى أتلفت بالمياه الملوثة ولا يمكن بيعها أبدا. خسائر المحل المادية فادحة جدا بالنظر إلى أثمنة الأثاث المرتفعة، والمسؤولون لم يكلفوا أنفسهم زيارتنا أو مساعدتنا بأي شكل من الأشكال. أظن أنه لو كانت هناك بنية تحتية في المستوى ما كانت مياه الأمطار ستصل إلى هذا الحد، أو على الأقل كانت ستكون الخسائر المادية محدودة»، يضيف المتحدث الذي طلب منه مشغله أن يستمر في العمل نظرا لضيق الوقت، معتذرا من الجريدة بطريقة تنم عن تأثره بالخسائر التي أصابت محله.
وعلى الجانب الآخر من الشارع ذاته، كانت كلية أصول الدين تغرق في مياه الأمطار بعمق يتجاوز المترين تقريبا، شاحنة ضخمة للوقاية المدنية تقف بالمكان ورجال الوقاية يحاولون تفريغ المياه بواسطة مضخات مياه صغيرة، كما عاينت «الأخبار»، لا يمكنها، حسب تقدير أحد الحاضرين، أن تقوم بالمهمة إلا خلال يومين أو أكثر.
الخسائر داخل الكلية لا يمكن عدها أو إحصاؤها إلا عندما تنتهي عملية إفراغ المياه، لكن الظاهر أنها ستكون فادحة ولن تستثني الأرشيف والملفات الإدارية المهمة.
من جانبها، تتكتم المؤسسات التي تعرضت أقبيتها إلى الغرق بفعل الفيضان، عن الخسائر نظرا لحساسية الموضوع، وحدثتنا مصادر خاصة من حي الولاية عن أن قبو محكمة الاستئناف بتطوان تعرض لتسرب مياه الأمطار ما تسبب في استنفار جميع الأجهزة من أجل الانقاذ تفاديا للخسائر وحفاظا على الملفات المهمة التي توجد بالمحكمة.
أثر الفيضانات والأوحال لا زال شاهدا على طول الشوارع والأوحال عالقة بجانب الطرقات على الرغم من تركيز عمليات التنظيف على الواجهة وإهمالها لهوامش المدينة والأحياء العشوائية.

حي كويلمة المكلوم
من أكثر الأحياء العشوائية والهامشية تضررا بفيضان ليلة السبت الماضي حي كويلمة الذي يوجد على الطريق المؤدية إلى واد لو. قصدنا الحي حوالي الساعة الخامسة مساء وكان في حالة يرثى لها بفعل الطمي الذي يغمر دروبه الضيقة، وسخط أهاليه وتذمرهم من المستشارين الجماعيين الذين يتذكرونهم خلال الانتخابات فقط وعند الحاجة إلى أصواتهم.
قادنا صاحب دكان للمواد الغذائية نحو المنازل التي تضررت بشكل جسيم ولا زالت الأشغال جارية داخلها من أجل إفراغ المياه والتنظيف بالاعتماد على مساعدة الجيران والوسائل البسيطة المتوفرة.
استقبلتنا احدى السيدات داخل منزلها لنعاين الأضرار الجسيمة وكان شبه خال من الأثاث سوى القليل الذي تم إنقاذه، منبهة إلى أن الأغطية والأفرشة التي غمرتها المياه الملوثة لا يمكن استعمالها وتم إلقاؤها في القمامة.
وتقول المتضررة التي كانت ترتعد من البرد وهي مستمرة في عملية التنظيف، إن لا أحد زارهم من لجنة اليقظة أو قدم إليهم مساعدة بأي شكل من الأشكال. «ما شفنا حتى واحد آخاي، كيعرفونا غير في وقت الانتخابات، بالصح المرة الجاية ما نصوتو على حد».
وتضيف المرأة الغاضبة قائلة: «قضينا ليلة بيضاء مرعبة بكل المقاييس رفقة أطفالنا، كان زوجي مسافرا وعملت على وضع أكياس الرمل بمساعدة شباب الحي كي لا تغمر المياه المنزل عندما ارتفع منسوبها، لكنني تفاجأت بانفجار قنوات الواد الحار المياه وحولت المياه البالوعة أمام الباب إلى نافورة. لقد وصل منسوب المياه إلى أزرار الكهرباء وكانت ستحل كارثة لا قدر الله قبل أن ينتبه أحد الشباب ويعمل على فصل التيار الكهربائي، حملت أطفالي للنوم عند الجيران في الطابق العلوي واستمررت رفقة شباب الحي والجيران في إنقاذ ما يمكن إنقاذه حتى الساعات الأولى من الصباح، وها نحن إلى الآن كما ترى لم نذق طعم النوم أو الراحة، لقد أفرغنا المنزل من المياه بالاعتماد على السطول ولم تصلنا مضخات الوقاية التي لا زالت تعمل بواجهة المدينة».
انتقلت «الأخبار» إلى منزل آخر وكان الضرر به أقل من سابقه. تقول صاحبته إنها قامت بترحيل الأثاث المهم إلى الطابق الأول عند الجيران كي تخفف من الأضرار عند سماعها بالنشرة الإنذارية، خاصة أنها عاشت كابوس الفيضانات في وقت سابق، لكن ذلك لم يمنع من تضرر البيت من الداخل بشكل تام، تضيف في تصريحها، منبهة إلى أن خطر الإصابة بصعقة كهربائية ظل يراودها طيلة عملية التنظيف بسبب تسرب المياه ووصول منسوبها إلى أزرار الكهرباء، «كنا خايفين آخاي من البريزات والضوء ليقتلنا، سمحنا فكلشي وقلنا بعدا نحافظو غير على أرواحنا”.
تركنا حي كويلمة المهمش وساكنته التي لا زالت تغرق في مخلفات الفيضانات، معتمدة على تضامنها في الإنقاذ والمساعدة، وحيث أغلب العائلات هنا تعاني الفقر والهشاشة وضياع أثاث منازلها وتجهيزاته سيكلفها غاليا، واتجهنا نحو حي الولاية الراقي للاطلاع على الخسائر.

تذمر واستياء
وصلت «الأخبار» حي الولاية الراقي حوالي الساعة السادسة ونصف وأثناء جولتنا به، صادفنا العديد من سيارات الوقاية المدنية التي كانت تجوبه في استنفار رفقة سيارات أخرى لمسؤولين مختلفين بالمدينة.
حدثتنا مصادر بالحي عن أن العديد من أقبية الفيلات غمرتها المياه، وأن عدد السيارات المتضررة بالشوارع والأقبية كبير جدا، في غياب أي إحصاء دقيق من طرف الجهات الرسمية التي لازالت غارقة في تتبع عمليات تنظيف الشوارع الرئيسية من الأوحال وإنقاذ المؤسسات الغارقة في مياه الفيضانات التي ضربت المدينة.
عثرنا على ثلاثة منازل غمرتها المياه بشكل كبير جدا وهددت أرواح قاطنيها بشكل جدي ما أثار استياءهم وتذمرهم، إذ عبروا عنه بعفوية مباشرة بعد رؤيتهم للسيارة التي كانت تقل طاقم «الأخبار» وتحمل اسم الجريدة وشعارها: «أجيوا آخاي انتما الصحافة؟ شوف هاد المصيبة لي حنا فيها». تقول إحدى السيدات التي كانت مبتلة الثياب على الآخر وهي تشير إلى أثاث المنزل الذي تم إلقاؤه خارجا وقد أتلفته المياه الملوثة بشكل كامل.
«لقد غمرت المياه منازلنا بسبب ضعف البنية التحتية وغياب الدقة في الهندسة، تقول المتحدثة نفسها وليس بسبب الأمطار التي كانت قوية، كما ترى الآن فقد أصبحنا لا نملك شيئا. ضاعت وثائقنا الإدارية والكتب المدرسية للأطفال وكل الأثاث الذي نملكه.. لم يبق شيء كما ترى، لم يبق شيء والحمد لله».
«كررت محاولات الاتصال بمصالح شركة «أمانديس» ليلة السبت الماضي دون جدوى»، تقول المتضررة نفسها وتضيف: «لقد كان الخط مشغولا وظل كذلك دون أن تستقبل استغاثتنا وشكايتنا. حتى مصالح الوقاية المدنية التي اتصلنا بها وصلت متأخرة في حدود الحادية عشرة ليلا لكن ماذا عساها تفعل؟ لا شيء. قضينا الليلة فوق سطح المنزل نرتعد من البرد ولم يزرنا أي مسؤول أو قدمت إلينا أي مساعدة من أي جهة كانت وها نحن أحياء إذا كان أحدهم يريد مجابهتنا».
وفي ما يشبه ذكريات أليمة أحياها الفيضان، تقول المرأة نفسها: «تقدمنا بشكايات عدة عن مشكلنا مع الفيضان لكن لا أحد يلتفت إلينا، من حسن حظنا أن الجيران قاموا بمساعدة بعضهم البعض في عمليات الإنقاذ وها هو الرجل المسن والمريض كما ترى في وضعية مزرية وقضى الليل كله يعاني برودة الطقس والأحوال الجوية غير المستقرة».
يتقدم صاحب محل للبقالة أيضا بالمكان، معبرا عن غضبه من ضياع السلعة بفعل الفيضان، والأضرار المادية الجسيمة التي أصابت رأس ماله، مؤكدا أنه فشل في إنقاذ أي شيء بسبب ارتفاع منسوب المياه بشكل مفاجئ وغير متوقع.

سؤال البنية التحتية
في كل مرة تتعرض مدن الشمال إلى الفيضانات، يعاد طرح سؤال البنية التحتية التي صرفت من أجلها الملايير وعدم صمودها أمام مقاييس متوسطة من الأمطار، دون أي جواب مقنع من الجهات المسؤولة، كما تظهر عيوب الصفقات العمومية الخاصة بالبنية التحتية، ونذكر منها الانسداد في القنوات التي تصرف مياه الأمطار وضعف قدرتها في الاستيعاب، فضلا عن الهشاشة وإهمال الصيانة والتنظيف والمراقبة المستمرة.
فقد خلفت الفيضانات التي ضربت تطوان خسائر مادية مهمة ومعاناة قاسية لبعض العائلات، قد تمتد آثارها لشهور بعد نسيانها من طرف الجميع ساعات بعد مرورها وتناولها من وسائل الإعلام الرسمي وغيره.
إلى ذلك، سبق لمهتمين أن حذروا، عبر «الأخبار» في تحقيق آخر، من خطر الأعمدة الكهربائية التي تسرق أغطيتها وتصبح فخاخا تصطاد المواطنين، وخاصة الأطفال، وتهدد حياتهم بالصعقات الكهربائية القاتلة، دون أن يحرك ذلك ساكنا في المسؤولين لدفعهم إلى التفكير في حلول واقعية من أجل معالجة الظاهرة.
فقد قتل عمود كهرباء عمومي بالمضيق طبيبا بعد أن أصابته صعقة كهربائية في وقت سابق، وقررت عائلته رفع دعوى قضائية لا زالت سارية إلى الآن، وها هو مستشار جماعي عن العدالة والتنمية بمجلس تطوان يلقى حتفه بالسيناريو نفسه، في انتظار فتح تحقيق في ظروف الحادث المأساوي وحيثياته.

كارثة بيئية
زارت «الأخبار» حي الديزة العشوائي بمرتيل، ووقفت على الحالة المزرية التي تعانيها ساكنته، بفعل قربها من الشاطئ والأمواج العاتية التي اجتاحت الشوارع متسببة في ذعر العائلات وخوفهم. وحدثنا شاب عن أن أغلب سكان الحي لم يذوقوا طعم النوم طيلة ليلة السبت، خوفا من الفيضانات وهيجان البحر الذي وصلت أمواجه مستويات قياسية وغير مسبوقة.
وعاينت «الأخبار» تضرر بعض أعمدة الكهرباء العمومي التي قد تسقط في أي لحظة جراء تآكل أساساتها، ما يشكل خطرا حقيقيا على السكان، كما عاينت تجمع النفايات التي ألقت بها أمواج البحر الهائج بالقرب من المنازل العشوائية، ولم تستثن جثث الخيول والحيوانات النافقة جراء الفيضانات التي عرفتها المنطقة.
هذا وحولت الرمال التي انتقلت بفعل الرياح، كورنيش المدينة وبعض الشوارع القريبة منه إلى شاطئ حقيقي، ما جعل الجرافات تتدخل من أجل جمعها وإعادتها إلى الشاطئ تحت إشراف السلطات المحلية وباشا المدينة الذي كان حاضرا بالمكان، في حين عاينت الجريدة استمرار نهب الرمال في واضحة النهار بحي الديزة العشوائي.
يذكر أن حي الديزة أصبح مهددا بالغرق في أي لحظة، كما أصبحت ظاهرة التلوث البيئي التي تعيشها ساكنته، تنذر بكارثة في حال الإصابة ببعض الأمراض الناتجة عن مجاورة المستنقعات، ومنها الملاريا، ما يتطلب تدخلا عاجلا من المسؤولين للتخفيف من وطأة معاناة الحي ووقف عشوائيته السائرة في طريق الانتشار في ظروف غامضة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى