الرأي

عبدة الشيطان

اكتفى إمام مسجد في الدار البيضاء بالحوقلة وهو يلاحظ تقلص عدد مرتادي المسجد مساء يوم السبت، فانتشله شاب من حيرته وذكره بعبارة «الغايب حجتو معاه»، قبل أن يهمس في أذنه ويتمتم ببضع كلمات تكشف سر الغياب غير المبرر، وتؤكد جاذبية «كوبا أمريكا» التي جعلت كثيرا من المغاربة يصلون على قبلة سانتياغو.. وحين تجدد الغياب في صلاة التراويح تبين أن الكرة عقيدة من لا عقيدة له.
بشكل استثنائي فتحت المقاهي الشعبية أبوابها لاستقبال زبناء الكرة، الذين قرروا الإفطار بعيدا عن «اللمة» الأسرية، حمل المهووسون تمرا وهرعوا إلى مقاه سافرت بهم إلى أمريكا اللاتينية، في نهائي كروي مثير للجدل.. عاشت المقاهي مباريات موازية بين عشاق اللاعب ميسي وأعدائه، وتبين أن المواجهة القوية بين الشيلي والأرجنتين تحولت إلى نسخة غير مطابقة لكلاسيكو الريال والبارصا.
المغاربة غير معنيين مباشرة بالمباراة لكنهم أشد حماسا وأكثر صخبا من عشاق المنتخبين الأرجنتيني والشيلي، لأن نكبات المنتخب المغربي حولت أنصاره إلى مشجعين جاهزين لمناصرة أي منتخب قادر على إسعاد مواطنيه، بل إن بعض الشباب خرجوا للشارع فرحين بفوز الشيلي نكاية في ميسي ليس إلا، وأكدوا أنهم أنصار من لا فريق له. بل إن أحد المتضررين من الحريق الذي شب في صباح ذات اليوم بمحلات تجارية بحي المسيرة بالدار البيضاء، كان في الصفوف الأمامية لمشجعي الشيلي وكأن ميسي هو من أضرم النار في محله وأن سانشيز هو من أخمدها. ظل الرجل يساند بسخاء الفريق الأحمر واصفا رفاق ميسي بعبدة الشيطان، لكن مناصري الفريق الأرجنتيني توعدوه بتصفية الحساب آجلا، وحذروه من غضبة الفتى الأرجنتيني الذي سيتذكر بعد عطلة الصيف هواية السطو على ألقاب الغير.
انخرط مشجعو الريال في مساندة الشيلي، ورفع أنصار البارصا، في خشوع، أكف الضراعة إلى المولى القدير أن يوفق ميسي ويعينه على تحرير سانتياغو من المتربصين، ويحرز كأس أمريكا اللاتينية، بينما شكر محبو الريال الشيلي لأنها أنهت عطلتهم المبكرة ومكنتهم من رؤية ميسي مهموما مهزوما مكسور الوجدان.
تمكنت الكرة المحشوة بالهواء الفاسد من تحويل وجبة الإفطار إلى مجرد فاصل غذائي سريع، ومكن نقل نهائي كأس «كوبا أمريكا» المغاربة من التخلص ليوم واحد من وجع المسلسلات والوصلات الدعائية المفروضة عليهم مع سبق الإصرار والترصد، فشكروا الفضائيات التي تفضلت بنقل المباراة على حسن البرمجة وحملتهم على بساطها بعيدا عن لغط القنوات المغربية وجدل التنورات والمثليين وسجال زواج المتعة بين الصحافيين برعاية شركة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
على امتداد دقائق المباراة، ابتلع المغاربة كل همومهم وحللوا صيامهم بتمرة وراحوا يحللون ويقارنون بين ميسي ومارادونا، بين ساحر من الزمن الماضي وساحر لا فرق بينه وبين لعبة «البلاي ستايشن»، وحين انتهت المواجهة بخسارة الأرجنتين بكى الأرجنتينيون بحرقة وسكبوا دموعا فاقت الكميات التي تدفقت على خدودهم في معركة الفوكلاند ضد الإنجليز، أما الشيليون فقد كانوا يعلمون علم اليقين أن الخسارة في النهائي أشبه بزلزال آخر يضرب البلاد والعباد.
من تابع المباراة سيكتشف صيحة أخرى في عالم الكرة، لاعبون من كوكب آخر بتقليعة حلاقة غريبة، وأجساد ملطخة بالكتابات كدفاتر الوسخ القديمة في زمن بوكماخ، وأطراف موشومة بالرسوم والعبارات كحيطان الأحياء الشعبية، ووجوه مخيفة لا فرق بينها وبين عبدة الشيطان في عز شهر الغفران.
لحسن الحظ أن الاتحاد الدولي لكرة القدم أصدر، في حق نجم الأوروغواي ومهاجم برشلونة لويس سواريز، حكما بالتوقيف عن الممارسة، بسبب واقعة العض التي قام بها في مونديال كأس العالم العام المنصرم، وإلا لتحولت الدورة الكروية إلى عرس للدم.
أمام هرولة المغاربة نجوم الريال والبارصا وإعلان ولائهم للظاهرة واستقالتهم الضمنية من عشق المنتوج المحلي، وفي ظل اكتشاف عشاق التنورة القصيرة وارتفاع منسوب تدفق المثليين، دعا بعض الظرفاء لحليمي إلى إعادة الإحصاء من جديد..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى