شوف تشوف

عبد الإله بن فرناس

من الفضائح الكبرى للحملة الانتخابية التي وضعت أوزارها ليلة أمس الخميس أن رئيس الحكومة تنقل خلالها على متن طائرة خاصة بين المدن واستغل ما يعتبره منجزات حكومته للدعاية لمرشحي حزبه للانتخابات الجماعية.
شخصيا لا أفهم كيف يستولي رئيس حكومة على منجزات، على افتراض أنها موجودة، حكومة مكونة من تحالف حزبي لكي ينسبها لنفسه ويدعم بها مرشحي حزبه.
ومن سمع رئيس الحكومة ينفخ أوداجه ويستعرض أناه المتضخمة وهو يتحدث عن الحكومة بضمير المتكلم، يفهم أن الرجل غارق في النوم المغناطيسي بسبب الغطرسة والنرجسية التي لن يستفيق منها إلا يوم يسمع نتائج الانتخابات، التي من المحتمل جدا أن تضعه في أحسن الأحوال في المرتبة الثالثة.
لقد رقص رئيس الحكومة خلال الحملة الانتخابية كل الرقصات الشعبية المعروفة من أحواش ركادة وأحيدوس، وألقى نحو خصومه بكل التهم التي لا تخطر على بال، حتى أنه اتهم حزبا باستعمال أموال محصلة من تجارة «الغبرة» في تمويل الحملة الانتخابية، مما يدفع إلى التساؤل عن سبب إحجام رئيس الحكومة، بوصفه المشرف القانوني على الانتخابات، عن توقيف العملية برمتها إلى حين الانتهاء من التحقيق في هذه التهمة الخطيرة التي تهدد، ليس فقط سلامة الانتخابات، بل التجربة المغربية التي لا يتوقف بنكيران عن التغني بها أينما حل وارتحل.
إن المغرب يعيش أول انتخابات في تاريخه يشرف عليها مباشرة رئيس الحكومة، ولأول مرة في تاريخ المغرب السياسي نسمع أن الجهة المشرفة على الانتخابات تطعن فيها وتتهم حزبا مشاركا فيها باستعمال عائدات تجارة الكوكايين في الحملة.
وها قد رفع رئيس الحكومة التحدي في وجه محامي «البام» من طنجة وقال له تابعني أمام القضاء إن استطعت إلى ذلك سبيلا.
ومن حق بنكيران أن يتحدى فهو يعرف أنه يتمتع بالحصانة ولا أحد يستطيع محاكمته طالما أنه رئيس للحكومة، وأن وزير العدل في صفه ومن شيعته.
اللافت للانتباه أن التجمعات الخطابية التي ترأسها بنكيران خلال الحملة الانتخابية، عرفت تجييشا كبيرا للمواطنين من مختلف المناطق والقرى المجاورة للمدن التي احتضنت هذه التجمعات واستعملت في ذلك الشاحنات وسيارات «البيكوب»، في وقت استعمل رئيس الحكومة طائرة خاصة.
ولأن هذه التجمعات كانت ذات بعد جهوي فقد فرضت القيادة المركزية للحزب على كل كتابة إقليمية إحضار عدد معين من المواطنين، وكانت هناك خلايا حزبية على مستوى الأمانات المحلية والجهوية تنسق منذ مدة مع خلية مركزية لبرامج جولات بنكيران الانتخابية في المدن.
ومع اقتراب مواعد المهرجانات الخطابية تقوم هذه الخلايا بإشاعة أخبار وسط أصحاب المظالم والباحثين عن حلول لمشاكلهم الاجتماعية بإعداد طلبات في الموضوع لرفعها إلى بنكيران لدى وصوله، شريطة حضور المعني بالأمر شخصيا، وفيديو تازة يفضح هذه العملية.
واعتبرت الأحزاب المنافسة أن تبني هذا السلوك من طرف حزب العدالة والتنمية هو تحايل على المواطن وخرق قانوني وضرب لمبدأ تكافؤ فرص الأحزاب المرشحة، وتشبه من بنكيران بالملك في واحدة من تقاليد تواصله مع شعبه، فهو الوحيد الذي يرفع إليه المواطنون في زياراته مشاكلهم في أظرفة.
بنكيران روج طيلة الحملة التي قام بها، أنه لا يملك في رأسماله سوى 20 مليون سنتيم، في حين كان يتنقل طيلة الحملة إلى مختلف المدن عبر طائرة خاصة كما لو كان عباس بن فرناس زمانه، ما يطرح أسئلة مشروعة حول مصدر تمويل كراء هذه الطائرة طيلة أيام الحملة.
وطالما أن السيد رئيس الحكومة مصر على الاستمرار في الحديث عن تقشفه وفقره فلنتحدث عن ذلك ولنشرح كيف أن العكس هو الصحيح، فالرجل يرفل وسط المليارات ويلعب بها ذات اليمين وذات الشمال.
والمعروف أن كراء الطائرة يكلف حوالي 6 ملايين سنتيم عن كل ساعة طيران، وإذا احتسبنا الرحلة ذهابا وإيابا، مع تعويضات ربان الطائرة والطاقم المرافق له، يمكن أن يصل كراء الطائرة إلى 20 مليون سنتيم يوميا.
وهناك احتمالان لتمويل التنقلات الانتخابية لبنكيران عبر طائرة خاصة، وهنا الحزب مطالب بالكشف عن الوثائق المتعلقة بهذه النفقات في إطار الشفافية التي ينادي بها، فإما تمول من الصندوق الأسود الخاص برئاسة الحكومة والمخصص لتنقلات رئيس الحكومة، والذي تقدر ميزانيته بـ60 مليون درهم، أي 6 ملايير سنتيم، وإما تمول من الدعم العمومي المخصص لتمويل الحملات الانتخابية الذي تمنحه الدولة للأحزاب السياسية، وهنا سيكون بنكيران وحزبه في تناقض مع سياسة التقشف التي ينهجها داخل الحكومة والتي تنعكس على الأوضاع الاجتماعية للمواطنين، ويطبق ضدها في تدبير المال العام المخصص للحزب.
وحسب قانون المالية الحالي، يتوفر رئيس الحكومة على 6 صناديق سوداء، منها صندوقان مخصصان للنفقات من المخصصات، وأربعة صناديق عبارة عن حسابات مرصودة لأمور خصوصية، تشكل نفقاتها حوالي 6.5 في المائة من مجموع النفقات المخصصة للصناديق السوداء البالغ عددها 75 صندوقا، وخصصت الحكومة 63 مليار درهم لتمويل هذه الصناديق، وإذا احتسبنا عدد الصناديق السوداء التي يتحكم فيها بنكيران بشكل مباشر، فإن الميزانية المرصودة لها تصل إلى 4 ملايير درهم، أي 400 مليار سنتيم.
يرصد بنكيران حوالي 40 مليون درهم من الصندوق الأسود لرئاسة الحكومة لتعويض خبراء يقومون بدراسات لفائدة الحكومة، ومن هؤلاء الخبراء أعضاء في حركة التوحيد والإصلاح وبعض السلفيين، بغض النظر عن أعضاء ديوان بنكيران، بحيث يتم التعاقد مع هؤلاء «الخبراء» في إطار التكليف بإنجاز دراسات لفائدة بعض القطاعات الحكومية، دون أن يظهر الأثر لهذه الدراسات في الواقع.
كما أن هناك عددا كبيرا من أعضاء دواوين وزراء حزب العدالة والتنمية يتقاضون أجورهم من مخصصات ديوان رئيس الحكومة، نظرا لفارق التعويضات بين ديوان بنكيران ودواوين باقي الوزراء، ما جعل عدد أعضاء ديوان بنكيران يفوق عدد أعضاء ديوان اليوسفي وجطو وعباس الفاسي مجتمعين.
حسب تقرير المجلس الأعلى للحسابات، يبلغ مجموع ميزانية حزب العدالة والتنمية 68 مليون درهم، تشكل حصة التمويل العمومي منها حوالي 87 في المائة، بمجموع يقارب 60 مليون درهم، منها 12 مليون درهم حصل عليها الحزب في إطار الدعم العمومي للمساهمة في تغطية مصاريف الحزب، و47 مليون درهم حصل عليها في إطار تمويل الحملات الانتخابية بمناسبة الانتخابات التشريعية لسنة 2011، فيما لم تتجاوز المداخيل الذاتية للحزب من واجبات الانخراط وباقي العائدات، مبلغ 8 ملايين درهم.
رصد التقرير أن حزب العدالة والتنمية، لم يقم بإرجاع مبالغ الدعم إلى الخزينة العامة للمملكة والتي استفاد منها برسم مساهمة الدولة في تمويل حملاته الانتخابية بمناسبة استحقاقات الانتخابات التشريعية التي جرت يوم 25 نونبر 2011، ولذلك طالبه مجلس جطو بإرجاع مبلغ 190 مليون سنتيم، لعدم تقديم الحزب وثائق لتبرير صرف المبلغ المذكور برسم مساهمة الدولة في تمويل حملات الحزب الانتخابية.
كما أن حزب رئيس الحكومة قدم تقريره المالي الذي أنجزه خبير محاسب، دون أن يتضمن صيغة الإشهاد بصحة الحسابات ولم يتم وضعها وفق النموذج المعتمد في هذا الإطار والوارد ضمن دليل معايير التدقيق القانوني والتعاقدي المحدد من طرف المجلس الوطني لهيئة الخبراء المحاسبين بالمغرب.
كما ورد في تقرير المجلس الأعلى للحسابات أن حزب العدالة والتنمية، قام بتحويل مبالغ مالية لكتاباته الجهوية والإقليمية والمحلية تقدر بـ39 مليون سنتيم، ولتبرير هذه المبالغ، لم يتم الإدلاء سوى بأوامر التحويل البنكية، كما قام الحزب بصرف مبالغ مالية لشركة إعلامية قدرها 62 مليون سنتيم وتم دعم هذه المبالغ بأوامر التحويل فقط.
وحسب القانون، يتولى المجلس الأعلى للحسابات فحص مستندات الإثبات المتعلقة بصرف المبالغ التي تسلمها كل حزب معني برسم مساهمة الدولة في تمويل حملاته الانتخابية، وإذا تبين للمجلس الأعلى للحسابات أن المستندات المدلى بها من لدن حزب سياسي في شأن استعمال مبلغ مساهمة الدولة الممنوح له برسم حملاته الانتخابية لا تبرر، جزئيا أو كليا، استعمال المبلغ المذكور طبقا للغايات التي منح من أجلها أو إذا لم يدل بالمستندات والوثائق المثبتة المطلوبة، يوجه الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات إلى المسؤول الوطني عن الحزب إنذارا من أجل إرجاع المبلغ المذكور إلى الخزينة أو تسوية وضعية الحزب خلال أجل ثلاثين يوما من تاريخ الإنذار.
وإذا لم يقم الحزب المعني بالاستجابة لإنذار الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات داخل الأجل المحدد قانونا، يفقد الحزب حقه في الاستفادة من الدعم السنوي إلى حين تسوية وضعيته تجاه الخزينة، دون الإخلال باتخاذ التدابير والمتابعات المقررة في القوانين الجاري بها العمل.
سنرى إذا كيف سيبرر رئيس الحكومة كل هذه النفقات الباذخة التي يصرفها على جولاته الانتخابية لتسيير حملة مرشحي حزبه، عوض أن يجلس في مقر وزارته وينشغل بتسيير البلد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى